هل تتوقع أن تؤثر «ندوة الانتقال الديمقراطي» التي تعد لها المعارضة على المشهد السياسي في الجزائر؟

نعم... النظام السياسي منهار.. والمعارضة تجاوزت انقساماتها وكسرت كل الحواجز

TT

تحليل الواقع السياسي الذي تعيشه الجزائر يؤكد صورة لمشهد يدور بين نظام يبحث عن منافذ تضمن له الشرعية للبقاء والاستمرار، ومعارضة استطاعت أن تترفع عن الحسابات السياسوية والحزبية والصراعات الآيديولوجية، بغية تشكيل جبهة موحدة قوية المواقف ومتجانسة الأهداف تسعى للتغيير السلمي والسلس.

ظاهريا، السلطة السياسية الجزائرية قوية لأنها تتحكم في الإدارة والقوة العمومية وأموال الريع، زيادة على الدعم الخارجي الذي تتمتع به جراء التنازلات المقدمة للقوى الأجنبية الفاعلة، مقابل شراء السكوت الخارجي. وهذه المعطيات مكنت النظام السياسي الجزائري من تمرير مشروع الولاية الرابعة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة بالقوة والتحايل، رغم الرفض الواسع الذي واجهه مخطط التجديد للرئيس من شرائح مختلفة داخل المجتمع الجزائري وخارجه. لكن القوة الظاهرية للنظام تخفي الكثير من المعطيات والحقائق التي تؤكد أن النظام السياسي الجزائري هرم وتحاتتْ أسنانه، وأكل عليه الدهر وشرب.

واقعيا، النظام السياسي الجزائري منهار معنويا وأخلاقيا وسياسيا وشعبيا؛ فبعد تلقيه ضربات موجعة جراء فضائح الفساد التي تورطت فيها زمر الموالاة التي تدور مباشرة في فلك رئيس الجمهورية، أصيب النظام السياسي بنكسة أخرى، تمثلت في مرض الرئيس الذي جعل منه شخصا عاجزا عن تسيير شؤون دولة بحجم الجزائر، أو تولي منصب بحجم رئاسة الجمهورية، ثم إن إعلان ترشح رئيس الجمهورية لولاية رابعة قوبل بحركات احتجاجية واسعة تزامنت مع انسحاب عدد من المرشحين الذين فهموا أن اللعبة التنافسية مغلقة، وأنه لا مجال للتغيير عن طريق انتخابات 17 أبريل (نيسان). نكسات النظام تتالت وتفاقمت، إبان الحملة الانتخابية الأخيرة، إذ عجز منشطو حملة رئيس الجمهورية عن حشد الجماهير في القاعات بصفة عفوية، وتعرض معظمهم للطرد، ولقد أجبروا أحيانا على إلغاء تجمعاتهم، مما أكد فقدان الشرعية الشعبية للنظام. ورغم استعمال النظام السياسي خطاب الخوف والتخويف في إطار مقاربة ربطت ذهاب الرئيس بوتفليقة بالدمار والفوضى، فإن شرائح كبيرة من المجتمع الجزائري استجابت لنداء المعارضة بمقاطعة اقتراع 17 أبريل (نيسان). وهناك من صوت عقابيا لصالح مرشح آخر، حتى ينتقم من نظام الرئيس بوتفليقة، مما أجبر النظام السياسي على تضخيم نسبة المشاركة ونسبة النجاح لصالح رئيس الجمهورية حتى يضمن العهدة الرابعة. وهكذا، فانتخابات 17 أبريل جددت لنظام سياسي فاقد للشرعية ويعيش في عزلة سياسية عن المعارضة والشعب، وإذا ربطنا ذلك بتفاقم المشاكل الاجتماعية - الاقتصادية والتناقضات الموجودة داخل السلطة، يمكن القول إن النظام السياسي الجزائري يعيش مرحلة تقهقر وارتباك.

في المقابل، تعرضت المعارضة الجزائرية منذ عقود لمناورات خطط لها النظام السياسي القائم، وهدف من خلالها إلى تكسير وتقسيم المعارضة، وضرب مصداقيتها وامتدادها الشعبي، عن طريق أساليب الترغيب والترهيب، وهو ما سمح للنظام بلعب الدور المحوري في العملية السياسية، محولا المعارضة إلى مجرد «ديكور» سياسي يستعمل لتزيين المناسبات الانتخابية. لكن، بعد مرور السنين والعقود، تفطنت المعارضة لحالها، وتجاوزت انقساماتها، وكسرت كل الحواجز النفسية والآيديولوجية، وبدأ ذلك من خلال توحيد مطالبها لإرساء قواعد شفافة لتنظيم انتخابات رئاسية نزيهة، ثم إنشاء جبهة موحدة من تيارات وآيديولوجيات سياسية مختلفة لمقاطعة الانتخابات تحت غطاء «تنسيقية الأحزاب والشخصيات المقاطعة».

وبعد نجاح عملية المقاطعة، كثفت المعارضة جهودها الموحدة من خلال إنشاء «التنسيقية من أجل الحريات والانتقال الديمقراطي»، للتحضير لندوة وطنية مفتوحة لكل الفواعل السياسية والاجتماعية تتمكن الجزائر من خلالها من تحقيق انتقال ديمقراطي حقيقي. واستطاعت المعارضة كذلك أن تواجه وترفض مناورات السلطة التي أرادت احتواءها وتكسيرها عن طريق عرض حقائب وزارية في الحكومة الجديدة، أو عن طريق دعوتها لمناقشة مشروع دستور جديد يكرس من خلاله النظام الهيمنة والتسلط، مما أكد مرة أخرى على النضج السياسي والتنشئة السياسية التي وصلت إليها المعارضة الجزائرية.

إن المشهد السياسي الجزائري يعرف راهنا مسارين منفصلين؛ فمن جهة، النظام السياسي مرتبك ولا يعرف مصيره على المدى القصير وكذلك على المديين المتوسط والبعيد، إذ إن قوته الفعلية وبنيته النفسية تعرف منحى تنازليا، ومن جهة أخرى، تشهد المعارضة التي نجحت في ترتيب بيتها وقوتها المتنامية منحى تصاعديا من النواحي المعنوية والنفسية والسياسية. ولا يمكن للمسارين أن يتقاطعا، لأن النظام لا يريد أن يدخل في مشاورات جدية تهدف للتغيير الحقيقي، بل يريد تكريس منطق الأحادية والتسلط بثوب تعددي، في حين تريد المعارضة تغييرا جذريا لتحقيق تحول ديمقراطي حقيقي عن طريق مرحلة انتقالية، يجري من خلالها توفير آليات وهياكل يسترجع من خلالها الشعب إرادته المسلوبة، ويتمكن من خلالها الجزائريون والجزائريات من إرساء وتكريس دولة القانون والعدل.

وعليه، ستزيد مشاركة فواعل مختلفة من المجتمع في ندوة الانتقال الديمقراطي، من ارتباك النظام، وتساهم في انهياره النفسي والمعنوي على المستوى القصير، غير أن نجاح ندوة الانتقال الديمقراطي على المستويين المتوسط والبعيد يتعلق أساسا بمدى مساهمة الشعب في تدعيم المبادرة، لأن الشعب هو «الطرف الثالث» في المعادلة، وهو القادر على قلب موازين القوى بين السلطة السياسية والمعارضة، مما يستوجب على المعارضة، وبالأخص «التنسيقية من أجل الحريات والانتقال الديمقراطي»، العمل بجدية لتحسيس الشعب بخطورة الواقع الذي تعيشه البلاد، وضرورة مشاركته الفعالة والفعلية في إحداث التغيير.

* الناطق باسم حزب «جيل جديد» المعارض