هل يمكن القول إن تنظيم «القاعدة» بات مفتقرا إلى الأرضية الكافية لنشاطه في دول الخليج؟

نعم .. نجح التصدي الأمني والتضييق المالي.. ولكن الخطر من عودة «القاعديين» من الخارج

TT

الحديث عن تنظيم «القاعدة» يشوبه التعقيد دوما، ولكن يمكننا القول بكل ثقة، نعم تمكنت دول الخليج من اجتثاث معظم العناصر المؤثرة لتنظيم «القاعدة». كذلك لاحقت مصادر التمويل، وبالتالي، بات صعبا للغاية على التنظيم أن يعمل، ولو بجزء يسير من طاقته الفاعلة، كما كان في السابق.

ولعلنا نذكر تلك السنوات الخصبة للتنظيم، وخصوصا، في المملكة العربية السعودية، حيث عاشت البلاد حربا حقيقية ضد هذا التنظيم الشيطاني لعدة سنوات. وكان المواطن حينذاك ينتظر الإعلان، بين الفينة والأخرى، عن قائمة إرهابية جديدة أو عن عملية جديدة لرجال الأمن ضد مجموعة إرهابية جديدة، أو عن مضبوطات جديدة من الأسلحة والأموال بحوزة منتمين لهذا التنظيم. ولعلي لست بحاجة إلى التذكير بعمليات إرهابية كبرى.. بدءا من تفجير مجمع المحيا السكني في الرياض وما تلاه من تفجيرات وجرائم قتل على أيدي أفراد هذا التنظيم. ولكن بنتيجة الجهود الجبارة التي تعاونت فيها كل أجهزة الأمن في الدولة، مدعومة بجهود منظومات الأمن الخليجية والعربية والدولية أمكن الحد بشكل شبه نهائي من عمليات التنظيم.

ومرة أخرى، يستطيع المتابع أن يزعم بكل ثقة بأن الأرضية الكافية لنشاط التنظيم في دول الخليج ما عادت موجودة حاليا. ولكن لا بد من التوقف قليلا هنا.. فالثورات العربية أعادت بعض الأمل للتنظيم مجددا، ولا يمكن القول بأن دول الخليج في معزل عن ذلك. فتنظيم الإخوان بعد اندلاع الثورة عليه وعزله من الحكم في مصر، شرع في شن عمليات إرهابية، وهذا يثبت إلى درجة كبيرة، ما كان يقال دوما بأن التنظيم هو الحاضن الرئيس لـ«القاعدة»، والراعي الرسمي لها. أو إن شئت الدقة، فلك أن تقول إن «القاعدة» هي الذراع المسلحة لتنظيم الإخوان. ومن المعلوم بأن للتنظيم فروعا رئيسة في كل دول الخليج، خصوصا المملكة العربية السعودية والكويت. وكنا قد سمعنا أحد قادة تنظيم الإخوان وهو يصرح من ميدان رابعة العدوية بالقاهرة بأنه إذا عزل الرئيس محمد مرسي «فإن الخلايا ستبدأ العمل المسلح!!»، أو بعد هذا يتوجب علينا أن نبحث عن دليل لتأكيد الارتباط بين هذا التنظيم وتنظيم «القاعدة»؟؟!!.

أيضا، علينا أن نتابع ما يجري في سوريا الجريحة حاليا. إذ عادت الجماعات الإرهابية لتضرب مجددا، وإن لم تكن «جبهة النصرة» و«داعش» من توابع تنظيم «القاعدة» فيا ترى من يكون؟! والأخطر هو أن أعدادا كبيرة من أبناء الخليج تطوعوا للقتال في صفوف هذه الجماعات الإرهابية، وهؤلاء حتما سيعودون إلى بلدانهم. ومن المسلم به أن الموجة الأولى لـ«القاعدة» في الخليج كانت من أولئك الذين عادوا من الجهاد الأفغاني، فما أشبه الليلة البارحة. ولقد رأينا، قبل أيام، ذلك الفيديو المصور لمجموعة من الشباب السعوديين المقاتلين في سوريا.. وهم يعلنون بصراحة ووضوح بأنهم سيغزون المملكة وسيقاتلون أهلها، وذلك بعد أن يفرغوا من مهمتهم الجهادية في سوريا!! هذا هو حلم قيادات «القاعدة» المتخفية، أو ما يسمون بقاعدة الخوارج في الخليج، فهم قد أرسلوا أولئك الشباب للجهاد في سوريا لهذا الغرض تحديدا، أي لكي يعودوا جنودا يرهبون بلدانهم، تماما كما حصل بعد عودة المجاهدين في أفغانستان، فما العمل إذن؟! في تقديري أن مسؤولي الأمن في الخليج يعلمون كل ذلك جيدا، وهذا هو ما جعل بعض الدول الخليجية تتخذ قرارات مهمة جدا، إذ جرى تصنيف تنظيم الإخوان جماعة إرهابية في المملكة، كما جرى تجريم الذهاب للقتال في الخارج ومعاقبة كل من يفعل ذلك. ولكن مع ذلك، حسب رأيي، يظل الحل الأمني في مواجهة «القاعدة» - وهو الحل الذي نجح نجاحا باهرا في دول الخليج خلال السنوات الماضية - غير كاف.. ولا بد من دعمه بالمواجهة الفكرية أيضا. وهنا أقصد اجتثاث أسباب الإرهاب من جذورها.. في المدارس - وتحديدا المناهج الدراسية - وفي المساجد، والمناشط المرتبطة بهما، وهو الأمر الذي لا يزال ضعيفا، وغير فاعل حتى الآن.

ونختم بالقول بأن دول الخليج تمكنت من القضاء على الأرضية التي يعتمد عليها التنظيم للبقاء، ولكن هناك موجات قادمة لا بد من التعامل معها بالحل الأمني من جهة، والفكري من جهة أخرى.

*أكاديمي وباحث وكاتب سعودي