هل يمكن القول إن «الفيدرالية» من الخيارات التي قد تقي اليمن خطر الفوضى؟

نعم .. الفيدرالية من العوامل الواعدة.. ومعها الدعم الدولي ووقف تدخل إيران

TT

رغم التحديات والصعوبات التي تعترض مسيرة إعادة البناء والتحول الديمقراطي والمؤسساتي في اليمن، استجابة لإرادة التغيير التي عكستها وثيقة مؤتمر «الحوار الوطني»، توجد فرص واعدة في إمكانية التغلب عليها... ومن ثم التأسيس لبناء الدولة اليمنية الحديثة.

وإذا كان من البساطة الحديث - باستفاضة - عن صعوبة هذا التحول بالنظر إلى جملة العقبات المنتصبة أمام اليمنيين، فإن الوجه الآخر للمقاربة تجاه خطاب التشاؤم يكمن في التوقف عند بعض نقاط الضوء المنبعثة هنا وهناك في هذه التجربة التي تتلمس مدارج الانطلاق، لعل أبرزها معرفة اليمنيين بحقيقة أزمتهم وذلك من خلال هذه السياقات:

أولا: لم تأت قناعة الفرقاء السياسيين على الساحة الوطنية بالتسليم بخيار الحوار من منطق عدمي - رغم مغريات الذهاب إلى مربع الاقتتال - وإنما جاءت هذه القناعة من شرط الاعتراف الجمعي بأن كلفة الذهاب إلى هذا الخيار المر، لن يقوى على تحمله اليمن بأي حال من الأحوال، خاصة وهو يستحضر دروس الصراعات العبثية منذ ستينات القرن المنصرم.

ثانيا: لقد كانت القضية الجنوبية - ولا تزال - حاضرة بقوة على طاولة «الحوار الوطني» الذي استمر قرابة سنة، حيث أسفر هذا الحوار عن توافق وطني يؤكد حقيقة هذه الإشكالية ويضع - في الوقت نفسه - المعالجات المرضية في سياقاتها التي تلبي سقف المطالب الجنوبية، باستثناء تيار الرئيس السابق علي سالم البيض، الذي يرفض مبدئيا الحوار ما لم يتحقق شرط الانفصال، الأمر الذي أدى أخيرا إلى حدوث انشقاق داخل معارضة الجنوب في الخارج بفعل هذا الخطاب المتشدد للبيض.

وتجاه هذا المنحى سعت قيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي - وهو من الجنوب - إلى تجفيف منابع احتقان الشارع الجنوبي باتخاذ منظومة متكاملة من الإجراءات الميدانية، تمثلت في إعادة أعداد كبيرة من العسكريين والمدنيين الجنوبيين الذين أقصوا من أعمالهم ومواقعهم إثر «حرب صيف 1994» فضلا عن أن «وثيقة الحوار الوطني» ركزت في مضامينها على اعتماد نظام الدولة الاتحادية (الفيدرالية) القائمة على ستة أقاليم (اثنان في الجنوب وأربعة في الشمال)، وذلك كبديل موضوعي للدولة البسيطة التي فشلت خلال العقود المنصرمة ببسط سيادة النظام والقانون، بل إن مزايا هذه التجربة الجديدة ستتيح أمام اليمنيين جميعا فرص إدارة شؤونهم المحلية بأنفسهم.

ثالثا: أما فيما يتعلق ببعض نقاط الضوء التي تبعث على التفاؤل بإمكانية خروج اليمن من عنق الأزمة التي يمر بها، فيرجع جانب من بواعثها إلى إيجابية التعاطي الإقليمي والدولي الداعم لمسار التسوية في اليمن، ومنها المؤتمر الثالث لأصدقاء اليمن.

رابعا: ومع الاعتراف بأن ثمة مشاكل إضافية تواجه مسيرة إعادة البناء في هذا البلد من خلال اجترار بعض الأطراف مشاعر الحنين إلى الماضي، الذي تعبر عنه بجلاء حركة الحوثيين وأركان النظام السابق، فضلا عن التيار الانفصالي الجنوبي.. أتوقع أنها لن تؤثر في المنظور البعيد على استكمال ملامح إعادة البناء في اليمن. ذلك أن هناك إجماعا دوليا حريصا على تجنيب اليمن مغبة الارتهان إلى هذه الدوامة من الصراع مجددا.. والمساهمة الفعالة في دعم تيار التغيير الذي يقوده الرئيس عبد ربه منصور هادي بكل اقتدار. ولكن يظل هذا الأمر مرهونا، في المقابل، بتوقف بعض الأطراف الإقليمية - وتحديدا.. إيران - عن التدخل في الشؤون الداخلية لليمن وبما لا يعرضه إلى مخاطر استهداف تكوينه الاجتماعي ووحدة أراضيه ونظامه السيـاسي.

خامسا: وفي هذا السياق، لا يغفل المرء التوقف عند تحدي الإرهاب الـذي يضرب في كل اتجاه. ولقد ازدادت ضراوته مع تواصل الجهود الرامية لإعادة هيكلة المؤسستين الدفاعية والأمنية، وكذلك مع توصل الفرقاء إلى تسوية «لا غالب فيها ولا مغلوب».. وهي - في تصوري - إجراءات سيكون لها المردود الإيجابي على محاصرة بؤر الإرهاب، إن لم تكن قد بدأت ذلك فعلا.

وثمة ما يدعو إلى التفاؤل أيضا باقتراب الخروج من الأزمة، ويظهر ذلك جليا في الخطوات العملية ذات الصلة بإقرار وثيقة الحوار وضمانات تنفيذها، خاصة تلك الخطوات المتعلقة بإعداد مشروع الدستور الجديد والتهيئة للاستفتاء عليه ومنظومة الإصلاحات في شكل وطبيعة مؤسسات الدولة الجديدة.. وكلها إجراءات تدعو إلى التفاؤل بالمستقبل رغم جسامة التحديات التي تتطلب في المقام الأول اصطفافا وطنيا متزايدا باعتباره العملة الرابحة في ماراثون الوصول إلى نهايات سلمية تحقق تطلعات اليمنيين والمنطقة في الاستقرار والنماء.

* كاتب وصحافي يمني