هل توجد لتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» استراتيجية واضحة للسيطرة على شمال المشرق العربي؟

نعم.. لأنه لا قيام لأي مشروع «دولة» في غياب السيطرة على حيّز من الأرض

TT

حلم السيطرة على الأرض وتأسيس كيان خاص هو حلم راود عقلية قيادات الجماعات الإرهابية منذ أيامها الأولى، وما زال يمثل أحد أهم أهداف هذه الجماعات. فالطموح النهائي لهذه التنظيمات هو تأسيس كيان سياسي يخضع لسيطرتهم وتطبق فيه عقائدهم. وقد أدركت قيادات التنظيم أن هناك وسيلتين يمكن من خلالهما تحقيق هذا الحلم. أولاهما العمل على الاستيلاء على السلطة في دولة ما والعمل من خلال السيطرة على السلطة على تغير طبيعة الدولة والمجتمع بما يلائم عقائد وتصورات هذه الجماعة. وثانيتهما هي اقتطاع أجزاء جغرافية من دولة محددة، أو دول متعددة، تتشارك في الامتداد الجغرافي. وتأسيس كيان سياسي على هذه الأجزاء تطبق فيه عقائد التنظيم المتطرفة.

فتنظيم القاعدة السعودي الذي بدأت عملية المواجهة المباشرة معه عام 2003 لم يكن تنظيما إرهابيا فقط، بمعنى تنظيم مهمته مجرد تنفيذ عمليات هجومية إرهابية، بل كان هدف التنظيم الحقيقي الاستيلاء على السلطة في المملكة العربية السعودية وتحويل المملكة إلى دولة تتبع عقيدة التنظيم في جميع مجالاتها. ولقد أكدت المعلومات الانتشار الجغرافي الواسع لخلايا التنظيم والتي شملت معظم، إن لم يكن جميع، أجزاء المملكة، وهو ضرورة لخطة الاستيلاء على السلطة. وبرزت دلائل على أن استخدام الإرهاب من قبل التنظيم كان مجرد وسيلة لتحقيق هدف الاستيلاء على السلطة. وقدر الله أن تنجو المملكة من هذه الشرور، وتتمكن من القضاء على التنظيم وأهدافه الخطيرة.

حلم التنظيم الإرهابي في تعزيز السيطرة على الأرض انتقل جغرافيًّا من مواقع متعددة ومتباعدة ومترامية الأطراف، بناءً على الظروف المتوفرة. ففي مرحلة معينة كان العمل جادًّا في تحقيق حلم السيطرة على أفغانستان أو جزء منها. ثم تطور الحلم في العمل على السيطرة على اليمن أو جزء منها. ثم انتقل إلى قارة أخرى، وتمثل بحلم السيطرة على جمهورية مالي أو جزء منها في قلب الصحراء الأفريقية.

لذا فإن حلم إنشاء «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وقبلها حلم إنشاء «دولة العراق الإسلامية» من الأهداف الاستراتيجية العليا التي عملت وتعمل لتحقيقها التنظيمات الإرهابية، خصوصا التنظيمات التي تنتمي إلى مدرسة «القاعدة» الفكرية. ومفهوم الدولة في القانون الدولي يتطلب توفر عناصر أساسية، أهمها عنصر توفر السيطرة على قطعة أرض ووجوب فرض حقوق السيادة على هذه الأرض وعلى من يسكن عليها من المواطنين.

ثم إن تجربة مشروع «دولة العراق الإسلامية»، التي سبقت مشروع تأسيس «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، والتي برزت للوجود العلني في أكتوبر (تشرين الأول) 2006، سعت لإلغاء جميع التنظيمات المنافسة لها، الإسلامية وغير الإسلامية منها، في عملية هدفها تحقيق احتكار تام للسلطة، باستخدام وسائل الترغيب ثم الترهيب، وأخيرًا اللجوء إلى عمليات الإبادة الجماعية للمنافسين والخصوم الذين رفضوا الانطواء تحت راية «الدولة». والأسلوب نفسه جرى اتباعه بعد إعلان تأسيس «الدولة الإسلامية في العراق والشام» في أبريل (نيسان) 2013.

ما تؤكده الحقائق والوقائع التي شاهدناها خلال السنوات الثماني الماضية، أي منذ إعلان أول «دولة» لتنظيم القاعدة في المشرق العربي، وهي «دولة العراق الإسلامية» في عام 2006، أن التنظيم عمل بجد ووحشية، وسيبقى يعمل بزخم ويسخّر جميع إمكانياته لتحقيق هدف إنشاء «الدولة الحلم» التي ستمنح فكر التنظيم وعقائده انعكاسًا واقعيًّا على الأرض لبناء «الدولة المثالية» التي ينادي بها. وهذا على الرغم من أن تجارب التنظيم في بناء «الدول» التي شهدناها في أفغانستان والعراق واليمن ومالي وغيرها جوبهت برفض شعبي عارم من قبل المواطن العادي، خصوصا من قبل من قاده حظه العاثر ليخضع لسيطرة «مشاريع الدول» التي تتبع الفكر «القاعدي» المتطرف، ولو لفترة قصيرة.

لذا فإننا نتوقع أن تواصل التنظيمات الإرهابية، وخصوصا تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، العمل على تحقيق أهدافها في التوسع الجغرافي وفرض السيطرة على الأرض، وخصوصا في منطقة شمال المشرق العربي التي أمست فيها الظروف - حسب تقديرات قيادات التنظيم - مهيأة لتكون «حاضنة» مشروع الدولة الموعودة. وكذلك محاولة الحصول على الشرعية عبر استخدام القوة المفرطة وترهيب المواطنين للخضوع القسري لأهداف التنظيم.

إن التنظيم يمتلك استراتيجية واضحة المعالم تجعل من فرض السيطرة على الأرض كأول خطوة أو متطلب أساسي لإدراك الهدف الأسمى وهو تأسيس دولة أو دويلة تقوم أنظمتها على عقائد التنظيم، وتكون نواة لمشروع واسع لتأسيس «إمبراطورية إقليمية» تخضع لحكم التنظيم وعقائده المتطرفة، وتشمل جميع أرجاء العالم الإسلامي.

وما يجري في أجزاء من سوريا والعراق اليوم من محاولات تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» للتمدّد الجغرافي يجب أن يؤخذ بجدية من دون تهاون أو تراخٍ، وذلك لكون السيطرة على الأرض وإنشاء الدولة يُعدان من الأهداف الاستراتيجية العليا وواضحة المعالم التي يتبناها التنظيم الإرهابي بشكل علني ورسمي. ولا يوجد إشكال أو لبس أو تأويل حول هذا الهدف، فالتنظيم سيبذل محاولات للتوسّع والتمدّد الجغرافي كلما سمحت الظروف بذلك، وسيقوم بتهيئة الظروف التي تساعد على ضمان هذا التوسع الجغرافي، ولن يتنازل عن الجهد المتواصل لتحقيق هذا الهدف إلا إذا أجبر على التخلي عنه بوسائل القوة.

* باحث استراتيجي عراقي، مدير قسم الدراسات الأمنية والدفاعية في مركز الخليج للأبحاث – جنيف.