وهل تتوقع أن تعتمد مصر السيسي مواقف حاسمة وواضحة إزاء المشاريع الإقليمية غير العربية المتنافسة في المنطقة؟

نعم... السيسي يعطي مؤشرات لقدرته على تأسيس محور من علاقاته الإقليمية والدولية

TT

أتوقع أن تكون السياسة الخارجية المصرية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي حاسمة وواضحة إزاء المشاريع الإقليمية. وسوف يطرح السيسي، كما أعتقد، مشروعات مغايرة، لأنه يواجه تحديات. أولا.. ما المشروع الإقليمي المنافس؟ وأبرز مثالين على المشروع المنافس محور قطر - تركيا، ومحور إيران - أميركا. وهو لا بد أن يضع نفسه - حتى يحتل موقعا قياديا جديدا في الدولة المصرية ويعيد لها الاعتبار وقوتها ومكانتها - في محور مختلف. وهذا المحور قد يتلاقى مع محور المقاومة، وقد يتلاقى مع محور التحرر، وقد يلتقي مع فكرة دعم الاستقلال الوطني، أو غيره.

ومن ثم، توجد لدى المشير السيسي فرصة للدخول في محور جديد.. من الممكن أن يتكون من ليبيا أو من سوريا أو مع السودان إذا تراجع هذا البلد وأصبح أكثر انحيازا إلى مصر. كما أن أمام السيسي دورا لا بد من أن يقوم به في أفريقيا بحيث يحل مشكلة سد النهضة مع إثيوبيا. كما أنه لا بد من التحالف مع السعودية ودول الخليج. وهناك ترحيب من جانب الجزائر بالسيسي. ويمكن للرئيس أن يخلق أو ينحت أو يصيغ أو يشكل محورا جديدا يؤكد به دور مصر.

حتى مع أوروبا، لدينا خصوصية في بعض العلاقات التي يمكن استغلالها في تأسيس محور مختلف.. وكذا علاقات مع روسيا والصين. أي إنه يمكن إيجاد غطاء دولي مختلف يستطيع السيسي عن طريقه مواجهة المحاور الأخرى..

كما يوجد انفتاح على الدول التقليدية في النظام العربي القديم، وما يمكن أن يسمى أيضا الدول العربية المناضلة والدول الراديكالية. ويمكن للسيسي أن يصيغ محورا جديدا يجمع بين المضمون الراديكالي وفي الوقت نفسه دون إغضاب المحور المحافظ في المنطقة العربية مثل بعض دول الخليج. ومن ثم، يستطيع الرئيس الجديد أن يحسن الأوضاع في المنطقة، أو يمكن أن يرشد الدور الخليجي في سوريا، ويستطيع أن يرشد مثل هذا الدور في ليبيا، ويمكن أن يضع هدفه مكافحة الإرهاب، و«الإخوان» في المقدمة.

ويستطيع أن يفعل هذا مع السودان أيضا، لأنني أعتقد أنها ستكون محاصرة في هذه الحالة. أقصد بذلك أنه لا ينبغي له أن يستسلم للمشاريع القائمة. ولن تكون مصر، بحكم أنها في حاجة لاستثمارات جديدة أو دور جديد، مترددة في صنع هذا الشكل الذي أريد أن أطلق عليه «نحو إعادة لهيكلة السياسة الخارجية المصرية.. نحو إعادة لهيكلة الدور الريادي المصري في ظل الظروف الجديدة».

وبالنسبة للمحور الإيراني - الأميركي، بدأت بوادر علاقات وتنسيق بين واشنطن وطهران، وهذا بطبيعة الحال سيكون على حساب دول الخليج. والسيسي سيكون داعما لدول الخليج، لأنه سبق أن قال إن الأمن القومي المصري يصل إلى الخليج وإلى كل جزء في الوطن العربي. وفيما يتعلق بدور إيران.. فأنا أرى أنه من غير المفضل المواجهة حاليا في ظل وجود وضع سياسي هش في الداخل، مع توجه للم شمل الدول العربية والأفريقية الفاعلة.

أما فيما يتعلق بالعلاقات مع تل أبيب، فإنني لا أتوقع أن يدخل في تناقضات مع إسرائيل، لأن هذا الملف ليست له الأولوية الآن، إلا إذا فرضت عليه. لكنه يمكن أن يشكل فريقا سياسيا وقانونيا في حال كانت هناك رغبة في إعادة النظر في معاهدة كامب ديفيد، بحيث يحسن الوضع والشروط ويحقق مزيدا من المكاسب، بأن يؤكد سلطة مصر على سيناء لتنفيذ المشروع القومي الذي وعد به في سيناء.

ومع ذلك، أقول إن ملفات الخارج ليست بديلا للداخل. أو أن الخارج لن يكون محل اهتمام لأنه لن ينعكس على الأوضاع الداخلية.. هذا غير صحيح. حسني مبارك مثلا مكث 30 سنة في الحكم وهو يهتم بالداخل على حساب الملفات الخارجية. أعتقد أن هذا أدى إلى تراجع دور مصر، بينما توجد حتمية تاريخية وجغرافية لدور مصر في الخارج. وفي حال انكفاء مصر على نفسها، تتقدم مشروعات إقليمية أخرى ودول صغيرة تبدأ المنافسة.

وأعتقد أنه توجد خيارات جيدة أمام المشير السيسي. توجد حرية حركة كبيرة وغطاء إقليمي ودولي، ويوجد أمامه انتظار كبير من دول فاعلة في المنطقة تريد أن تعود مصر لدورها القيادي.. وبناء عليه، أعتقد أن مصر السيسي ستكون أفضل، ولهذا سيكون هناك عين على الداخل لإحداث نقلة نوعية في حياة الناس، وعين على الخارج يستطيع من خلالها أن يعيد رسم تحالفات المنطقة.

* أكاديمي وبرلماني سابق