هل تقود المصالحة الفلسطينية إلى تقارب سياسي واستراتيجي حقيقي بين منظمة التحرير وحركة حماس؟

لا .. رغم الإيجابيات... تجاهلت «مصالحة» غزة عددا من القضايا الخلافية

TT

أثار «إعلان غزة» الأخير للمصالحة الفلسطينية الكثير من الأسئلة حول كل من بنوده السبعة، بدلا من أن يشكل خاتمة لمشاعر القلق والإحباط في أوساط الرأي العام الفلسطيني إزاء استمرار الانقسام الداخلي. وهي أسئلة تنطوي على شكوك في خط النهاية الذي سيصل إليه «إعلان غزة»، أكثر من كونها تتعلق بمدى النجاح في الانطلاق من خط البداية عبر تشكيل حكومة التوافق الوطني.

بالنسبة للمواطن الفلسطيني، يعني خط النهاية إعادة بناء منظومة الوحدة الوطنية الفلسطينية على مستوى مؤسسات السلطة ومنظمة التحرير، بما يتضمنه ذلك من إعادة بناء التمثيل السياسي للفلسطينيين جميعهم، والتوافق على أسس ومعايير الشراكة السياسية وآليات صنع القرار، والقواعد الناظمة للعلاقات الوطنية بين مكونات الحقل السياسي الفلسطيني، لا سيما في حالات الاختلاف قبل الاتفاق.

في سياق هذا الفهم لمضمون «المصالحة» المرجوة بين الفلسطينيين، يمكن تسجيل ثلاث ملاحظات رئيسة على بنود «إعلان غزة»:

الأولى أنها عكست استمرار غياب الفهم أو التفسير المشترك للبنود الأساسية في «اتفاق القاهرة» الموقع في الرابع من مايو (أيار) 2011.

والثانية أنها لم تقدم آليات تنفيذ واضحة وفق جداول زمنية محددة لأبرز القضايا التي كانت ولا تزال موضع خلاف، مثل الانتخابات ودور المجلس التشريعي وصلاحيات «لجنة تفعيل وتطوير منظمة التحرير».

والثالثة أن الإعلان تجاهل القضايا الخلافية الأبرز، وفي مقدمتها وجوب التوافق على البرنامج الوطني الذي يشكل الركن الثالث لمعادلة: الكيان الواحد والقيادة الواحدة والبرنامج الواحد.

لقد تألف «إعلان غزة» من سبعة بنود، يعتمد ستة منها على البند الأول الذي يؤكد الالتزام بكل ما اتفق عليه في «اتفاق القاهرة والتفاهمات الملحقة وإعلان الدوحة»، ويعتبرها «المرجعية عند التنفيذ». وفي هذا البند الأول تكمن الإشكالية الكبرى المتعلقة بوجود اختلافات أو تأويلات متباينة بشأن بنود رئيسة في اتفاق القاهرة، لا يصلح أن تكون مرجعية للتنفيذ ما لم يجرِ إخضاعها أولا لحوار ينتهي بتوحيد قراءة الفصائل الفلسطينية لهذه البنود، فضلا عن تباينات حتى بين كل من اتفاق القاهرة وإعلان الدوحة.

لعل المثال الأبرز على ذلك هو عدم التوافق على مهمات حكومة التوافق الوطني التي تجاهل إعلان غزة أي إشارة إليها، مكتفيا بالنص على إجراء مشاورات تشكيل الحكومة «استنادا إلى اتفاق القاهرة وإعلان الدوحة»، علما بأن الأول حدد مجموعة من المهمات للحكومة، من بينها توحيد مؤسسات السلطة، في حين حدد الثاني مهمتين للحكومة فقط، هما «تسهيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية، والبدء بإعمار غزة».

وظل الغموض سائدا بعد توقيع «إعلان غزة»، إذ لم يتضح ما إذا كانت الحكومة ستتولى مهمة إعادة توحيد وهيكلة المؤسسات المدنية والأمنية، والإشراف أيضا على تنفيذ توصيات لجنتي المصالحة المجتمعية والحريات العامة اللتين دعاهما الإعلان لاستئناف عملهما الذي انتهى منذ زمن بإعلان توصيات محددة تنتظر التنفيذ، أم ستترك كل ذلك إلى ما بعد إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، ناهيك عما إذا كانت الشروط والظروف المحيطة تتيح إمكانية إجرائها أصلا.

ثمة أسئلة أخرى لا تزال بلا إجابات حول الحكومة: هل سيترأسها الرئيس محمود عباس أم سيختار تكليف شخصية أخرى بتشكيلها؟ هل ستكتفي الحكومة بأداء اليمين الدستورية أمام الرئيس، أم أنها ستحصل على الثقة من المجلس التشريعي، الذي لم يجرِ تحديد موعد لاجتماعه؟

وينسحب مثل هذه الخلافات على مهمات وصلاحيات لجنة تفعيل وتطوير منظمة التحرير، التي تعتبرها حركة فتح أقرب إلى اللجنة «الاستشارية»، بينما تعتبرها حركة حماس إطارا مفوضا بعملية صنع القرار، وفق ما ورد في «اتفاق القاهرة» بشأن صلاحيات الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير.

يدفع كل ذلك إلى اعتقاد أن «إعلان غزة» لا يعدو كونه خطوة إيجابية، لكنها تكتيكية، أقدمت عليها حركة فتح في ضوء انسداد أفق المفاوضات والحاجة لتوجيه رسالة للجانبين الأميركي والإسرائيلي بأن هناك خيارات أخرى قد تقدم عليها القيادة الفلسطينية في حالة فشل تمديد المفاوضات وفق أسس تراعي المطالب الفلسطينية، في حين أقدمت عليها حركة حماس في ظل تفاقم التداعيات الناجمة عن مأزق علاقتها مع مصر بعد سقوط حكم الإخوان المسلمين.

وما لم يجر البناء على هذه الخطوة عبر تحصين «إعلان غزة» في مواجهة حملة الضغط والابتزاز الإسرائيلية، والانخراط في حوار وطني فلسطيني لتطوير آليات تنفيذ اتفاقات المصالحة السابقة وفق تفسيرات مشتركة للبنود الرئيسية، والتوافق على برنامج سياسي موحد، فإن تنفيذ هذا الإعلان سوف يواجه سيناريوهات تبدأ بخلافات حول بنوده تشكل ألغاما قد تنفجر في طريق عملية التنفيذ، أو ربما النجاح في أحسن الأحوال بتشكيل حكومة برئاسة الرئيس أو شخصية أخرى، لكنها قد تنتهي إلى ما يشبه «المجلس الكونفدرالي» بين حكومتين برأسين، يدير الأولى نائب رئيس وزراء في الضفة الغربية وتتبع له وزارات وأجهزة أمنية، في حين يدير الثانية نائب ثان في قطاع غزة تتبع له وزارات وأجهزة أمنية، وهي صيغة تعني الانتقال إلى مرحلة إدارة الانقسام بدلا من إنهائه، ومن دون انفتاح الأفق أمام إمكانية إجراء الانتخابات.

* مدير البحوث والسياسات في مركز مسارات لأبحاث السياسات - رام الله