هل باتت النزاعات الإثنية والمذهبية تشكل تحديا جديا لاستقرار البلاد ووحدتها الوطنية؟

نعم... تمثل النزاعات الإثنية والمذهبية تحديا حقيقيا لاستقرار الجزائر

TT

تمثل النزاعات الإثنية والمذهبية تحديا حقيقيا لاستقرار الجزائر، بل إنها تؤثر سلبا على وحدة وتماسك النسيج الوطني في البلاد، لا سيما أن مثل هذه النزاعات تصنف في أغلب الأحوال على أنها بمثابة صراعات اجتماعية ممتدة، إذ تتمثل في كونها تتعلق في جزء كبير منها بمنظومة القيم لدى المكونات الاجتماعية، التي لا يمكن التفاوض بشأنها أو مقايضتها.

ويمثل ملف المكونات الاجتماعية والثقافية أحد أهم وأخطر التحديات التي تواجه الجزائر، لا سيما أن المواجهات التي تدور رحاها بين الأقليات، خاصة بين العرب والأمازيغ، والعرب والطوارق، ليست جديدة على المشهد السياسي والاجتماعي والأمني في الجزائر، حيث باتت تظهر على الساحة الجزائرية بشكل جلي، منذ عهد الاستقلال.

ولعل الظواهر الجديدة التي دخلت إلى المجتمع الجزائري مع ثورة المعلومات الحالية التي يعيشها العالم، وظهور حركات اجتماعية ممتدة وعابرة للحدود، وكذلك تنامي ظاهرة العولمة، وتنامي المخاوف لدى الأقليات بسبب تهديدات الهوية، تلعب جميعها دورا رئيسا ومحوريا في تعزيز التوتر بين المكونات الاجتماعية لأي دولة، وليس الجزائر فقط. لكن لأن حالة التوتر بين المكونات الثقافية في الجزائر تبدو أكثر وضوحا، نظرا لتجددها بشكل مستمر، خلال الفترات الأخيرة، إضافة إلى عجز الحكومة الجزائرية عن التوصل إلى اتفاق يقضي بإنهاء أو تسوية تلك الصراعات، ما جعلها تعطي الأولوية للخيار الأمني دون غيره في التعامل مع مثل هذه الظاهرة.

وقد ساعد ظهور الحركات ذات التوجهات الأصولية على تزكية مثل هذه النزاعات، خاصة أن تلك الجماعات ذات توجهات دينية متشددة، مما جعل منها خطرا بارزا يحدق بتلك المكونات.

ويكشف الصراع الدائر بين العرب والأمازيغ على سبيل المثال في الجزائر، واحدا من تلك الصراعات التي يؤثر عليها بشكل كبير هذا النوع من تلك الجماعات. فولاية غرداية الواقعة جنوب الجزائر شهدت، خلال الفترة الأخيرة، تجدد الصراع والمواجهات الطائفية بين أتباع المذهبين المالكي والإباضي من العرب والأمازيغ، وفشلت كل المحاولات الرسمية التي تقودها الحكومة الجزائرية، وكذلك المحاولات الأهلية، لنزع فتيل تلك الأزمة بين أطرافها، التي تعود بجذورها إلى رواسب العلاقات التاريخية والنزعات العرقية بين الطرفين، منذ أيام الاستقلال، مما جعلها بمثابة الوقود المغذي للصراع الذي يشعل تلك المناوشات، إذ أسفرت هذه المواجهات عن سقوط ضحايا كثيرين من الجانبين، مما أدى إلى تعميق وتباعد الهوة بين مكونات تلك المنطقة، حيث بات أطرافها يتبادلون الاتهامات بالعمالة وتنفيذ أجندات معينة لصالح أطراف خارجية، في حين تبقى الحكومة الجزائرية محل انتقاد دائم من قبل أطراف الصراع، وتساق إليها التهم من كل طرف بأنها تدعم طرفا على حساب الآخر، الأمر الذي أدى إلى فشل الموقف الحكومي في احتواء هذه الصراعات، ووضع حلول تقضي بتسويتها.

ويمكن القول إن بروز جماعات دينية عابر للحدود والتي يأتي في مقدمتها، تنامي الظاهرة الأصولية السنية المتشددة في العالم العربي بشكل قوي خلال الفترة الأخيرة، واحدة من تلك العوامل التي ضاعفت من حجم واستمرار الصراع، حيث إن الخطاب المتشدد من الجماعات الأصولية السنية المتشددة ساعد في الطعن في عقيدة الإباضيين، لا سيما ذلك الاتهام الذي يساق بأن الإباضيين هم على مذهب الخوارج، وهو ما ساعد في بقاء واستمرار أحد عوامل الصراع على مر الوقت، وخلق صراعا على الهوية بين أبناء المنطقة، فضلا عن العامل الاقتصادي المتردي للمنطقة، وارتفاع معدلات البطالة بين السكان.

إضافة إلى ذلك، تشهد الجزائر أيضا صراعا بين العرب والطوارق، خاصة في مدينة برجباجي مختار بولاية أدرار جنوب الجزائر، قرب الحدود مع مالي، ورغم أن السلطات الجزائرية تسعى لاحتواء من خلال الاستعانة بعقلاء المدينة من سكان القبائل العربية وقبائل الطوارق، إضافة إلى مراجع دينية لمواجهة هذا الصراع، فإن عامل الامتداد السكاني على الحدود يبقى واحدا من أخطر تحديات هذا الصراع، حيث غالبا ما يلجأ سكان المناطق الحدودية إلى أبناء عمومتهم في البلد المجاور لدعمهم في الصراع، وهو ما قد يعطي بعدا إقليميا أو حتى دوليا للصراع، ربما يولد نزعات انفصالية لم تكن في الحسبان، وأخف الأضرار التي تنتج عنها هو دخول فاعلين آخرين من خارج الحدود إلى قلب الصراع.

وقد أظهر التعامل الحكومي ذو الطابع الأمني مع تلك الأزمات، عدم القدرة على السيطرة على الموقف، الأمر الذي يوجب بالتالي ضرورة أن تفكر الحكومة في وضع حلول أخرى أكثر نجاعة في احتواء هذه النزاعات. ويأتي في مقدمة الحلول التي يجري إهمالها من جانب الحكومة الحل التنموي، حيث إنه إذا غابت التنمية بمختلف أنواعها تظهر هذه النزاعات، لا سيما الإثنية منها والعرقية.

* باحث في شؤون المغرب العربي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية