وهل يمكن احتواء الوضع الليبي بمعزل عن أوضاع مصر وتونس؟

لا .. العلاقات التاريخية والحديثة تبين أن ما يحدث ينتقل بسهولة إلى الجوار

TT

الوضع يبدو متدهورا في ليبيا في سياق التوترات الإقليمية التي فيها مصر وتونس على وجه الخصوص، مع مراعاة الاستقرار الجزئي في تونس بعد موافقة الحكومة على استفتاء الدستور التونسي الوسطي.

ومع تصاعد تهديدات «القاعدة» وجماعات الجريمة المنظمة في ليبيا، فقد دفعت هذه التهديدات السلطات الليبية والمصرية والتونسية للتعاون معا لمواجهة هذه الجماعات التي ترعرعت تحت مظله انعدام الاستقرار أو الأمن، والتي استفادت من وفرة السلاح وتشابه العقيدة الثورية والتطرفية في هذه الدول لأنها دول جوار وحدودية.

الوضع الحالي في مصر أرغم الجماعات الإسلامية المتطرفة وكوادر من تنظيم الإخوان المسلمين على الهرب خارج الحدود المصرية، ومنهم من هرب إلى ليبيا بحثا عن ملاذ آمن في أحضان رفقائهم في «الجهاد».. من تنظيم «الإخوان» و«الجماعة الإسلامية المقاتلة» وتنظيم «القاعدة في ليبيا وبلاد المغرب العربي».

تجمع كوادر من الإخوان المسلمين المصريين في ليبيا هو لمساندة تنظيم «الإخوان» هناك كي لا يتكرر في ليبيا «سيناريو» ما يسمونه «الانقلاب العسكري» على الجماعة في مصر، مما دفع تنظيم «الإخوان» في ليبيا إلى تأجيج الصراع القبلي السياسي بين الوسطيين والإسلام المتطرف، بوصفه ذريعة للدفع بالإسلام على الشكل «الإخواني الوسطي» كما حدث أخيرا في تونس.

ملايين من الليبيين يقصدون سنويا مصر وتونس للعمل أو السياحة أو العلاج أو الدراسة، بالإضافة إلى أن معظم سكان شرق ليبيا لهم علاقات أسرية وطيدة بأهل مصر، مما أدى إلى نقل الفكر والحراك السياسي والثوري الليبي إلى مصر.. والعكس صحيح.

العلاقات التاريخية الحديثة تبين أن ما يحدث في مصر ينتقل بسرعة وسهولة إلى دول الجوار.. فلقد وقعت ثورة ليبيا بعد اندلاع الثورة المصرية يوم 25 يناير (كانون الثاني) 2011 ببضعة أسابيع، وبالتحديد يوم 17 فبراير. وتاريخيا، تعدّ مصر «قلب الشرق الأوسط» وما يحدث في مصر يؤثر مباشرة في الدول المحيطة.

من جانبها، تعدّ ليبيا امتدادا استراتيجيا لمصر، والتعاون مع الدول المحيطة بها كتونس يعد شيئا أساسيا لخدمة الأمن القومي المصري. واليوم يحاول الإسلاميون السيطرة على مقاليد الأمور في ليبيا باستخدام الكتائب المسلحة كواجهة، إلى حين تمكن الإسلام السياسي المتطرف من معظم المناطق في شرق ليبيا، من بنغازي ودرنة، حتى الحدود المصرية - الليبية، وربما داخل الأراضي المصرية في محافظة مطروح المجاورة.. وهذا مما يجعل الحدود المصرية - الليبية عرضة للاختراق من قبل الجماعات المتطرفة لتنفيذ عملياتها الإرهابية لوضع ضغط سياسي على مصر وجعلها مسرحا لهذه العمليات. ومن شأن وضع كهذا أن يؤدي لحالة من الاضطراب، ومن ثم يفتح الباب للمفاوضات السياسية بين النظام المصري الحالي والجماعات المتطرفة في المنطقة لتأمين مشوارها السياسي.

وقد يؤدي هذا، بطريقة أو بأخرى، إلى التدخل المصري داخل الأراضي الليبية لمحاربة الإرهاب. لكن على أية حال، تبقى الحقيقة التي لا تخفى على أحد، هي أن التوتر داخل الأراضي الليبية يؤثر بشكل واضح على تونس ومصر وحتى على الجزائر، والدليل على ذلك العمليات الإرهابية التي وقعت داخل الأراضي التونسية على أيدي متطرفين مناوئين للتيار الليبرالي في تونس، ومنها اغتيال شكري بلعيد.

النجاح والفشل للإسلاميين في ليبيا يعتمد على نجاح أو فشل الحكم الحالي في مصر الذي أخذ صبغة عسكرية على ما يبدو. ولذا ما حدث في مصر يعدّ تنبيها للإسلاميين في ليبيا ليتوخوا الحذر ويتجنبوا ما حدث في مصر للإخوان المسلمين يوم 3 يوليو (تموز) الماضي.

على الجانب الآخر، للوضع التونسي تأثير مباشر على الوضع السياسي للإخوان المسلمين في ليبيا، بل ليبيا ككل.. والدستور التونسي جرى الاستفتاء عليه الأسبوع الماضي، مما يعد بارقة أمل وأداه للتأثير على الشؤون الداخلية الليبية.. والانفصال القطبي بين الإسلام المتطرف والليبرالي أدى إلى ظهور الإخوان المسلمين في عباءة «الإسلام الوسطي»، الذي هو بطبيعة الحال ملاذ آمن لـ«الإخوان» وطريقة لمتابعة خططهم السياسية كالمعتاد، كما رأينا في دستور تونس الذي جرى التصديق عليه أخيرا.

حزب «النهضة» لعب دور الوسيط في الصراعات السياسية الداخلية في تونس، وما حدث مع الدستور كان عبارة عن «الهروب الكبير» لـ«الإخوان» أو طوق النجاة للحفاظ على كينونتهم بوصفهم تنظيما دوليا ذا مخططات عبر الحدود، وله مطامع في سياسات دول «الربيع العربي». ومن هذا المنطلق، قد يؤدي تغيير الدستور التونسي إلى تأثير مباشر على الأمور السياسية في ليبيا.

ومن هنا نرى أن هناك تواصلا وعلاقات مترابطة بين الحركات الإسلامية بشكل عام حول العالم، وبالتالي، فإن سقوط واحد منهم في بلد يدعو الجميع للتفكير في كيفية إنقاذ الآخر. ومن الناحية العملية، لا يمكن عزل الموقف الحالي في ليبيا عن مصر أو تونس بما أن هناك ترابطا استراتيجيا بين هذه الدول، كما رأينا من الموقف المصري بشأن الثورة الليبية حين فتح المجلس العسكري الحدود الليبية للمعونات الإنسانية لدخول الأراضي الليبية من مصر، ولمتابعة الموقف من على أرض الواقع. وعلى المدى الاستراتيجي، فإن نجاح واستقرار ليبيا يعد نجاحا لمصر اقتصاديا وعسكريا وسياسيا بوصفه عاملا مشتركا في نجاح «الربيع العربي».

* محلل أميركي من أصل مصري متخصص في شؤون منطقة الشرق الأوسط وزار ليبيا عدة مرات