هل تكون السياسة الخارجية علامة بارزة في أولويات عهد الرئيس السيسي؟

لا... بل سيعمل على الملفات الخارجية والداخلية لأنها كلها ساخنة وحرجة

TT

الملف الأمني مؤثر في الاقتصاد، والتشابك وتراكم المشاكل يحتمان على الرئيس عبد الفتاح السيسي العمل بمنطق الملفات المتوازية، وكلها ملفات ساخنة وحرجة، وتقع كلها في دائرة اهتمام الشعب المصري تقريبا بشكل متساو، وكلها متداخلة في بعضها. ولقد سبق في لقاءاته ومقابلاته الإعلامية أن قال إنه ليست لديه رفاهية العمل على ملف وترك ملف، وإنما قال إنه سيتبع سياسة الملفات الموازية، وذلك نظرا لحالة التراجع ونظرا لأن المشاكل التي تواجه الدولة المصرية متعددة؛ منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي، ومنها ما هو اقتصادي وأمني وتعليم وصحة ومشاكل مركبة.

وأعتقد أنه على هذا الأساس سبق أن ذكر أنه، في الحقيقة، نظرا لأن جميع الملفات في وضع حرج، وأنه لا توجد رفاهية انتظار ملف لفترة من الوقت حتى يتم ضبط ملفات أخرى.. ولهذا، هو مضطر لأن يعمل على الملفات كلها بشكل مواز. وفي الحقيقة، الملف الخارجي يعد مهما جدا، لأن التراجع الذي حدث لدور مصر الدولي والإقليمي، مضت عليه سنوات طويلة، ولم يجر العمل على ضبط العلاقات الخارجية المصرية وإعادة مصر لدورها ومكانتها التي كانت عليها منذ نحو 14 سنة على الأقل؛ أي آخر عشر سنوات من عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، بالإضافة إلى السنوات الأربع الأخيرة. ومنذ ثورة 2011 ونحن نعاني مشاكل استراتيجية في العلاقات الخارجية، بداية من عدم الاهتمام بالعمق الاستراتيجي للعلاقات المصرية الخارجية، سواء على مستوى أفريقيا أو على مستوى منطقة الشرق الأوسط، وما شابه، أو بوقوع مصر تحت سيطرة علاقة استراتيجية أحادية فيما يخص العلاقات الخارجية كهيمنة العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية على علاقتنا الخارجية كعلاقة استراتيجية وحيدة.

فلا بد، كما أرى، بداية، من العمل على تعدد العلاقات الخارجية الاستراتيجية. وأظن أن المشير منذ أن كان وزيرا للدفاع بدأ بفتح علاقات مع روسيا ومع الصين، ليس كبديل عن العلاقات مع أميركا، لأن علاقتنا بالولايات المتحدة مهمة، وإنما لعمل تعددية في العلاقات الاستراتيجية الكبرى ستكون لها علاقة بالمصالح الاستراتيجية وأمن مصر القومي.

ولا شك في أن إهمال مصر العمق الأفريقي والدور الذي يجب أن تقوم به كدولة قائدة لمنطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية ترتبت عليه مشاكل تمس حتى أمور استراتيجية في حياة المصريين، مثل مشكلة سد النهضة في إثيوبيا وقضية المياه.. أعتقد أن هذه المشكلة رد فعل منطقي يبين أن مصر بعدت عن عمقها الأفريقي وعن دورها في أفريقيا خلال السنوات الـ14 الماضية.

ولهذا أقول إن الملفات الخارجية وضعها حرج جدا، وتحتاج من الرئيس أن يعمل عليها بشكل عاجل.. ثم إن هذه الملفات الخارجية لها تأثير واضح ومباشر على الملفات الداخلية. وحتى تستطيع أن تتحرك بقوة في ملفاتك الداخلية، لا بد من التعامل بشكل متواز مع الملفات الخارجية. لدينا جزء كبير من تمويل طموحاتنا في المشروعات الداخلية، سواء ممر التنمية أو إعمار سيناء أو تطوير قناة السويس. كل هذا له علاقة بالتعاون والمساعدة الدولية. وإن كان يبدو أن هذا الاهتمام هو اهتمام بملف خارجي، إلا أنه سينعكس على الملفات الداخلية، وعلى رأسها الملف الاقتصادي والملف الأمني. فعلى سبيل المثال، لكي تنجح مصر في ملف مواجهة الإرهاب، فإنها بالإضافة إلى ما تقوم به داخليا، لا بد أن تنفتح على تعاون إقليمي مع الدول المتفقة مع مصر في هذه الرؤية التي تعاني مخاطر إرهابية، لأن التنظيمات الإرهابية لها صبغة دولية.

ملف مواجهة الإرهاب، على سبيل المثال، له عدة أبعاد.. البعد الأول بعد تشريعي، وكل من له دراية بملف الإرهاب يعلم جيدا أن المواد الموجودة في القانون الجنائي المصري لا تكفي، ولا بد من مزيد من التفاصيل لمواجهة الإرهاب، مثل قانون جديد لمكافحة الإرهاب وسن القوانين المرتبطة به، مثل تجريم غسل الأموال لأنه يستغل في تمويل الإرهاب.

وهناك جزء أمني يرتبط بتعزيز قدرة الأجهزة الأمنية، خاصة بعد أربع سنوات تعرضت فيها الشرطة لضربات مست مقراتها وقدرتها. وأن تتم مساعدة الشرطة بأن تسترد عافيتها، وتعزيز قدرتها. وكذا هناك محور فكري يرتبط بتجديد الخطاب الديني. وفي كل خطابات المشير، كان هناك حديث عن التجديد الفكري والظهير الفكري، بالإضافة إلى استيعاب الشباب الذين يمثلون نحو 60 في المائة من الشعب، وأن يكونوا موجودين في النقابات وفي داخل الأحزاب. وكذا العمل على مكافحة الفقر.

واستيعاب الشباب بالذات سيدخل ضمن الإصلاح السياسي واحترام الحريات والحقوق، لأن كل هذه عوامل إن لم تكن متوافرة تدفع الشباب للتطرف. لا بد أن يكون هناك منح فرص للشباب ومكافحة للفقر. وأعود وأؤكد حتمية العمل بمنطق الملفات المتوازية وكلها ملفات ساخنة وحرجة، وتقع كلها في دائرة اهتمام الشعب المصري تقريبا بشكل متساو، وكلها متداخلة في بعضها. الملف الأمني مؤثر في الاقتصاد.

طبعا، ملف العلاقات الخارجية سيأخذ حصته من اهتمام الرئيس السيسي، لكن هذا لا يعني أنه سيوحد تركيزه على ملفات العلاقات الخارجية، لأنه ليست لديه رفاهية أولوية العمل في ملف بعينه.

* برلماني سابق ومؤسس حزب «حياة المصريين»