هل تكفي الإجراءات الأمنية لمنع إعادته تموضعه في المنطقة؟

نعم .. بشرط أن تلي هزيمته أمنيا ملاحقته فكريا «كي لا يختفي في الشقوق»

TT

نعم.. في أوقات الأزمات لا بد أن يتقدم الحل الأمني عن كل الحلول. وبعد أن تخرج الدولة من الأزمة سواء طالت هذه الأيام أم قصرت، لا بد أن تنتصر في هذا الصراع، وإلا ستكون نتيجة خسارتها «اللا دولة».. مثل النموذج الصومالي والنموذج الليبي والنموذج العراقي.

انتصار «الدولة» مسألة حتمية ولا بد أن تتكاتف كل القوى فيها لهزيمة الإرهاب وهزيمة التنظيمات المشبوهة والتكفيرية التي تسعى لتقويضها، لأن أدبيات هذه الجماعات تنظر للوطن على أنه صنم ولا بد من الكفر به. مسألة الحدود والأوطان والعلم والنشيد الوطني والسلام الجمهوري أو الملكي، كل هذا في أدبيات مثل تلك الجماعات أصنام وأوثان لا بد من هدمها. وبالتالي، يقومون بهدم الدولة لأنهم ينظرون إلى مؤسسات الدولة كمؤسسة، الشرطة والجيش والقضاء، باعتبارها مؤسسات كافرة.

مصير تنظيم «القاعدة» في الخليج - باعتقادي - إلى زوال، لأن الشعوب أدركت أن مثل هذه الجماعات تهدم ولا تستطيع البناء. لديها فقط أساتذة في الهدم وفي جني الخسائر وحصد النكبات على الشعوب، ثم بعد ذلك تجد إفلاسا تاما في أدبياتها، وأهدافا هلامية لا علاقة لها بالواقع ولا تتعامل مع الجغرافيا ولا التاريخ ولا الاجتماعيات وما إلى ذلك. كل هذا محذوف في أدبياتها. ولهذا الحل الأمني هو القادر على هزيمتها.

هذه الجماعات أشبه ما تكون بالفرق التي خرجت على الدولة الإسلامية عدة مرات وقتلت خيرة الناس. وحين يكون هناك اليوم إدراك شعبي لخطر مثل هذه الأفكار، فإن الحل الأمني سيكون مقبولا في الأوساط العامة، سواء في الخليج أو غيره. وقد أخبر النبي (صلى الله عليه وسلم) عن مثل هذه الجماعات، وقال ما معناه «لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد وإرم.. يدعون أهل الأوثان ويقتلون أهل الإسلام.. يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية». وقال عنهم أيضا إنهم لا يفقهون القرآن، ولا يفهمون مبادئ وأصول الشريعة الإسلامية. فما نراه اليوم من جماعات تشبه تلك الفرق التي كانت عاملا أساسيا في هدم دولة الخلافة وفي هدم الدولة الأموية وهم أساتذة في الهدم وليس لديهم أي فكر ولا أي برنامج للبناء.

ولذلك أكرر أن مصير تنظيم «القاعدة» في الخليج إلى زوال.. ولكي يجري القضاء على التنظيم تماما، تأتي المحاربة الفكرية بعد المواجهة الأمنية الساحقة. لأنه إذا هزم أمنيا يحدث له حالة من الكمون.. أي أنه يستمر موجودا لكن في السراديب تحت الأرض. وأعتقد أن التنظيم بعدما تلقى هزيمة كبيرة لجأ لأن يعيش في شقوق تحت الأرض. لا بد من الرد على فكره ردا مفحما. ودعك من شيوخ الرسميات الذين فشلوا خلال عدة عقود في مواجهة هذه الأفكار التكفيرية، لأن هناك من الشيوخ من يعملون موظفين فقط، وغير مستعدين على الدخول في مناظرات قوية وحاسمة.

على سبيل المثال.. دخل رجل من مثل هذه الجماعات المتطرفة على الخليفة المأمون، فقال له المأمون: لماذا تعلن الحرب علينا أيها الرجل؟ فقال له: آية في كتاب الله. فسأله المأمون وما هي؟ فأجاب: إنها قول الله سبحانه وتعالى: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون. فقال له المأمون: ومن أدراك أنها آية في كتاب الله؟ فقال الرجل: إجماع الأمة. فقال له المأمون: إذا أخذت بإجماعهم في التنزيل، فعليك أن تأخذ بإجماعهم في التأويل. فقال الرجل: صدقت يا أمير المؤمنين. ورجع عن فكره الضال.

مثل هذه المناظرات المفحمة هي التي يجب أن تكون في مواجهة فكر مثل هذه الجماعات التي أعلم أدبياتها الضالة. ولا أريد أن أذكر بأنني كنت أعيش مع الدكتور أيمن الظواهري في نفس البيت عندما كنا في بيشاور، وعشت معه في زنزانة واحدة أيام أن كنا في المعتقل بمصر، وأعلم قدراته الفقهية التي تكاد تكون صفرا.

وختاما أرى أن يتقدم الحل الأمني الساحق الماحق، الذي يهدم هذه التنظيمات، ويهدم هيكلها التنظيمي، ويجبرها على النزول على إرادة الدولة، ثم بعد ذلك يأتي الرد الفكري.

*مسؤول جماعة الجهاد في مصر سابقا