في ظل التعقيدات المحلية والإقليمية، هل ستتمكن من إنجاز انتخاب رئيس جديد للجمهورية؟

لا.... تشكيل الحكومة لا يمهد حكما لانتخاب الرئيس

TT

يبدو أن تشكيل الحكومة العتيدة بات وشيكا بعد أشهر من المشاحنات السياسية بشكل ثانوي حول المداورة بين الحقائب، وبشكل أساسي حول البيان الوزاري وما سيتضمنه من نص انقسم عليه الأفرقاء قبل أن يتوافقوا على شكل الحكومة ووزرائها. والانقسام طبعا ليس على النص بمعناه اللغوي بل بمحتواه السياسي أو الاستراتيجي إذا جاز التعبير.

والسؤال القانوني والسياسي الذي يطرح في هذا السياق يتمحور حول مدى الاعتراف بوضعية المقاومة، أي حزب الله، ودوره في الصراع مع إسرائيل، والذي تبلور مرارا عبر عبارة «الشعب والجيش والمقاومة» التي سادت البيانات الوزارية للحكومات المتتالية.

وهذا المثلث بذاته لم يشكل مادة نزاعية حادة إلا يوم اختلفت الآراء حول مآل «المقاومة» وحدودها، أي أن الوضع السوري المتأزم وما تلاه من تدخلات ومداخلات هو الذي أدى إلى استعار الخلافات بهذا الشكل الواسع بعد أن توافق الجميع على «إعلان بعبدا» الذي يكرس موقع لبنان الوسطي في الأزمة السورية، أي ما يعرف بـ«النأي بالنفس».

ولهذا الإعلان أهمية مضاعفة بما تلقاه من دعم وتبن من المجموعة الدولية لأنه يبغي الحد من انغماس اللبنانيين في النار السورية التي يمكن أن تطول لسنوات، كما الحد من امتداد «حرب الأمم» في سوريا إلى لبنان مع كل وبالها. إذن سيفكك تشكيل الحكومة بعض العقد القائمة مما يسهل إمكانية انتخاب الرئيس ضمن المهلة المحددة في الدستور، من دون أن يكون التشكيل شرطا كافيا لإجراء الانتخابات.

إن قيام الحكومة يظهر مرونة معينة في المواقف الإقليمية المتشددة، لكنه لا يفكك كل المشاكل العالقة بأبعادها الداخلية والإقليمية. والتوافق الآتي حول الحكومة لا يعني بالضرورة تسهيلا للآليات الدستورية التي يجب أن تأخذ مجراها الطبيعي ضمن القواعد المرعية الإجراء. فالحكومة الآتية تستطيع حلحلة بعض المسائل ذات الطابع التقني أو العادي، أي بعض التعيينات في الإدارة وإجراء بعض التشكيلات القضائية والدبلوماسية والقيام بإدارة الشؤون العامة المنوطة بصلاحيات السلطة الإجرائية. ولكن السؤال يتمحور حول الأسباب الأساسية الكامنة وراء عجز النظام السياسي والدستوري اللبناني عن إنتاج السلطة حسب الأصول المرعية الإجراء.

لا بد من الإشارة الواضحة إلى أن النظام اللبناني يعاني من معضلات دستورية ونزاعات حادة، ولكن هذا لا يشكل سببا كافيا لحالة التعطيل التي تطالعنا كل فترة، ولا سيما قبيل الاستحقاق الرئاسي.

تعثر المؤسسات الدستورية يرجع بشكل مباشر إلى التعقيدات السائدة على الصعيد الإقليمي، وحتى الدولي في بعض الأحيان، تارة بين بعض الدول العربية - كما كان الحال طوال حقبات ماضية - أو مثلما نعيش اليوم، بين دول عربية مؤثرة ودول غير عربية، لديها جميعا وإن بأشكال مختلفة، حضور على الساحة اللبنانية من خلال حلفاء أو امتدادات ذات بعد حزبي أو طائفي أو سياسي.

في الواقع الحاضر، يعيش لبنان تحت تأثير أزمات المنطقة وفي طليعتها الأزمة السورية المفتوحة. وما سيؤسس له في اجتماع «جنيف 2» وما سينتج عنه من «خطط طرق» لم يتبين منها حتى تاريخه مدى الإدارة والقدرة على تطبيق تلك المقررات، مما يعني والحالة هذه أن فشل «جنيف 2» أو اعتباره محطة على طريق «جنيف 3» سيؤدي إلى ستاتيكو Status Quo - أي «أمر واقع» - غير مفيد للبنان، باعتبار أن التشنج في سوريا سيستمر ويتزايد، مما ينعكس سلبا على واقع لبنان ومواقف وأداء الأطراف المؤثرة فيه.

وللأمانة العلمية السياسية، لا بد من الإشارة إلى أن «جنيف 2» كإطار للحل لن يكتب له النجاح المطلوب إلا في سياق تطور الملف النووي الإيراني، وذلك لأن المستقبل السوري مرتبط عضويا على الصعيد «الجيوسياسي» بموقع إيران على صعيد المنطقة وتفاعلها السلبي أو غير السلبي مع محيطها والعالم.

إذن، يمكن القول إن ارتباط لبنان بالوضع السوري المتعلق بدوره بوضعية إيران مع الأميركيين والروس، هو قراءة واقعية للمناخ العام السائد على أكثر من صعيد إقليمي ودولي. ولكن ما لا يمكن إغفاله هو الدور الوازن للمملكة العربية السعودية عبر حضورها المؤثر في العالم وقيادتها في العالمين الإسلامي والعربي.

عناصر التواصل التي تفضي إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية هي عينها الأسباب التي يمكن أن تقوض هذه العملية الدستورية لتبقي على لبنان أسير النزاعات بين «الجمهوريات» المختلفة الانتماءات القائمة ضمن سيادته، والتي تشكل إلى حد كبير امتدادا «طبيعيا» للأجواء الجيوسياسية السائدة في المنطقة الشرق أوسطية.

لذلك، فإن تأليف الحكومة هو موعد إيجابي يفتح المجال أمام انتخابات رئاسية من دون أن يكون عاملا كفيلا وكافيا يضمن تنظيمها ضمن المهلة المحددة في الدستور القائم على ميثاقية مميزة هي عينها الميزة وباب المعضلات على حد سواء.

* محام دولي لبناني – دكتور في القانون الدولي من جامعة باريس – رينيه ديكارت، وأستاذ محاضر للقانون الدولي في الجامعات اللبنانية