وهل يمكن احتواء الوضع الليبي بمعزل عن أوضاع مصر وتونس؟

نعم .. لأن لليبيا خصوصية تختلف عن حالتي مصر وتونس

TT

الحالة الليبية بخصوصيتها، تختلف عما يجري في كل من مصر وتونس. لدى ليبيا خلفيات معقدة بسبب أكثر من 40 سنة من حكم القذافي، وأصبحت هذه الحالة تنعكس على الحاضر.

وضع ليبيا يستدعي فعلا، وبالدرجة الأولى، من كل القوى السياسية على كل اختلافاتها وصراعاتها، التوافق.. لأنها لا بد أن تصل إلى حالة من حالات الاحتواء الكامل لما هو قائم، لكن الصعوبة الموجودة، بالفعل، تكمن في محاولة بعض القوى السياسية ربط الحالة الليبية بأجندتها الخاصة، الفكرية والسياسية والآيديولوجية، وبالبلاد المجاورة.. ومنها بالدرجة الأولى مصر وتونس.

بالطبع، هذا يظهر جليا في ارتباط جماعة الإخوان المسلمين، أو حزب العدالة والبناء (التابع لـ«إخوان ليبيا») بما يحدث في مصر الآن، بعد عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي، واعتبار مصر جماعة الإخوان «منظمة إرهابية».

هذا شكل بالنسبة لـ«الإخوان» في ليبيا خطرا، بعدما كانوا يعتقدون أن ما يدور في مصر إبان حكم مرسي سيستمر، وكانوا لهذا يقدمون الدعم ويتشاورون مع القيادات الإخوانية المصرية، بمن فيهم المرشد العام، لكن هذا الأمر اكتشفه الشعب الليبي، وبالتالي تراجعت أسهم هذا الحزب، أو هذه الجماعة، في الشارع الليبي بنسبة تكاد تكون بما بين 60 و70 في المائة.

ومن ثم بدأت جماعة «الإخوان» في ليبيا استخدام تكتيكات مغايرة، كان آخرها في ترشيحات اللجنة التأسيسية لوضع الدستور؛ إذ لوحظ أنهم أصبحوا يستخدمون أسماء لمرشحين غير محسوبين ظاهريا على جماعة الإخوان المسلمين أو حزب العدالة والبناء، من أجل أن تضمن الجماعة دورا في موضوع صياغة الدستور لاحقا، لخدمة أهدافها وأجندتها.

وبالنسبة لما مرت به مصر من تجربة حكم محمد مرسي و«الإخوان»، فإنه على الرغم من اختلاف الظروف في البلدين، فإن الليبيين وعوا هذا الأمر، وما حدث في مصر نبّه الليبيين جميعا، بقواهم السياسية الواعية، إلى هذه القضية.. وبالتالي فهم يعدّون الآن لبداية عزل هؤلاء الناس (الإخوان) وإبعادهم عن المواقع الحساسة والمهمة أثناء محاولة بناء الدولة، وهذا أثار عندهم رد فعل عنيفا، ربما، اتضح في استعمال القوة والاضطهاد للآخرين.

هذا التحول عدته القوى الليبرالية تحولا مهما يرتبط بأجندة أساسية في عملية التحول من الثورة إلى الدولة وبناء مؤسسات الدولة. هذا من جانب، ومن جانب آخر، ثمة قوى سياسية ترتبط بالحالة المصرية ارتباطا موضوعيا وصحيحا، حتى إنه طرح بشكل عام على الإعلام أنه لا بد من قيام رئيس الوزراء علي زيدان بزيارة للقاهرة وبصحبة مسؤولين في قطاعات الاقتصاد والتجارة وكذلك الأمن والجيش لتوقيع «مذكرة تفاهم» كاملة بين البلدين تراعي مصالح كل الأطراف، خاصة لحماية الحدود.

ولكن مع ذلك تبقى «خصوصية» التجربة الليبية التي تختلف عن تجربة كل من مصر وتونس.. فالنظام السابق في ليبيا زرع مجموعة من العقبات التي اتضح الآن أنها تعوق فعلا عملية التحول السريع بعد أي ثورة. ومثل هذه العقبات التي نحاول حاليا التغلب عليها، غير موجودة في البلدان الأخرى.. ومنها أن نظام القذافي زرع قضية العشائرية والقبلية وأعطاها دورا محورا في العمل السياسي في عهده، إضافة إلى غياب الأحزاب أو قانون للعمل الأهلي الحقيقي طيلة عقود.. بل إن قانون الأحزاب الذي وضعه المجلس الانتقالي السابق (بعد ثورة 17 فبراير 2011) كان قانونا سيئا للغاية؛ إذ أعطى الفرصة لأن تتشكل مجموعة من الأحزاب المائعة التي لا تملك شيئا، وأيضا تعمل في إطار عشائري وقبلي.

أيضا طرحت قضية أصبحت تشكل معضلة في ليبيا الآن، وبات يدعمها بعض الأطراف الأخرى من بقايا النظام السابق، وبعض الأطراف الموجودة في الداخل وبعض العشائر، وهي قضية «الفيدرالية» بالأسلوب الذي طرحت به.. أي لم تطرح بشكل عام على مستوى ليبيا، ولقد كان من الممكن أن تكون حلا مثاليا في «اللامركزية» وفي قضايا التنمية والتنافس، لكنها للأسف طرحت بعنف شديد أدى إلى وجود انقسامات. إن الخصوصية الليبية التي تختلف عن تجربة كل من مصر وتونس تتمثل في كل هذا الإرث الذي بدأت تداعياته تظهر على السطح، يضاف إليه الانتشار الكثيف للسلاح تحت اسم «الثوار».. وهذه القوى التي تملك السلاح تشكل مشكلة حقيقية برفضها أن تلتحق بالجيش أو الشرطة، وترفض أن يقود أفرادها عقداء أو رواد أو أناس أعلى منهم رتبة ومحسوبين على النظام السابق، وهذه عقبة كبرى، لأنك لا تستطيع أن تبني قوة عسكرية أو جيشا أو قوى أمنية من أناس ومن أفراد لا يتمتعون بالتجربة أو الخبرة أو الدراسة أو أي مزية أخرى. كذلك يختلف الوضع الليبي عن الوضعين في مصر وتونس في أن ليبيا - بعد مرور نحو ثلاث سنوات على الإطاحة بالنظام السابق - أخفقت حتى الآن في تأسيس جيش وشرطة قويين. ومع ذلك، يبقى الأمل معلقا على انتخاب اللجنة التأسيسية التي ستضع الدستور الجديد للبلاد قريبا.

* الأمين العام لحزب التحالف الوطني الديمقراطي في ليبيا