هل تكفي الإجراءات الأمنية لمنع إعادته تموضعه في المنطقة؟

لا .. مع أنه توجد عوامل تستبعد عودته وخلاياه خلال السنوات الثلاث المقبلة

TT

كانت دول الخليج، وعلى وجه التحديد المملكة العربية السعودية، قد عاشت تجربة أليمة مع الجماعات الإرهابية على مدى عقد ونيف، تعرضت خلالها لحملة وحشية من التفجيرات والعمليات الانتحارية أدت في حصيلتها النهائية إلى سقوط عشرات الضحايا من السعوديين والأجانب. ومع حلول عام 2006 وبفعل النهج الشامل والحملة الفعالة استطاعت المملكة كبح جماح تنظيم «القاعدة» وإيقاف نشاط شبكاته داخل أراضيها. لكن الظروف الإقليمية المتوترة وحالة الفوضى والاضطراب السياسي والأمني التي تعاني منها كثير من الدول العربية في الوقت الراهن، وما ترتب عليها من فراغات أمنية، أفسحت المجال لبروز أذرع جديدة لـ«القاعدة» وتصاعد وتيرة عنفوانها في أكثر من منطقة، مما يثير المخاوف من إمكانية عودة نشاط تنظيم «القاعدة» وخلاياه إلى دول الخليج العربي من جديد.

فما هي يا ترى فرص حدوث مثل هذا السيناريو من عدمه؟

التوقعات المشار إليها ليست مستبعدة بالمطلق لكن تحققها على أرض الواقع خلال السنوات الثلاث القادمة أو نحوها يظل احتمالا ضعيفا لعوامل واعتبارات عدة، فمن جانب تفيد التجارب التاريخية بأن خلايا «القاعدة»، وجماعات العنف عموما، لا تنشط ويقوى عودها إلا في المناطق والدول المضطربة التي تعاني من ويلات الانقسام والصراعات الأهلية وهشاشة السيطرة الحكومية. والشواهد على ذلك ظاهرة بغير خفاء سواء في أفغانستان وباكستان أو في العراق والصومال.. إلخ. فأينما وجدت الفوضى حلت «القاعدة» وجماعات العنف بمسمياتها المختلفة والعكس صحيح، ودول مجلس التعاون حاليا أبعد ما تكون عن هذا التوصيف فهي تنعم بالأمن والاستقرار ولديها حكومات مركزية قوية ومسيطرة ولا تعاني من الفوضى والاضطرابات الحادة إلا إذا ما استثنينا البحرين نسبيا.

ومن منظور جغرافي تمتد دول المجلس، باستثناء عمان، على مساحة من الأراضي الصحراوية المنبسطة والمفتوحة على بعضها بعضا وتخلو من الغابات والمرتفعات الشاهقة، بل والتضاريس الجغرافية الوعرة عموما، مما يعطي سلطاتها الأمنية فرصة التحرك والتواصل السريع ويسهل عليها القيام بعمليات مطاردة المطلوبين ومراقبة تحركاتهم، وبالتالي ثمة صعوبة في تمركز تنظيم «القاعدة» في أراضيها أو اتخاذها قاعدة انطلاق لشن عملياته، لأن التركيبة الجغرافية التي تقدم الحديث عنها لا توفر الملاذات الآمنة المطلوبة لتجميع مقاتليه وتخزين الأسلحة والعتاد، ولا تتيح الفرصة للاختباء والتخفي وخوض حرب العصابات.

حتى في عمان، ورغم تضاريسها الجغرافية الوعرة، ليس هناك وجود فعلي للإرهاب، ولا أرضية خصبة لتنامي الظاهرة وتزايد عنفوانها لأن غالبية سكانها يعتنقون مذهبا مغايرا (المذهب الأباضي) لفكر وآيديولوجية «القاعدة»، وبالتالي يواجه التنظيم صعوبة في الحصول على ملاذ آمن أو حاضنة اجتماعية في أراضيها.

وبخلاف غيرها تمتلك دول الخليج موازنات مالية ضخمة وسيولة نقدية هائلة، ومعظم السكان يحصلون على الخدمات الأساسية مجانا أو بأسعار رمزية ودائرة الفقر محدودة ولا تعاني شعوبها إجمالا من شظف العيش وسوء الأحوال الاقتصادية، بحيث يسهل على التنظيمات الإرهابية وجماعات العنف استقطاب الشباب إلى صفوفها وتجنيدهم لتنفيذ هجماتها، وإذا ما عززت هذه الميزة ببرامج توعوية وتثقيفية لتحصين مجتمعاتها فكريا، فإن النجاحات ستكون أكثر من إيجابية.

وكون دول الخليج العربي تمثل أكبر خزان لإنتاج وتصدير النفط على مستوى العالم، فإن أمنها في ضوء هذا المعطى لا يعنيها وحدها، بل هو مسألة تهم العالم بأسره، وفي المقدمة القوى الكونية العظمى التي لن تتوانى أو تتردد للحظة في تقديم كل أشكال الدعم والعون الاستباقي لدول المجلس في مواجهة الإرهاب والحيلولة دون تنامي خطورته والوقوف في وجه مموليه سواء كانوا دولا أو أفرادا أو جماعات من باب الحفاظ على أمنها ورفاهية شعوبها.

إذا ما أغلقت كل الأبواب والنوافذ وتوقف الصراع في طول العالم وعرضه، حينها يحتمل أن تعود عناصر «القاعدة» إلى مواطنها وتكرس نشاطها القتالي داخل الأطر (الدول) الجغرافية التي تنتمي إليها باعتباره الخيار الوحيد، لكن الصراع سيستمر ما دامت الحياة ومعه ستبقى جبهات القتال الخارجية مفتوحة في أكثر من منطقة. وبالتالي وجود متنفس لمقاتلي «القاعدة» من حاملي الجنسية الخليجية - كما هو الحال بالنسبة لغيرهم - لتفريغ شحنات غضبهم خارج دولهم، لا سيما وهو البديل الأقل تكلفة كما سبق الإشارة في سطور سابقة من هذا الموضوع (المنظور الجغرافي).

الخبرة المتراكمة لدول الخليج والمملكة العربية السعودية، تحديدا، في مجال مكافحة الإرهاب تمثل رصيدا إضافيا وعائقا آخر أمام إمكانية عودة نشاط تنظيم «القاعدة» وخلاياه إلى أراضيها. وحتى لو عاد فإن قدرة هذه الدول على التعاطي معه واحتواء مخاطره ستكون عالية وفعالة، وخصوصا، في حال ما عززت دول المجلس مستوى التعاون والتنسيق الأمني مع دول الجوار الجغرافي.

*كبير الباحثين ومدير برنامج الدراسات الاستراتيجية في مركز سبأ للدراسات الاستراتيجية باليمن