هل تؤمن بأن التحدي الأساسي الذي تواجهه هذه الجامعات أكاديمي؟

نعم .. مع أن بعضها جيّد وأسّس لغايات أكاديمية تتجاوز الاعتبار التجاري

TT

لقد عملت دول الخليج على تطوير التعليم العالي ليواكب التنمية الشاملة المتحققة في مختلف المجالات بها التي فرضت ضرورة التوسع في التعليم العالي كمًّا وكيفًا. ونتيجة لذلك فتحت أبواب التعليم العالي للقطاع الخاص وللجامعات الأجنبية في دول الخليج. ولقد أدى دخول الجامعات الأجنبية إلى دول الخليج إلى حدوث سجال عميق حول فوائده وأضراره وإن كان الحكم على ذلك يتطلب دراسة علمية للخروج بتقييم موضوعي حوله، إلا أنه يمكننا طرح الكثير من التساؤلات التي قد تساعد في معرفة بعض الإيجابيات أو السلبيات لوجود الجامعات الأجنبية في دول الخليج.

إن دخول الجامعات الأجنبية إلى دول الخليج قد جرى من الاتفاق المباشر مع الحكومات لفتح فروع لها كما هو الحال في الإمارات وقطر، أو من خلال شراكة مع القطاع الخاص كما هو الحال في كل دول الخليج، ولذلك ينبغي تقييم كل تجربة بحسب الوضع القانوني والإداري لوجودها في دول الخليج وليس الوضع الأكاديمي فقط. فالجامعات الأجنبية التي تعاقدت معها الحكومات لفتح فروع لها تعمل من خلال رؤية محددة تهدف الحكومات إلى تحقيقها وتحصل هذه الجامعات على دعم حكومي كبير قد يفوق في بعض الحالات الدعم الحكومي للجامعات المحلية، ولذلك فإن تعامل هذه الجامعات مع الطلبة لا يقوم على رسوم دراسية يدفعها الطلبة، وإنما تلتزم بشروط قبول ومستويات دراسية بعيدة عن سياسة العرض والطلب وتحرص على أن تستقطب الطلبة المتميزين للالتحاق ببرامجها، ولذلك نجد أنها اضطرت لقبول طلبة من غير مواطني هذه الدول وتقديم منح دراسية مجانية لهم بسبب عدم توافر الأعداد المطلوبة من المواطنين الذين يستوفون شروط القبول، بالإضافة إلى أن برامجها الأكاديمية يجري تحديدها بناء على احتياجات الدولة المعنية. وأما الجامعات الأجنبية التي دخلت في شراكة مع القطاع الخاص في دول الخليج فالهدف من وجودها تجاري بحت؛ ولذلك فهي تعتمد على الرسوم الدراسية التي يدفعها الطلبة، ونوعية برامجها ومستوياتها الأكاديمية يحكمها إلى درجة كبيرة سوق العرض والطلب. وتعدّ السمعة الأكاديمية والعراقة العلمية من أهم الأسباب التي تقرر بناء عليها فتح فروع لهذه الجامعات سواء التي جرى التعاقد معها من قبل الحكومات أو التي دخلت في شراكة مع القطاع الخاص، ولذلك فإنه من الضروري أن تكون البرامج الأكاديمية التي تقدمها الجامعات الأجنبية في دول الخليج تضاهي البرامج التي تقدمها في مقراتها الأساسية، وهو الأمر الذي أرى أنه غير متحقق لعدة أسباب، منها:

1- أن بعض هذه الجامعات لا تسمح بانتقال الطالب من فروعها بدول الخليج لمقراتها الأساسية نتيجة تفاوت شروط القبول والمستويات الأكاديمية للبرامج.

2- أن برامج بعض هذه الجامعات غير خاضعة لنفس شروط الاعتماد الأكاديمي التي تتوافر في برامج المقر الرئيسي.

3- أن برامج بعض الجامعات الأجنبية التي تعاقدت معها الحكومات لا تخضع لشروط الترخيص والاعتماد الأكاديمي في الدولة ذاتها، وهذا يزيد من صعوبة التأكد من جودة برامجها الأكاديمية.

4- أن نوعية أعضاء هيئة التدريس العاملين في فروع الجامعات الأجنبية تختلف عن العاملين في المقرات الأساسية من ناحية المكانة العلمية والخبرة البحثية والأداء التدريسي، وهذا أمر طبيعي لأن إدارة الجامعة تحرص على بقاء الأفضل في المقر الأساسي لها.

5- وجود البنية التحتية المتكاملة في المقرات الأساسية للجامعات الأجنبية من موارد بشرية ومعامل ومكتبات وثقافة بحثية وشراكة مجتمعية تؤدي إلى مخرجات تعليمية لا يمكن تحقيقها في الفروع لعدم توفر ذلك كله.

رغم ذلك كله، فإن بعض الجامعات الأجنبية في دول الخليج قد لا تقل برامجها الأكاديمية عن مستوى الكثير من الجامعات المحلية سواء الحكومية والخاصة، كما أن وجودها قد حرك المياه الراكدة في برامج التعليم العالي بدول الخليج وفتح آفاقا متعددة لحوارات متواصلة تتعلق بجودة برامج التعليم العالي والهوية الوطنية والانفتاح الثقافي ومستقبل المنطقة في ضوء حراك متواصل يصعب ضبط مدخلاته فضلا عن التنبؤ بمخرجاته. ولأن وجود الجامعات الأجنبية في دول الخليج أصبح حقيقة واقعة وأنه قابل للزيادة والتوسع، فأرى ضرورة أن تلزم هذه الجامعات بمعايير الاعتماد الأكاديمي التي تلتزم بها في بلدانها الأصلية؛ لأن ذلك هو السبيل العلمية والمنهجية للتأكد من جودة تلك البرامج.

* مدير جامعة الإمارات