هل تتوقع انعكاس مستوى الأداء سلبا أو إيجابا على فرص خوضها مجالات أخرى كالمجالس البلدية؟

نعم.. ثمة إرادة قوية لتمكين المرأة من المشاركة في صنع القرار المجتمعي

TT

يأتي هذا المقال ردا على تساؤل مشاكس «هل تتوقع انعكاس مستوى أداء عضوات مجلس الشورى سلبا أو إيجابا على فرص خوض المرأة مجالات أخرى كالمجالس البلدية؟». وكانت إجابتي التلقائية، وبلا تردد: نعم، ستنعكس إيجابا. وهذا عن قناعة وتقدير لقرار خادم الحرمين الشريفين بدخول المرأة المجلس، وإدراكا للجهود والمبادرات التي تقوم بها العضوات والمجلس كاملا لكي تحقق هذه التجربة تطلعات متخذ القرار والمجتمع، وتمهد الطريق لمشاركة واسعة للمرأة في ميادين أخرى.

شخصيا، أعتقد أن دخول ثلاثين امرأة مجلس الشورى بعضوية كاملة يعد أهم حدث مؤثر في موقع المرأة في المشهد السعودي، ليس تقليلا من الخطوات السابقة، ولكن لحجم هذه الخطوة وثقلها السياسي والاجتماعي.

من ناحية أخرى، فإن المتابعة الإعلامية المستمرة لمداولات وقرارات مجلس الشورى تجعله دائما في دائرة الاهتمام وتجعل المرأة أكثر حضورا مما مضى في المشهد الوطني. ولا شك في أن لدخول المرأة مجلس الشورى انعكاسات إيجابية على فرص خوضها ونجاحها في مجالات أخرى، بما في ذلك الانتخابات البلدية، لعدة أسباب.

لقد دخلت المرأة مجلس الشورى بعد تعديل نظامه لتمثل النساء نسبة لا تقل عن عشرين في المائة من عضويته، وهذا بحد ذاته تأكيد لوجود إرادة قوية لتمكين المرأة من المشاركة في صنع القرار المجتمعي، ودلالة على جدية اهتمام الدولة بتفعيل دور المرأة من خلال تأسيس قاعدة تشريعية تضمن حدا أدنى من التمثيل في المجلس، وبما يفوق نسب مشاركة المرأة في كثير من البرلمانات العالمية.

ويمثل التعديل النظامي تعبيرا قويا عن إرادة الدولة وتأكيد أنها في صف المرأة، وتضع ثقتها فيها، وتعول عليها للمساهمة جنبا إلى جنب مع الرجل للدفع بمسيرة البناء والنهضة. وفي واقع الأمر، تغير موقع المرأة في المشهد الوطني بعد تجربة مجلس الشورى، حيث أصبحت المرأة معنية بجميع الملفات الوطنية التي ينظرها المجلس بلا استثناء: الأمنية والاقتصادية والسياسية والشؤون الخارجية.. ولم تعد محصورة في المجالات التقليدية كالتعليم والصحة والشؤون الاجتماعية والثقافية.

ولقد جاء نص نظام المجلس بعد التعديل مؤكدا إتاحة الفرصة للمرأة للمشاركة في جميع اللجان، وعدم حصر مشاركتها في مجالات بعينها، مما يؤطر لمشاركة واسعة للمرأة عموما ويفتح لها الآفاق لخوض غمار جميع المجالات التنموية، بعيدا عن المجالات التقليدية.

كل ذلك دلالة على تنامي الوعي بنضج خبرة المرأة السعودية نتيجة خوضها غمار مختلف مجالات العمل في القطاعين الحكومي والخاص، ودورها الحاسم في مؤسسات المجتمع المدني، وتأهيلها العلمي الرفيع، وطموحها العالي.

ولعلنا أدركنا جدية إرادة الدولة تجاه تمكين المرأة من خلال إعلان خادم الحرمين الشريفين نهاية «التهميش»، في كلمة شهيرة اختصرت كل شيء، أعلنها من تحت قبة المجلس «لا تهميش بعد اليوم».

من جانب آخر، يؤكد الأداء النوعي لعضوات مجلس الشورى كفاءة المرأة، ويعزز الثقة بقدراتها ويقضي على الصورة النمطية السلبية التي يروجها البعض حول المرأة في مواقع صنع القرار. ومع أن الوقت لا يزال مبكرا لكي تكتسب المرأة الخبرة البرلمانية العميقة، فإن البوادر إيجابية إلى حد كبير. فقد دخلت النساء «الشورى» مستشعرات حجم المسؤولية الوطنية والأمان وثقة خادم الحرمين الشريفين، وتطلعات المجتمع برجاله ونسائه من هذه المرحلة. وأدى النجاح الأولي لتجربة النساء في مجلس الشورى إلى ترجيح كفة المؤيدين لهن، رغم علو الأصوات المعارضة في بداية التعيين. ولا شك في أن هذا يمهد الطريق لتجارب جديدة ويفتح الآفاق للمرأة السعودية لخوض غمار مجالات أخرى ويزيد من احتمالات نجاحها في جولات جديدة.

من ناحية أخرى، هناك الكثير من الدروس المستفادة من تجربتنا في «الشورى»، التي يمكن تعميمها والبناء عليها في مواقع أخرى. ومن ذلك، اختيار اللجان وتحديد أولويات العمل، وحشد التأييد والسعي للإقناع والتأثير، ودراسة القضايا والملفات وجمع المعلومات، والتعامل مع الاختلاف والرأي الآخر، والتواصل مع الإعلام المحلي والأجنبي، وتمثيل المملكة في المجالس والبرلمانات العالمية، هذه كلها تمثل رصيدا معرفيا يضيف الكثير لأي تجربة أخرى.

أنا أؤمن بأن كل تجربة وطنية بحاجة للبناء على التجارب السابقة، وخاصة في مجال العمل العام الهادف إلى تحقيق «أجندات» (جداول أعمال) وطنية استراتيجية تُحدث نقلة فارقة على مختلف الأصعدة. ولذا، يعد قرار دخول المرأة مجلس الشورى بعضوية كاملة، وبصوت مؤثر في جميع القرارات التي تتخذ تحت قبة المجلس - من أبرز الخطوات التي مكنت المرأة السعودية ومنحتها قوة التأثير والحضور في المشهد العام.

بطبيعة الحال، فإن نظام مجلس الشورى يساوي بين الأعضاء من النساء والرجال في الحقوق والواجبات ولا يميز بينهم، مما يؤسس لثقافة مهنية تقوم على التكافؤ والتوافق بين الرجل والمرأة في ميدان العمل الوطني في كل المؤسسات والمستويات الوطنية. ويمكن الاستفادة من تجربة مجلس الشورى من هذه الناحية، حيث يوجد تحت قبة المجلس مناخ مهني منضبط بحكم نظامه وقواعد عمله وأعرافه الراسخة، مما يساعد على تمكين الأعضاء، نساء ورجالا، من القيام بعملهم وفق منهج علمي يرتكز على أسس تشريعية ورؤى استراتيجية تتجاوز النظرة والأدوار التقليدية للنساء والرجال.

وفي ظني، فإن التغيير الأبرز الحاصل نتيجة دخول المرأة مجلس الشورى يتمثل في تنامي الوعي المجتمعي بدورها وبأهمية وجودها في الفضاء العام، وبأن الوطن للمرأة وللرجل على حد السواء. ومع تراكم خبرات النساء وألفة وجودهن في المشهد العام، ومع الإدراك المتزايد لدى قيادات المؤسسات الحكومية بدور المرأة في منظومة التشريع والرقابة وصنع القرار - فإن المشاركة المنتظرة للمرأة في المجالس البلدية وغيرها ستكون قد بنيت على أرضية أكثر صلابة وستنطلق من تجربة واقعية وملموسة، مهدت لها جهود مضنية بذلتها المرأة السعودية في جميع المجالات.. ولم تكن عضوية مجلس الشورى إلا تتويجا لهذه المسيرة المستمرة بدأب وثبات يدركه كل منصف.

* عضو في مجلس الشورى السعودي أكاديمية وخبيرة في الإدارة الصحية