هل تعد الجامعات الأجنبية في دول الخليج نقلة نوعية مفيدة ومطلوبة؟

لا .. رغم إيجابياتها.. لا تفتح أمام الطالب آفاقا معرفية جديدة تتوافر في الابتعاث

TT

تدرس إدارة التعليم الأهلي في وزارة التعليم العالي بالمملكة العربية السعودية عدة طلبات من جامعات أجنبية وعربية للترخيص لها بإنشاء فروع في السعودية، بحسب ما ذكرت بعض الصحف قبل أكثر من شهر. وتعقد وزارة التعليم العالي اجتماعات بين مستشاريها ومستشاري الجامعات السعودية لإعداد لائحة خاصة للجامعات الأجنبية ولائحة لنظام الاستثمار الأجنبي وتشترط الوزارة أن تكون الجامعات الأجنبية المتقدمة بالطلبات ضمن أفضل 100 جامعة عالمية، وأن يخضع أعضاء هيئة التدريس فيها لمعايير القبول والتدريس في الجامعة الأم، وتدرس مناهجها نفسها في الجامعة الأم مع إضافة مواد عن الثقافة الإسلامية واللغة العربية، وتخضع أنظمتها لعادات وتقاليد الدين الإسلامي ولا تنافي الأنظمة المعمول بها في السعودية، ويجري فصل أقسام الطلاب عن الطالبات.

وبذلك تنضم السعودية إلى دول الخليج الأخرى التي فتحت أبوابها لفروع الجامعات الأجنبية خلال السنوات الماضية وبتزايد ملحوظ. ولكن هل مجرد فتح فرع لجامعة مرموقة ذات اسم رنان ومكانة علمية عالية في دول الخليج كاف لتخريج طلبة بنفس مستوى الطالب الذي يتخرج في الجامعة الأم؟ في اعتقادي لا، وربما لن يكون أفضل بكثير من مستوى الطالب الذي يتخرج في جامعة حكومية أو أهلية ممتازة، ولكن غالبا سيكون أفضل إلى حد ما إذا استطاعت الجامعة الأم أن تحافظ فعلا على جودة التدريس والمناهج. وهذه فرضيات لأن التجربة جديدة ولم نرَ بعد نتائجها على المدى الطويل رغم وجود تجارب ناجحة في دول عربية أخرى مثل لبنان ومصر، ولكن لا نستطيع أن نقارن تجارب هذه الدول بدول الخليج بسبب الاختلافات الجذرية بين تاريخ وثقافات تلك الدول ودول الخليج وبين هيكلية ونظام التعليم العالي هناك وأيضا نظام ولوائح الجامعات الأجنبية نفسها وتاريخ نشأتهم هناك.

وبالنظر إلى شروط وزارة التعليم العالي لفتح فروع الجامعات الأجنبية في السعودية، على سبيل المثال، بأن يخضع أعضاء هيئة التدريس فيها لمعايير القبول والتدريس في الجامعة الأم، وتدرس مناهجها نفسها في الجامعة الأم، وفي الوقت نفسه ستخضع هذه الجامعات إلى 99 في المائة من اللائحة الداخلية للتعليم الأهلي بحسب ما ورد في الصحف. وتنص هذه اللائحة على أن يضم مجلس أمناء الجامعة ممثلا عن وزارة التعليم العالي، بعد تشكيل المجلس بقرار من الوزير، كما يشترط أن يكون مدير الجامعة سعوديا ويعين بقرار من الوزير لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد، وتخضع الجامعة لإشراف الوزارة من جهة اعتماد نظامها وخططها الدراسية وبرامجها العلمية والشهادات والدرجات التي تمنحها، وإصدار القواعد التي تضمن الملاءمة الأكاديمية لنوعية البرامج والمناهج التعليمية ومراكزها البحثية، والتأكد من سير برامج الجامعة ومناهجها وفق الأهداف والأغراض المحددة بما يتفق مع السياسة التعليمية للمملكة والمراجعة الدورية لأداء الجامعة من خلال التقارير والزيارات الميدانية. فهل نتوقع بعد الامتثال لهذه اللائحة أن يكون المستوى الأكاديمي للجامعة الفرع مثل الأم؟ من المعروف أن الجامعات الأجنبية المرموقة ذات السمعة العالمية هي جامعات مستقلة ولها منهجها الأكاديمي ومبادئها وأسلوبها، ومن أهم الأشياء التي يستفيدها الطالب عند الدراسة في الخارج التعرف على مناهج تعليمية مختلفة وأسلوب تعليم مختلف، مما يفتح له آفاق المعرفة والاطلاع والتفكير الحر خارج الإطار وبعيدا عن التلقين والنمطية، وهذا لا يأتي من مجرد نقل ونسخ التجربة من خلال إنشاء المباني ووضع اسم الجامعة الأجنبية عليها واستيراد هيئة التدريس والمناهج التي تلائم ثقافتنا وخصوصيتنا وديننا، مما سيتطلب ممارسة الكثير من الرقابة عليها. ولا أدري ما هي اللوائح التنظيمية في دول الخليج التي سمحت لفروع جامعية أجنبية ولكن أتوقع أن تكون هناك بعض القيود.

ومن المفترض أن الهدف المرجو من فتح فروع لجامعات أجنبية هو رفع جودة وكفاءة التعليم العالي في السعودية وأيضا الحد من الابتعاث الخارجي وتكاليفه وتوفير جزء من مصروفاته على الدولة والمبتعثين وكذلك خلق المنافسة بين الجامعات الأهلية. ولا أشك أن فتح هذه الفروع سيرفع جودة وكفاءة التعليم وسيخلق منافسة بين الجامعات الأهلية، أما الحكومية فستظل خارج المنافسة والتطوير، ما عدا قلة منها قد تحرص على مواكبة التطورات، لأن الطلبة الذين يدخلون الجامعات الأهلية هم من طبقة معينة أو أبناء الجاليات المقيمة في السعودية، مما سيؤدي مع الوقت إلى اتساع الفجوة النوعية بين مخرجات التعليم الجامعي الأهلي والحكومي التي نشاهدها الآن. وهذا بالتالي سيؤثر على التوظيف؛ لأن القطاع الخاص يستقطب الأفضل والقطاع الحكومي لا يستطيع أن يستوعب كل الخريجين، وبالتالي تتفاقم مشكلة البطالة بين الجامعيين.

أما بالنسبة للحد من الابتعاث فأنا أومن بأن إحدى الفوائد القيمة التي تبقى مع المبتعث هي تجربة العيش في مجتمع وبيئة مختلفة والاختلاط مع أناس من ثقافات وجنسيات متنوعة والتفاعل مع نمط الحياة هناك والتعرف على الحضارات والتعريف بالإنسان السعودي الذي أصبح موسوما بالإرهاب والرجعية، فهؤلاء الطلبة هم سفراؤنا لدى الخارج، خاصة إذا كانوا يمثلون النموذج الصالح والمجتهد والوسطي، ومثل هذه التجارب تثري حياة الشخص وتفتح عقله ومداركه. والابتعاث مفتوح للطلبة من جميع الطبقات طالما أثبتوا تفوقهم وجديتهم، وبالتالي، تتساوى الفرص.

وهناك الكثير من السعوديين الذين أرسلوا أبناءهم، وخاصة بناتهم، للدراسة في الجامعات الأجنبية في دول الخليج المجاورة لأنها قريبة ولا تحتاج إلى تأشيرة، وفي مجتمع محافظ، ولديها مجالات دراسة متنوعة قد لا تكون متوفرة في السعودية والشهادة تحمل اسم جامعة مرموقة وهذا هو المهم. وهناك أيضا من سجل في برامج الدراسات العليا في تلك الجامعات لنفس الأسباب.

في كتاب «التعليم العالي في السعودية: رحلة البحث عن هوية» للأستاذ أحمد العيسى، مدير كلية اليمامة في الرياض سابقا، الذي صدر عن «دار الساقي» عام 2011، يذكر أن أكبر مشكلة في التعليم العالي هي جودة المادة التعليمية، وأن ارتباط الجامعات بالدولة يجعل مساحة الحرية للجامعة ضيقة، وبالتالي يضيق مجال الإبداع والتفوق. ويرى الأستاذ العيسى أن الجامعات السعودية نسخة واحدة وبلا هوية، والهوية والطابع من الصفات التي تجدها في الجامعات في الخارج وتحرص على بلورتها والمحافظة عليها، ولذلك يسعى الطلبة من داخل البلد ومن جميع أنحاء العالم إلى الالتحاق بها. وأعتقد أن فروع الجامعات الأجنبية تفقد كثيرا من هوية وطابع الجامعة الأم بالإضافة إلى المستوى الأكاديمي ومعايير البحث العلمي.

في رأيي فتح فروع لجامعات أجنبية في السعودية ستستفيد منها شريحة صغيرة من المجتمع وخاصة الفتيات منهم، وربما ستستطيع هذه الجامعات إحداث نقلة نوعية في مستوى التعليم العالي ككل لو توفرت لها الحرية الأكاديمية والبحث العلمي وركزت على التخصصات العلمية والطبية، وأن يستفاد من إمكانيات وخبرات الجامعة الأم في تطوير الجامعات الحكومية من خلال التعاون ونقل الخبرات. لكن من الضروري أن تهتم الوزارة بتحسين أداء الجامعات الحكومية التي تتحمل الجزء الأكبر من أعداد الطلبة والتركيز على التخصصات العلمية والأبحاث.

* أكاديمية وباحثة إعلامية وكاتبة سعودية