هل تكون السياسة الخارجية علامة بارزة في أولويات عهد الرئيس السيسي؟

نعم... فهو يتولى الحكم في مناخ تراكم التعقيدات المحيطة بعلاقات مصر الخارجية

TT

ليس أمام الرئيس المصري الجديد عبد الفتاح السيسي خيار، سوى أن تكون السياسة الخارجية واحدة من أهم أولوياته. فهو يتولى الحكم في مناخ تراكمت فيه التعقيدات التي تحيط بعلاقات مصر الخارجية، منذ قامت ثورة 25 يناير 2011 التي ساهمت في خلق هذه التعقيدات، بسبب ما أحدثته من تغيرات جذرية في الوضع الداخلي، كان لا بد أن تواكبها تعقيدات مع العالم الخارجي، ازدادت تفاقما بعد التطورات التي شهدتها مصر خلال السنوات الأربع الماضية، وشملت انتقال الحكم في مصر إلى جماعة الإخوان المسلمين، وحلفائها من المنتمين إلى تيار الإسلام السياسي، وثورة 30 يونيو التي أعادت القوات المسلحة لتلعب دورا مؤثرا وقويا في المشهد السياسي، استجابة لإرادة شعبية غلابة، وما تبع ذلك من تغيرات انتهت بانتخاب المشير السيسي رئيسا للجمهورية بأغلبية كاسحة.

ويتولى الرئيس السيسي مقاليد السلطة في الوقت الذي تتسم فيه العلاقات المصرية - الأميركية بدرجة من الفتور منذ أن أزاحت ثورة يونيو (حزيران) حكم جماعة الإخوان، لتتعدد الأصوات داخل الإدارة الأميركية، بين البيت الأبيض الذي يتخذ موقفا محافظا تجاه العلاقات مع مصر، والبنتاغون الذي لا يزال يحتفظ بعلاقات شبه دافئة مع المؤسسة العسكرية المصرية، والكونغرس الذي تنقسم الرؤى داخله بين الجمهوريين والديمقراطيين حول الموقف من الأوضاع في مصر، وما ترتب على ذلك من صعوبات اقتصادية وعسكرية وسياسية، بسبب ثقل الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في النظام الدولي بشكل عام، فضلا عن العلاقات الخاصة التي ظلت تربط مصر بالولايات المتحدة طوال الأربعين سنة الماضية.

ويرتبط بذلك، التوترُ الذي شهدته علاقات مصر بدول الاتحاد الأوروبي، التي لا تستطع - إلا بقدر محدود - أن تتخذ سياسات مستقلة عن السياسة الأميركية، وفي الحالتين الأميركية والأوروبية، عبر هذا التوتر عن نفسه في الحملات السياسية والإعلامية التي تعتمد رؤية جماعة الإخوان وحلفائها، التي تذهب إلى أن ما جرى في 30 يونيو هو انقلاب عسكري، أطاح بالرئيس المدني المنتخب، على العكس تماما من رؤية الكتلة الرئيسة من الشعب المصري التي تعد 30 يونيو ثورة شعبية ساندها الجيش، وأن وراء الموقف الغربي عموما، والأميركي خصوصا، غضبا، لأن انهيار نظام «الإخوان»، سيؤدي إلى انهيار مشروع «الشرق الأوسط الكبير»، الذي تتبناه واشنطن، فضلا عن أنه يهدد السلام المصري - الإسرائيلي، الذي شكل الحفاظ عليه العمود الفقري لسياسة التحالف الغربي بشكل عام.

ورغم أن الغرب يرهن تغيير موقفه المحافظ من الأوضاع في مصر بعد ثورة يونيو، بمدى تنفيذها «خارطة المستقبل»، فمن السابق لأوانه الجزم بأن تنفيذ مصر بندين أساسيين من هذه الخارطة، وهما التعديل الدستوري، والانتخابات الرئاسية، سوف يدفع الإدارة الأميركية إلى تغيير جذري في موقفها، وسيكون، أمام الرئيس السيسي مهمة دبلوماسية شاقة، لدفع الغرب لتعديل موقفه المحافظ منه، وسوف يساعده على ذلك بطبيعة الحال، المؤشرات التي برزت في السياسة الخارجية المصرية، بعد سقوط «الإخوان»، وتجلت في سعى مصر لتنويع علاقاتها الدولية مع الكتل السياسية الأخرى في العالم، كروسيا والصين واليابان، وحركة عدم الانحياز، والجهود التي تبذلها لكسر العزلة الأفريقية، واستعادة رصيدها داخل القارة، رغم أزمة مياه النيل التي نشبت بينها وبين إثيوبيا.

من جانب آخر، تؤكد المؤشرات التي وردت في الحملة الانتخابية للرئيس السيسي عزمه استعادة الدور المحوري الذي تلعبه مصر في العالم العربي، وإحياء نظرية الأمن العربي المشترك، بحيث يمكن تشكيل تحالف عربي، يعتمد على القوة العسكرية المصرية، والقوة الاقتصادية العربية، وخاصة في دول الخليج، لضمان أمن المنطقة، ومواجهة المخاطر التي تحيق بها، رغم المصاعب التي تواجه ذلك، وفي مقدمتها تبني قطر سياسة دعم جماعة الإخوان، إعلاميا وماليا لاستعادة السلطة في مصر! ولا شك في أن الدور الذي تلعبه مصر في مواجهة الإرهاب الذي تتعرض له من الداخل، ويتهددها من حدودها الشرقية والغربية والجنوبية، سوف يلعب دورا في تغيير بعض المواقف الدولية والعربية، التي تتخذ موقفا محايدا من الأوضاع المصرية الراهنة، إدراكا من الجميع أن مواجهة الإرهاب، هي مسألة قومية ودولية، لا يستطيع أحد أن يتحمل مسؤولية التخلي عن دعم من يقومون بالتصدي لها.

الشيء المؤكد هو أن إدارة السيسي سوف تلتزم بالخط العام الذي اتخذته ثورة 23 يوليو (تموز)، الذي يعد استقلال الإرادة الوطنية، ورفض أي شكل من أشكال التدخل في الشؤون الداخلية لمصر، هما قيمة سياسية مستقرة، وخط أحمر، لا يمكن السماح لأحد بتجاوزه، وأن إقامة نظام حكم يرضى عنه المصريون، ويحافظ على الحريات الديمقراطية، سيكون العامل الأساسي في تغير مواقف الدول الخارجية منه، وفي مساعدة الدبلوماسية المصرية، لكي تستعيد مصر علاقات دولية متوازنة، تقوم على تبادل المصالح وعلى الحفاظ على حقوق الشعب المصري، بصفته جزءا من الأمة العربية، فضلا عن أن مكانة مصر الإقليمية، وتأثيرها في محيطها العربي، أمر لا تملك أي قوة دولية أن تتجاهله.

* نائب رئيس حزب التجمع، ومدير تحرير صحيفة «الأهالي»