هل تعد الجامعات الأجنبية في دول الخليج نقلة نوعية مفيدة ومطلوبة؟

نعم .. بصفة عامة.. فكرة جيدة ومفيدة مع أن فروعها دون مستوى الجامعات الأم

TT

لا جدال في أن العالم الغربي سبقنا بفترة طويلة جدا في مجال التعليم، خصوصا التعليم الجامعي. فنحن نتحدث عن جامعات عريقة، أسست قبل قرون، من شاكلة جامعة هارفارد في الولايات المتحدة، وكمبردج وأكسفورد في بريطانيا، والسوربون في فرنسا، وغيرها من المؤسسات الأكاديمية الراقية. وفي المقابل، كلنا نعلم أن جامعات الخليج لا يتجاوز عمر أقدمها بضعة عقود. ولذا فكرت دول الخليج في إنشاء شراكات أكاديمية وذلك عن طريق فتح فروع لبعض أشهر الجامعات الغربية وأكبرها، كعمل مواز للبعثات التعليمية التي يجري من خلالها إرسال أبناء الخليج ليكملوا تعليمهم الجامعي أو العالي (المتقدم كالماجستير والدكتوراه) في الجامعات الغربية. وهذا جهد كبير تشكر عليه هذه الدول، وبالتأكيد هو أمر مفيد لدول ناشئة.

ولكن مهلا، إذ علينا أن نتوقف... لنطرح بعض الأسئلة المهمة! هل يصح أن نتحدث عن فروع الجامعات الغربية في دول الخليج ككيانات متماثلة لجامعاتها الأم... أم نتحدث عنها كل على حدة؟

هذا أمر يصعب التحقق منه والجزم به. وبالتأكيد، فإنها ليست متماثلة عطفا على سياسات الدول التي أسست فيها من جهة، والشروط التي جرى الاتفاق عليها بين الطرفين من جهة أخرى. فربما كانت هناك بعض الجامعات جرى تأسيسها في دول الخليج لأسباب تجارية بحتة، وهنا لا يصح الحديث عنها، ناهيك عن تقييمها... وذلك لأنها ببساطة تحمل جذور فشلها معها. ولكن دعونا نفترض أن هذه الجامعات أسست بنية صادقة، واستكملت كل الشروط اللازمة لتكون منارات أكاديمية للجامعة الأم التي تحمل اسمها، فهل تتساوى هذه الفروع الخليجية مع الجامعة الأم في أدائها ومخرجاتها... وهذا هو بيت القصيد؟

من ناحية نظرية يصعب الجزم بأن بإمكان فروع الجامعات الغربية في دول الخليج أن تكون مماثلة للجامعات الأم. فالجامعة تحتاج إلى كوادر أكاديمية على مستوى عال من التميز، وهذا شرط يصعب تحقيقه في الفرع الخليجي، لأن مثل هذه الكوادر تستطيع الحصول على عمل في مؤسسات أكاديمية غربية راقية. وبالتالي، فمهما كانت المغريات التي تقدم لهذه الكوادر فإنه سيصعب استقطاب الأعداد المطلوبة من أعضاء هيئة التدريس المؤهلين. وفي اعتقادي أن هذه الفروع تستطيع استقطاب أكاديميين مؤهلين.. ولكن لا يمكن بحال من الأحوال أن يكونوا على مستوى التأهيل الذي يحمله نظراؤهم في الجامعات الأم. كمثال على ذلك لنفترض جدلا أن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (الإم آي تي) - وهو من أعرق المؤسسات الأكاديمية العالمية وأكثرها تميزا - قرر تأسيس فرع له في الخليج، فهل يمكن لأحد أن يتوقع أن الكوادر الأكاديمية التي ستعمل فيه ستكون على نفس المستوى الموجود في المعهد الأم؟! هنا لا أحسب أن أحدا سيجيب بـ«نعم». وأظن أن هذا المثال يلخص كل الحكاية.

لذا نخلص إلى القول بأن تأسيس فروع للجامعات الغربية العريقة في دول الخليج فكرة جيدة ومفيدة، ولكن ليس بوسعنا حتما التفاؤل بها إلى الدرجة التي تجعلنا نعتقد أنها ستكون مماثلة، أو حتى شبه مماثلة، للجامعات الأم.

مع ذلك من واجبنا أن نتفاءل، فربما أصبحت بعض هذه الفروع مؤسسات راقية إذا ما جرى احتضانها وتطويرها بمهنية عالية. وربما تكون تجارب ناجحة مثل ما سبقها من تجارب عربية كالجامعة الأميركية في القاهرة والجامعة الأميركية في بيروت، وكذلك – ولو على مستوى آخر – كلية فيكتوريا العريقة والراقية بالإسكندرية، التي كتب عليها الفناء وهي في أوج مجدها وتميزها!! أما عن شهادات الجامعات الغربية في الخليج، فبالتأكيد أن الشهادة التي يحصل عليها الخريج من هذه الجامعات، خصوصا تلك التي أسست على منهج أكاديمي راقٍ قدر الإمكان، فستكون أفضل بكثير من شهادات الجامعات العربية الموازية، ولكن يظل الهاجس المخيف أن تستغل بعض الجهات الربحية مثل هذا التطور بطريقة تجارية. وهنا سيكون هدف الدارس في الجامعات الغربية في الخليج مجرد الحصول على شهادة ممهورة بختم جامعة عالمية من دون الحصول على معرفة حقيقية.

هنا نتحدث عن كارثة أكاديمية حقيقية... وهذا أمر لا نتمنى حدوثه، ولكن دعونا نتفاءل بمستقبل مشرق.

* أستاذ جامعي وباحث أكاديمي وكاتب سعودي