هل سيوضح مفصل انتخابات الرئاسة ملامح توازنات إقليمية معينة؟

نعم... لكن «14 آذار» تسعى لاستعادة انتخاب الرئيس من قوى التسلط الإقليمي

TT

بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005، اعتقد اللبنانيون أنهم استعادوا حريتهم كاملة في صنع قراراتهم الوطنية، وعلى رأس هذه القرارات صناعة رئيس جمهوريتهم بعد عقود من تسلط النظام السوري على القرار اللبناني وعلى صناعة الرئيس في لبنان، إذ كان يكفي الرئيس الراحل حافظ الأسد أن يجيب عن سؤال أحد الإعلاميين في القاهرة، عن هوية الرئيس المقبل للبنان، فيجيب: «فلان»، ليتهافت النواب اللبنانيون إلى دارة هذا «الفلان» ويبايعونه قبل نزولهم إلى مبنى المجلس النيابي، لإضفاء الدستورية على هذا الخيار التسلطي.

محطة «اتفاق الدوحة» عام 2008، عدّها البعض عابرة، إثر أحداث خطيرة قام بها «حزب الله» فوق الساحة اللبنانية لنصل إلى الاستحقاق الحالي عام 2014. الذي ظن البعض أنه يمكن للبنانيين انتخاب رئيس جديد للبنان من قبل نواب الأمة، بغياب أي قوة إقليمية متسلطة على القرار اللبناني. غير أنهم فوجئوا بأن بعض هذه القوى اللبنانية، داخل المجلس النيابي، ما زالت ترهن قراراتها لمصالح بعض القوى الإقليمية، فالبعض يحمل السلاح ويعطل القرارات التي لا تتناسب مع مصالح رعاته الإقليميين، والبعض الآخر يجتهد في تفسير الدستور وفقا لمصالحه الخاصة، مدعوما من حزب السلاح على حساب مصلحة الشعب اللبناني، والبعض الثالث يشرح الدستور بشكل سلبي خلافا لروحية هذا الدستور وكل دساتير العالم.. ليخلص إلى ادعاء امتلاك «حق النقض» (veto). وهكذا تنتهي عملية الاستحقاق بـ«أوليغارشية» حكم الأقلية.. بدل الديمقراطية التي تؤمن الحكم للأكثرية.

اليوم، تحاول «القوات اللبنانية»، ومعها قوى «14 آذار»، عبر ترشيح الدكتور سمير جعجع لسدة الرئاسة، استرجاع صناعة الرئيس من أيدي بعض قوى التسلط الإقليمي، وإعادته إلى المجلس النيابي المنتخب من الشعب اللبناني. إلا أن قوى «8 آذار»، وعلى رأسها «حزب الله» وحليفه التيار الوطني الحر (بزعامة النائب العماد ميشال عون)، تعارض بصراحة «لبننة» الاستحقاق لأسباب كثيرة، أهمها:

- إن العماد ميشال عون، المرشح المضمر لقوى «8 آذار»، يرفضه ضمنا «حزب الله»، ومعه قوى «8 آذار»، لسبب وجيه.. هو أن الرجل لا يتمتع بالمصداقية، ولا يمكن الوثوق بمواقفه التي قد تتبدل وتتعاكس بين لحظة وأخرى. وتاريخ عون القريب والبعيد شاهد على ذلك. وإلا لماذا لا يدخلون به كمرشح واضح إلى المجلس النيابي؟

- إنه لا يمكن لقوى «8 آذار» الفوز في الانتخابات بمرشح واضح من داخل صفوفها، لأنها تعي بأن الأغلبية ستقف ضده. ولذا تفضل تعطيل الانتخابات للوصول إلى مرشح «توافقي»، يكون لها الكلمة الفصل في وصوله إلى سدة الرئاسة بعد أن يلتزم بشروطها، وإلا فالتعطيل الذي تمارسه يبقى سيفا مسلطا على رؤوس قوى «14 آذار» الاستقلالية.. التي هي وفق الرواية التاريخية الشهيرة «أم الصبي» التي فضلت أن تخسر طفلها على أن يشطر إلى شطرين.

- إن تصنيف المرشحين بـ«التصادمي» و«التوافقي» و«الوفاقي».. وغيرها من الأوصاف التي لا نجدها في أي ديمقراطية في العالم، ليست سوى نعوت تطلقها قوى «8 آذار» بهدفين؛ إما تعطيل الانتخابات تحت عنوان «تصادمي»، أو تسويق مسترئسين لا حيثية سياسية تمثيلية لهم تحت العناوين الأخرى. وهذا يعني استحضار القوى الإقليمية، بعد شغور منصب الرئاسة، لاختيار شخص من بين هؤلاء المفتقرين لأي صفة تمثيلية، وبالتالي «تعليبه»، هذه المرة بمظهر أو «لوك» جديد، ليجلس فوق كرسي بعبدا، ويلعب دور «المتصرف» الجديد على لبنان تتقاذفه القوى، وليس دور رئيس الجمهورية اللبنانية؛ فهل كان باراك أوباما أقل «تصادمية» مع جون ماكين؟ أو فرنسوا هولاند أقل «تصادمية» مع نيكولا ساركوزي من الذين ينعتونهم في لبنان بـ«التصادميين»؟! انطلاقا من حال التردي هذه التي وصل إليها اللبنانيون، ولكي تصبح صناعة الرئيس في لبنان صناعة لبنانية بامتياز، على المجلس النيابي المقبل إزالة النقاط الغامضة في الدستور والمتعلقة بالاستحقاق الرئاسي، ليمنع الاجتهاد في المستقبل وفقا للمبادئ التالية:

1 - إلزامية الدعوة لانتخاب رئيس جديد من قبل رئيس المجلس النيابي ضمن المهلة التي يضعها الدستور الجديد المقترح.

2 - إلزام المرشحين لهذا المنصب التقدم بترشيحاتهم إلى المجلس قبل شهرين على الأقل من موعد انتهاء ولاية الرئيس.

3 - إلزام المرشح بوضع رؤية لفترة حكمه المفترضة للسنوات الست وتعميمها على وسائل الإعلام.

4 - حضور النواب إلزامي. ولا يحق لأي نائب التغيب عن جلسة الاقتراع إلا لظروف قاهرة.

5 - إذا تغيب النائب عن الحضور لظروف قاهرة، فإن ذلك ينسحب على عدد الثلثين وعلى عدد النصف زائد واحد.

6 - إذا تغيبت مجموعة أو كتلة نيابية عن جلسة الاقتراع، فإن ذلك سينسحب على الثلثين والنصف زائد واحد، كما في البند الخامس.

7 - يعتمد عدد الثلثين من عدد الحضور، وكذلك النصف زائد واحد، وليس من عدد مجلس النواب. وتتحول بعدها المعركة إلى المرشحين الاثنين اللذين حصلا على أكبر عدد من أصوات المقترعين. وهكذا يصبح رئيس الجمهورية في لبنان صناعة لبنانية بامتياز.

* قيادي في حزب «القوات اللبنانية» وعميد ركن متقاعد