هل يمكن تصور حالة عراقية مستقلة عن طموحات إيران ومصالحها الإقليمية؟

لا .. ثمة تطابق تام في المصالح مع طهران.. إلا إذا قامت في بغداد سلطة مستقرة

TT

بعد ما يقرب من سنتين على انسحاب القوات الأميركية من الأراضي العراقية ينظر اليوم إلى إيران على أنها اللاعب الأجنبي الأعظم نفوذا في العراق. ومع الأخذ في الاعتبار العلاقات الجغرافية - السياسية والعلاقات الجغرافية - الاقتصادية والعلاقات الاستراتيجية بين الحكومة العراقية وطهران يبدو واقعيا التساؤل حيال قدرة العراق على إدارة سياساته الداخلية والخارجية بمعزل عن نفوذ إيران، جارتها الشرقية وحليفتها السياسية؟

للإجابة عن هذا التساؤل من الأهمية بمكان ملاحظة أن النفوذ الإيراني الحالي في بغداد يمتد إلى ما هو أبعد من التعاون العسكري - الأمني والسياسي. وكلما تعرض العراق لمزيد من الاضطرابات والنزاع الداخلي والانقسام السياسي، ازدادت سطوة إيران عليه على صعد السياسة والأمن والاقتصاد والمجتمع، وغدت البلاد أكثر اعتمادا على نفوذ طهران. وفي المقابل، لقد عرض كبار القادة العسكريين الإيرانيين تكرارا تقديم المساعدة لحكومة نوري المالكي لمواجهة المتمردين السنة، الذين يرون اليوم في المالكي وحزبه حزب الدعوة مجرد «دمى إيرانية».

في الحصيلة، وسط تصاعد التوتر الطائفي في العراق، أعلنت بعض جماعات المتمردين بما فيها «المجلس العسكري لعشائر الأنبار»، أن الهدف الأول لتحركهم هو مواجهة «الاحتلال الإيراني» والتصدي للعلاقات الوثيقة التي تربط حكومة المالكي بطهران.

إلا أن المالكي وحزبه ليسا سوى المثال الأوضح، ذلك أن لإيران علاقات حميمة ووثيقة أمنية وسياسية واستخباراتية مع جماعات شيعية أخرى قوية ونافذة، بينها «المجلس الأعلى الإسلامي في العراق»، كذلك تضاعفت سطوة إيران السياسية على العراق بفعل الأزمة السورية. وتفيد التقرير الإخبارية بأن إيران استفادت من الأراضي العراقية واستخدمتها بدعم من قادة «المجلس الأعلى» ووزير النقل الحالي هادي العامري في نقل شحنات الأسلحة إلى سوريا. أضف إلى ذلك الدعم القوي الذي قدمه «فيلق القدس» التابع لقوات «الحرس الثوري» الإيراني للميليشيات الشيعية المقاتلة في صف القوى المؤيدة لبشار الأسد في سوريا، وكذلك ضد المتمردين السنة.

على أي حال، من وجهتي نظر عسكرية وتكتيكية، أبقيت العلاقة الوثيقة بين «فيلق القدس» وحكومة المالكي في الظل بعض الشيء، وذلك رغبة في إعطاء الانطباع بأن طهران لا تتدخل في أوضاع الدول العربية باستثناء سوريا. وثانيا، تحاول حكومة رئيس الجمهورية الإيراني حسن روحاني توجيه رسالة إلى القوى الإقليمية الأخرى بأن إيران لا تتبنى سياسة خارجية طائفية أو مذهبية لا في العراق ولا في غيره.

ومن جانب آخر، تحاول الحكومة العراقية أيضا، التكتم على تعاونها الأمني والاستخباراتي والعسكري مع إيران بغية التخفيف من المخاوف الأميركية (والإقليمية) من النفوذ الإيراني في بغداد وما يقال عن طموحات طهران للهيمنة الإقليمية. ومعلوم أن التكتم على هذه العلاقات وإخفاءها مسألة حيوية لحكومة المالكي - التي تعتمد اعتمادا كبيرا على الدعم العسكري الأميركي، ومنه الاستفادة من أنظمة الرصد والمراقبة والطائرات من دون طيار - وذلك من أجل تقوية القدرات القتالية لحكومة المالكي في وجه المتمردين. ثم لا بد من النظر إلى أن سطوة إيران الضخمة على العراق مستمدة أيضا من الوشائج الدينية والاجتماعية والاقتصادية بين البلدين. فوفق «منظمة ترويج التجارة الإيرانية» ذهب 72 في المائة من صادرات إيران عام 2013 إلى العراق، كما أفادت أرقام «المنظمة»، أن حجم واردات العراق من السلع الإيرانية ارتفع بنسبة 15 في المائة في السنة الماضية، ويعد العراق اليوم ثاني أكبر شريك تجاري - بعد الصين - في مجال التجارة غير النفطية.

وعلى الصعيد العسكري، ذكر السفير العراقي في طهران محمد مجيد الشيخ أخيرا، أن بغداد وقعت اتفاقية تسليح مع طهران تقضي بشراء أسلحة وعتاد عسكري كجزء من خطو موسعة لتعزيز القدرات الدفاعية العسكرية.

وفي الجانب الديني يوجد ألوف شيوخ الدين والعلماء وطلبة الحوزات الإيرانيين في مدن عراقية كالنجف وكربلاء، وهم يتمتعون بنفوذ عظيم في بيئات، حيث يؤثرون في الرأي العام، ناهيك بأن عددا من القادة الشيعة السياسيين والدينيين عاشوا أو درسوا في إيران.

وفي ضوء التطورات الأخيرة يبدو واضحا أن سطوة إيران ونفوذها في «عراق ما بعد حكم البعث» بلغت الذروة، وراهنا تبدو المصالح السياسية بين طهران وحكومة المالكي متطابقة، ولكن بطبيعة الحال ينبغي انتظار ما يمكن أن يحدث لهذه العلاقة في المستقبل. ولكن طالما ظل العراق منقسما ويئن تحت وطأة النزاع الداخلي، وطالما بقيت الأحزاب الشيعية مهيمنة على الحكومة العراقية، ستظل إيران القوة الأجنبية الأعظم تأثيرا على سياسة بغداد الداخلية والخارجية، ولن يتغير هذا الوضع إلا في حال غدا العراق بلدا مستقرا.

* أكاديمي إيراني أميركي وكاتب متخصص في العلوم السياسية، ورئيس المجلس الدولي الأميركي، وعضو مجلس إدارة مطبوعة «هارفارد إنترناشونال ريفيو» بجامعة هارفارد