هل يمكن القول إن تنظيم «القاعدة» بات مفتقرا إلى الأرضية الكافية لنشاطه في دول الخليج؟

لا .. تغير التنظيم وتطورت آليات عمله مع أن التدابير المتخذة فعالة وضرورية

TT

قبل الإجابة على هذا السؤال لا بد من توضيح المقصود بـ«القاعدة». فالقاعدة ليست فقط الجماعة التي بايعت أسامة بن لادن قائدا لها، ثم بايعت من بعده المصري أيمن الظواهري خليفة له. كما أنها ليست المرتبطين تنظيميا بها في أفغانستان وشمال باكستان واليمن وغيرها من البلاد العربية والإسلامية، وإنما هي أفراد وجماعات منتشرة في بقاع كثيرة حول العالم قد لا ترتبط تنظيميا، ولكن يجمعها فكر مريض يقوم على تكفير المجتمعات والدول والأنظمة وتغييرها بالوسائل العنيفة، والإيمان بمبدأ الحاكمية والخروج على الحاكم. ونجد تجليات ذلك في الفصائل والميليشيات التي تقاتل اليوم في العراق وسوريا أو تلك المتوارية في ليبيا وتونس ومصر ومنطقة جنوب الصحراء.

مما لا شك فيه أن الضربات الموجعة التي تلقتها «القاعدة» في المملكة العربية السعودية وباكستان وأفغانستان واليمن وغيرها من الدول آتت أكلها فأضعفتها عسكريا ولوجيستيا، وقلصت من مخاطر حماقاتها إلى حد ما، وأزالت النقاب عن وجهها القبيح بوصفها تنظيما دمويا مستهترا بالأرواح البريئة والمصالح العامة بما في ذلك مصالح المسلمين الذين تزعم أنها تنافح عنهم في مواجهة «الطواغيت». غير أن مما لا شك فيه أيضا أن للتنظيم الكثير من الأتباع والمريدين المؤمنين بفكرها السقيم ممن يعملون لصالحه في الخفاء بوسائل شتى ويتحينون الفرصة للقيام بأعمال إرهابية تصب في خانتها.

وانطلاقا من هذه الحقيقة نقول إن الإجراءات الأمنية، لئن كانت ضرورية لمحاصرة أتباع هذا التنظيم ومروجي أفكاره، فإنها يجب أن تقترن بإجراءات مشددة لتجفيف منابعه المالية التي تمثل شريان الحياة بالنسبة له. صحيح أن إجراءات كثيرة، محلية ودولية، اتخذت في هذا المجال غير أن أتباع ومريدي «القاعدة» تمكنوا في أحايين كثيرة من اختراق تلك الإجراءات بوسائل مبتكرة وأساليب بديلة. إلى ما سبق يجب أن تقترن الإجراءات الأمنية بجهود تربوية وتوعوية كبيرة ومنظمة من أجل إنقاذ الشباب الغر وأنصاف المتعلمين والمحبطين من الوقوع في براثن «القاعدة» والتماهي مع طروحاتها وأفكارها الخرقاء، خصوصا وأنها - أي «القاعدة» - تعتمد في هذا المجال على بعض شيوخ الدين المتطرفين والمغالين ممن لديهم طموحات سلطوية أو مآخذ على عمل أنظمة بلدانهم أو ممن يبحثون عن القيادة والشهرة والبروز.

لقد كانت المساجد والجوامع وحلقات الدرس فيما مضى هي الساحة التي يلجأ إليها هؤلاء الشيوخ لاستمالة الشباب الغر المحبط، وغسل أدمغتهم، ثم تجنيدهم ودفعهم إلى الساحات التي تقاتل فيها «القاعدة». لكن بظهور وسائل التواصل الاجتماعي وتقنياته الحديثة المعروفة مع توفرها على نطاق واسع لم يعد استخدام الأماكن المذكورة سلفا ضروريا، كما لم يعد من الضروري طباعة وتوزيع المطويات الأنيقة أو أشرطة الكاسيت المسجلة. إذ صار يكفي التلقين من على بعد عبر وسائل الإعلام الحديث، الأمر الذي يحتم على الجهات المعنية - في سعيها لاجتثاث الفكر «القاعدي» الدموي ومحاصرة أنشطته - أن تضع تشريعات سريعة تنظم عملية استخدام وسائل ووسائط الإعلام الجديد، خصوصا، وأنه بات من السهل على أتباع «القاعدة» ورموزها ليس فقط استخدام هذه التقنيات في غرس الفكر المتطرف في عقول الناشئة، وإنما أيضا تعليمهم وتدريبهم على أعمال القتل والتفجير والتفخيخ.

ولعل من المفيد هنا الإشارة إلى تجربة المملكة العربية السعودية في إصلاح عقول بعض شبابها المتأثرة بفكر «القاعدة» الفاسد من خلال دورات إعادة التأهيل. لكن هذه التجربة لئن نجحت أحيانا في إنقاذ البعض من براثن «القاعدة» وفكرها التكفيري ونهجها الدموي وأعادته إلى جادة الصواب، فإنه في أحايين أخرى تبين أن من تاب واستجاب سرعان ما عاد وانخرط في عمليات «القاعدة»، وذلك من بعد عبوره حدود بلاده إلى اليمن.. التي باتت مرتعا خصبا لبقايا التنظيم، ولا سيما محافظاتها الجنوبية، نتيجة للوضع المضطرب في هذه الدولة الملاصقة للبلد الذي تركز «القاعدة» بوصلتها عليه باعتباره مهد الإسلام ومنبع الوحي ومخزن الثروات.

وفي اعتقادي أن الخطوة الجريئة والشجاعة التي أقدم عليها أخيرا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بتجريم ومعاقبة كل مواطن يذهب إلى الخارج للقتال في أماكن النزاعات والحروب، إضافة إلى كل من يستخدم المنابر لتحريض الشباب ودفعه إلى أتون معارك لا ناقة له فيها ولا جمل، وما حظيت به هذه الخطوة من تأييد داخلي وخارجي، وما صدر عن بعض الدول الخليجية بضرورة السير على درب المملكة في هذا المجال، سياسة حصيفة وضرورية وسوف تعمل على إضعاف «القاعدة» أكثر فأكثر وتبعد شرورها عن منطقتنا العربية.

*أكاديمي وباحث وكاتب بحريني