هل يمكن القول إن «الفيدرالية» من الخيارات التي قد تقي اليمن خطر الفوضى؟

لا .. ثمة عناصر ستفعل فعلها في اليمن.. بغض النظر عن أي نموذج حكم

TT

ليست الفيدرالية بالضرورة الخيار الأمثل لليمن، وحتما لا تحمل العلاج السحري والحل الشامل لكل عللها الاجتماعية والاقتصادية والمذهبية والسياسية. ولكن أي نظام حكم يقع عليه الخيار عبر مؤتمر «الحوار الوطني» سيواجه مصاعب جمة وعقبات كأداء خلال السنوات القليلة المقبلة. وبالتالي، قد تنجح الصيغة الفيدرالية أو تنجح لأن التحول السياسي في اليمن، بحد ذاته، تأرجح بين النجاح والفشل.. وليس العكس. وستواجه السلطة اليمنية، وسيواجه معها رئيسها عبد ربه منصور هادي، وكذلك الداعمون الدوليون لخطة التحول السياسي اليمني، عددا من التحديات خلال السنوات المقبلة.

ما هو مخطط له صياغة دستور جديد، وتسجيل الملايين للتصويت، وإجراء استفتاء عليه... وإذا نجح الاستفتاء على الدستور، فسيصار إلى تنظيم أربعة انتخابات وطنية ومحلية على مستوى البلاد (رئاسية وبرلمانية وإقليمية وبلدية). أيضا مطلوب معالجة الأزمة المالية المتفاقمة التي تهدد اليمن بكارثة اقتصادية وإنسانية حقيقية، وإيجاد طريقة لتدبر أمر طيف واسع من النزاعات المحلية والتهديدات الأمنية التي تئن البلاد تحت وطأتها يوميا.

فقط عند تحقيق ما تقدم يمكن اختبار فكرة الصيغة الفيدرالية.

عملية إعداد مسودة الدستور الجديد يتوقع إنجازها في منتصف يوليو (تموز) المقبل، غير أنها قد تثير توترا سياسيا بمجرد إعلان تفاصيل كيفية توزيع معديها السلطات السياسية وتحديد مسألة إدارة الموارد الطبيعية بين الحكومة المركزية وإدارات الأقاليم. ثم إن النخبة السياسية في البلاد، التي استفادت كثيرا من «مركزة» الاقتصاد والسياسة إبان حكم الرئيس علي عبد الله صالح لن تكون - على الأرجح - مرتاحة لفقدانها امتيازاتها عبر عملية التوزيع والتقاسم، ما يعني أنها قد تلجأ لنسف عملية صياغة الدستور. وفي المقابل، فإن سكان المناطق والأقاليم الغنية بالنفط والغاز الذين تعرضوا طويلا للتهميش على يد حكم علي عبد الله صالح، سيغضبون ما لم يحصلوا على حصص مباشرة من الثروات النابعة في أراضيهم. وفي الوقت عينه تشكل الاستفتاءات والانتخابات بؤر احتكاك ساخنة في دول ضعيفة البنية تمزقها النزاعات كاليمن.

من المرجح أن يقاطع الانفصاليون الجنوبيون، الذين بصفة عامة غابوا عن مفاوضات السلام، عملية تسجيل الناخبين، وسيشككون بشرعية أي انتخابات بينما ينهمكون بالتشدد في مطلب الانفصال الكامل. ويتوقع أيضا أن يسعى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، الفرع المحلي لتنظيم القاعدة المتطرف، بدوره إلى تعطيل أي انتخابات. وأخيرا وليس آخرا، من المستبعد أن يتقبل الحزبان السياسيان الأقويان في البلاد، أي «المؤتمر الشعبي العام» الذي أسسه صالح و«التجمع الوطني للإصلاح» ذو التوجهات الإسلامية، تعرضهما لخسائر في أي اقتراع مقبل بطيب خاطر.

ولكن حتى هذه المحطة قد لا يبلغها اليمن أبدا؛ ذلك أن الحكومة الانتقالية الحالية، المشكلة مناصفة من «المؤتمر الشعبي» وقوى المعارضة يتقدمها «التجمع الوطني للإصلاح»، تواجه مصاعب جمة للجم الإنفاق وتعويض تناقص موارد النفط والغاز. وسيعاني اليمن أزمة اقتصادية حادة ما لم تتخذ الحكومة تدابير ضرورية لكنها تفتقر إلى الشعبية تشمل وقف دعم المحروقات (الوقود)، أو تنجح بإقناع إحدى جاراتها الخليجيات الغنية بالثروات النفطية بإعانتها بسيولة مالية تنقذها من الكارثة.

إن من شأن أزمة اقتصادية حادة وقف، إن لم نقل نسف، المسيرة المفضية إلى الانتخابات. وهناك، بالطبع، خطر اندلاع جولات عنف مفاجئة بين فصائل اليمن المتعددة.

كل هذه العناصر التي تناولتها ستفعل فعلها بغض النظر عن أي نموذج للحكم سيختاره المندوبون المشاركون في مؤتمر «الحوار الوطني». وهنا لا بد من التذكير بأن معظم عمليات الانتقال السياسي تمر بفترات ارتباك واهتزاز، بينما يجري تفكيك تدريجي لنظام تمهيدا لإحلال نظام جديد بدلا منه. كذلك فإن الانتخابات في كيانات هشة سكانها منقسمون تتأثر بالانقسام وتؤثر فيه، ثم إن الأزمات الاقتصادية غالبا ما تلي فترات الاضطراب السياسي.

وهنا أقول إنه حتى لو تسنى التغلب على كل تلك العقبات، لا توجد ضمانات بنجاح الخيار الفيدرالي (أو الاتحادي)، لأن نشوب توترات بين السلطات الإقليمية والمحلية الجديدة من جهة والحكومة المركزية في صنعاء التي اعتادت احتكار السلطة طويلا... مسألة حتمية. والهموم الاقتصادية الكثيرة لن تتبخر بين ليلة وضحاها. ثم إن منح الحكومات الإقليمية سلطة السيطرة على موارد مناطقها سيثير تنافسا وصراعات بين الأقاليم، ومن ثم قد تسهل الفيدرالية انفصال الجنوب وتعجل به بدلا من منعه.

ولكن اليمنيين قدموا تضحيات كثيرة من أجل التوصل إلى صيغة جديدة تكون قابلة للحياة، وستكون الاستفادة من صيغة كهذه في صميم مصلحتهم. الفيدرالية ستشكل قطعا نهائيا من الحكم المركزي التسلطي لعهد علي عبد الله صالح، وعملية إعادة التوازن مع نقل السلطة من المركز إلى الأطراف. وفي وقت ما قد يكتشف دعاة الانفصال أن الحكم الذاتي أكثر من كاف لتلبية طلباتهم وإنهاء ظلاماتهم.

ختاما، أقول إن اليمن لا يواجه خيارا بين الفيدرالية والفوضى، بل بين استغلال الفرصة لبناء شيء جديد أو السماح لإخفاقات الماضي بأن تفرض مستقبلا بائسا.

* صحافي بريطاني مقيم في اليمن، سبق له أن تولى شؤون الطاقة في مجلة «ميد»، وكتب لـ«بيزنس ويك» و«الإيكونوميست» و«الفايننشيال تايمز».