هل يمكن القول إن أداء المرأة كان إيجابيا بعد أكثر من سنة من دخولها مجلس الشورى؟

نعم.. كان الأداء منتجا وإيجابيا بدليل نقلها الكثير من الملفات الخلفية للأمام

TT

بداية اسمحوا لي أن آخذ جزءا من المساحة لتكرار الشكر لخادم الحرمين الشريفين، على اهتمامه بتمكين المرأة عبر الكثير من مسارات العمل، ولعل وجود ثلاثين سيدة كاملة العضوية في مجلس الشورى يأتي على رأسها من حيث الأهمية ودلالات المتوقع في قادم الأيام. أما بالنسبة للسؤال أعلاه فأستطيع بثقة أن أجيب بـ«نعم». إن تجربة المرأة في مجلس الشورى ناجحة بكل المقاييس الموضوعية التي ترتبط بحداثة التجربة البرلمانية النسائية السعودية من ناحية، وخبرتها في مجمل صناعة القرار، فما بالك بالمشاركة في بناء منظومة التشريعات ومرتكز صناعة القرار باعتبار أن منتج المجلس ينتقل وفق تسلسل العمل للمقام السامي؟ الحراك داخل المجلس في هذه الدورة اختلفت طبيعته وديناميكيته وأيضا محتواه. وحضور المرأة نقل الكثير من الملفات الخلفية للأمام. فلأول مرة تُطرَح توصية تخصّ السماح للمرأة بالقيادة تحت قبة المجلس، وللخروج من عنق الزجاجة الذي دخلت به في لحظة سهو تم تحويلها لتعديل مادة في نظام المرور. وفي الوقت نفسه قدّمت مجموعة من النائبات مدوّنة الأسرة، وهي الآن تحت الدراسة في إحدى اللجان. وقانون التحرش أخرج من تحت طاولة المقاومة والرفض وتم إدراجه في إحدى الجلسات، وإن لم يناقش حتى الآن تحت القبة.

أيضا هناك مقترح لتعديل نظام الأحوال تقدمت به مع بعض الزميلات والزملاء، وهو الآن تحت نظر المستشارين في المجلس. ويهدف هذا المقترح إلى تمكين المرأة من بلوغ سن الرشد مثل الرجل، ويرتقي بها إلى مستوى المواطنة في شؤونها وشؤون أسرتها في جانب الحقوق المدنية، مثل تبليغ الولادة، وهو أمر يسير، علما بأن النظام الحالي لا يجيز للمرأة ذلك، بل قد يتيحه لعمدة الحي في حال غياب ذكور الأسرة، أما الأم فعليها أن تتوقف عند حد الإنجاب.

حقوق المرأة في بنك التسليف العقاري أخذت حقها من اهتمام المرأة، فتم تقديمها على شكل توصية ونجحت، ولله الحمد، ورفعت للمقام السامي، وهي توصية تأتي متسقة في أهدافها مع الاتفاقيات والمعاهدات التي وقعت عليها حكومة خادم الحرمين الشريفين، التي تؤكد على المساواة بين الرجل والمرأة بما يتفق مع ثوابت الدين الإسلامي.

وأيضا كانت هناك توصية لصندوق التنمية بالتوسع في فتح أقسام نسائية لتشمل جميع المناطق لتسهيل التدريب والتوظيف للمرأة. وفي جانب آخر كانت هناك توصية بإشراك المرأة في الخدمات الإسعافية في الهلال الأحمر، وذلك بهدف تفعيل دور المرأة في خدمة بنات جنسها بعد تكرار حوادث الوفيات بسبب منع دخول الرجال. وفي السياق نفسه، كانت هناك توصية بتأهيل كوادر متخصّصة في مجال طب المسنين لإنشاء عيادات تخصصية مرجعية لكبار السن في المستشفيات الحكومية، وتوصية أخرى تطالب الهيئة العامة للغذاء والدواء بوضع استراتيجية للقضاء على ظاهرة زيادة تركيز «البرومات» في مصانع المياه المعبأة بالمملكة. كذلك كانت هناك توصية من حنان الأحمدي تنص على عمل القانونيين في السلك القضائي، وهي على الرغم من عدم نجاحها في اجتياز التصويت، وبنسبة منخفضة، فإنها حرّكت المياه الراكدة في موضوع مهم وحساس لا أبالغ إذا قلت إن كثيرين من الرجال تحاشوا الخوض فيه. ولقد ارتكزت التوصية على رؤية تطوير مؤسسة القضاء وإضافة فكر متخصّص في القانون مع رؤية شرعية، وكانت التوصية ستحل من قلة عدد القضاة.

ومن ناحية أخرى، استطاعت لبنى الأنصاري أن تشرّع لنظام البحث العلمي الصحي الوطني، مما يعني معه أن المرأة وخلال سنة ونصف استطاعت تنويع عملها بين توصية ومقترح في أكثر من مجال. ولم تتوقف عند ملف المرأة، وهو ملف شائك وعسير ومحاط بالكثير من المخاوف والعقبات، ولعل ما يؤكد ذلك التوصية الخاصة بدراسة ممارسة الرياضة البدنية في مدارس البنات، وهي توصية أحدثت حراكا اجتماعيا وإعلاميا لمقاومة الفكرة من البعض وتأييد البعض الآخر، مع أنها مجرد توصية بالدراسة وليس التنفيذ، وهذا يكشف صعوبة هذا الملف وحاجة النائبات لمزيد من الشجاعة والصبر في فتحه أكثر وأكثر حتى تتراجع حالة الخوف غير المبرّر، وأيضا تفكيك القيود الموضوعة اصطناعا حول تمكين المرأة.. تارة باسم الدين وطورا باسم السيادة.

أضف إلى ما سبق أنه رغم حداثة التجربة في العمل استطاعت النساء أن يحظين بترشيح لمواقع متقدمة في إدارة اللجان، إذ توجد الآن أكثر من نائبة رئيس لأكثر من لجنة، وهن بالمناسبة دخلن عضوية جميع اللجان ما عدا اللجنة الإسلامية. وفي الإطار نفسه، ومع استيعاب المرأة عمق منظومة الإجراءات الإدارية والقانونية للمجلس، بات موقفها أكثر وضوحا وجرأة.. إذ اتخذت نائبتان موقف الانسحاب من إحدى الجلسات احتجاجا وتعبيرا عن رأيهما الرافض لإدارة أحد الملفات في الجلسة قبل الأخيرة إيمانا منهما بمسؤوليتهما وترسيخا لثقافة العمل الديمقراطي. كذلك كان للنائبات حضور برلماني متميز مع الوفود الممثلة لمجلس الشورى في زياراته الخارجية.. أو في استقبال الوفود محليا.

وفي تأكيد آخر على نجاح تجربة المرأة البرلمانية، فإن المتابعة الإعلامية للمجلس ونشاطه، وما يطرح تحت القبة، باتت حدثا جاذبا للإعلام بنوعيه التقليدي والحديث. ولعل مقالات كتّاب الرأي حول أحداث المجلس ارتفعت نسبتها بشكل ملحوظ مع دخول المرأة، ولقد استطاعت توصية السماح للمرأة بالقيادة أن تجذب أقلاما كبيرة ومهمة من كتّاب الرأي في كل صحفنا، ممن ربما لم يلتفتوا أو يكتبوا لمجلس الشورى سابقا.

وختاما، فإن وجود ثلاثين سيدة في مجلس الشورى كان البداية القوية لحضور المرأة وتنويع الملفات مع التركيز على ملف المرأة والأسرة، حيث بات هدفا نسائيا تعمل عليه النائبات بكل جرأة ومثابرة وكثير من الشجاعة.

* عضو مجلس الشورى السعودي وكاتبة في صحيفة «الرياض»