هل تقود المصالحة الفلسطينية إلى تقارب سياسي واستراتيجي حقيقي بين منظمة التحرير وحركة حماس؟

نعم .. أتوقع أن تؤدي إلى تقارب ولكن المسار صعب وطويل

TT

استقبل الشارع الفلسطيني نبأ إنهاء الانقسام بشيء من الفتور، وفي أحسن الأحوال بتفاؤل يشوبه الحذر، بل والحذر الشديد.

جاء خبر إنهاء الانقسام، هذه المرة، بعدما تابع الشارع السياسي الفلسطيني أخبارا سابقة حول حوارات طويلة ما بين قطبي الرحى فلسطينيا؛ حركة حماس وحركة فتح، وفي عواصم عربية عديدة، والتوصل إلى اتفاقات برعاية عدد من الدول العربية، من دون أن تجد تلك الاتفاقات طرقها إلى التنفيذ، فخاب أمل الشارع الذي أبدى مرارا فرحته.

ترتب على هذا الانقسام تعميق أجواء العداء الداخلي، ما بين حركتي حماس وفتح، وتبادل الاتهامات لدرجة التخوين، وعمليا نشأت هيئات وهياكل سياسية واقتصادية جديدة، في الضفة وغزة على حد سواء، وتبلورت لغة خاصة فيما يتعلق بالانقسام.

نشأ في غزة اقتصاد يمكن تسميته باقتصاد الإنفاق وترتع على رأسه شرائح اجتماعية جديدة على حساب هجرة وغياب الشرائح الاقتصادية العليا في غزة، تاريخيا، كما تمكنت حماس من إحكام سيطرتها على الأجهزة الأمنية والشرطية على حد سواء، بالتالي التحكم بملكية الأراضي الأميرية. ما تراكم عبر سنوات الانشقاق الجيوسياسي 2007 - 2014 هو أمر كبير، ويحتاج إلى زمن غير قصير لتجاوزه، ولقد بات الشارع يرى في أي اتفاق أن المصداقية تكمن في التنفيذ وليس في الإعلان. وبالتالي، ما زال الشارع يرى أن برنامج حماس يختلف بوضوح عن برنامج فتح، وأن مستجدات جدية قد حدثت داخل بنية المجتمع وبنية الإدارة السياسية بين غزة والضفة الغربية.

صحيح أن هناك مستجدات عربية وإقليمية قد حدثت وباتت تفرض نفسها على فتح وحماس، لكن صياغة أفق سياسي يجمع الطرفين المتناقضين لا تزال بعيدة المنال. أما الجديد في إعلان فتح وحماس هذه المرة، فهو البدء في مسار جديد يجمعهما، وهذا المسار اسمه المصالحة الوطنية.

ترجمة هذه المصالحة تكمن في الاستمرار في هذا الإعلان والسعي لتحقيق مفرداته، بدءا من تشكيل حكومة الائتلاف الوطني وانتهاء بالانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس جديدة!!! مسار إنهاء الانشقاق، وتجاوز الخلاف، سيبدأ عمليا بتشكيل حكومة التوافق الوطني برئاسة الرئيس محمود عباس، ومن التكنوقراط وشخصيات تحظى بموافقة حماس وفتح في آن.

هذه الحكومة ووفقا للاتفاق يمكنها أن تتخذ ما تراه مناسبا من إجراءات سياسية وإدارية على أساس برنامج منظمة التحرير الفلسطينية ووفق توجهاتها، وبالتالي ستشكل هذه الحكومة العنوان الرئيس للكيان السياسي الفلسطيني، ومن ثم سيجري التباحث في الملفات كافة، وصولا لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني.

لا توجد إشكالات فيما يتعلق بالإجراءات اللوجيستية لتلك الانتخابات ولا في موعدها، لكنها بالطبع تحتاج إلى توافق سياسي، يكفل إجراءها وضمان نتائجها. إنهاء حالة الانقسام الداخلي لا يمكن أن يتم إلا على أساس نتائج تلك الانتخابات. المسار صعب وطويل، وفيه عقبات وأزمات، وبالتالي لا يمكن الاعتماد على جداول زمنية تحدد خطى تنفيذه.. ولن تتمكن حركتا فتح وحماس هذه المرة من الإعلان مجددا عن الفشل في إنهاء الانقسام، لكنهما قادرتان على الاستمرار في إنهاء الانقسام في ظل تفاعل المواقف الإقليمية والدولية على حد سواء، وفي ظل ما ستفرزه تلك المواقف والمستجدات على حد سواء.

على الجانب الإيجابي بدأ تنفيس الاحتقان الإعلامي والدعائي والتحريض مع اللحظة التي أعلنت فيها حركتا فتح وحماس إنهاء حالة الانقسام، ثم طي صفحة الانقسام الداخلي، لكن هناك تركة طويلة من العداء وتبادل الاتهامات، وهذا أمر يحتاج إلى جهد صادق وجدي وحثيث لتجاوز حالة الاحتقان والعمل على إيجاد لغة ومصطلحات تخدم المسار الجديد، وإدراك أنه مسار صعب وطويل في آن معا. ما جرى الإعلان عنه في غزة حول اتفاق إنهاء الانقسام سيزيد من حدة الفرز والاستقطاب داخل الشارع الفلسطيني بين حماس وفتح، القوتين المركزيتين في الساحة، المتناقضتين والمتلاقيتين في آن معا.. من دون الانزلاق هذه المرة لتخوين الآخر ومن دون تحميله مسؤولية تعطيل الاتفاق ودون اللجوء للسلاح لحسم الخلاف أو الإبقاء عليه.

لقد أنهت المصالحة عمليا مشروعا إسرائيليا كان يقضي بإبقاء غزة، كحالة جغرافية وسياسية مستقلة، مع احتمال توسيعها وعزلها عن مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة. وإسرائيل كانت عمليا مستفيدة من حالة الانشقاق الجيوسياسي، بل كانت ترتكز عليه لضرب فكرة قيام دولة فلسطينية مستقلة، على أساس استحالة تقرير المصير لشعب منقسم على ذاته.

نحن الآن أمام مرحلة جديدة، عنوانها الرئيس هو مسار إنهاء الانقسام، وهذا المسار صعب وطويل في آن واحد!!!

* كاتب ومحلل سياسي وأكاديمي في جامعة بيرزيت.