هل تتوقع انعكاس مستوى الأداء سلبا أو إيجابا على فرص خوضها مجالات أخرى كالمجالس البلدية؟

لا .. المشكلة تتصل بتغيير أنماط الآلية الوظيفية وأفكار الأهلية الشخصية

TT

لا أظن أن التجربة الشوروية للمرأة السعودية أكملت الطموح المأمول، ذلك أن الإرث السجالي المرتبط بالمرأة السعودية منذ ثلاثين سنة وأزيد لا يزال فعالا من خلال الاعتراض أو الاحتجاج، البدء والإعادة، التبخيس والانتقاص.

قبل أن تدخل المرأة مجلس الشورى كان أمامها عائقان: الأول: عائق سياسي من خلال عدم وجود قرار يتيح لها هذه الشراكة مع الرجل في مجلس كهذا، غير أن الملك العظيم المصلح الكبير عبد الله بن عبد العزيز أزال هذه العقبة، وأزال العائق السياسي ودخلت المرأة فاعلة وشريكة في مجال الشورى، ورغم انبعاث الإرث السجالي من قبل بعض رجال الدين بعد القرار الملكي الكبير فإن تلك الأصوات مضت وتجاوزها الزمن، وأصبحت جزءا من التاريخ الذي يطوى ولا يكاد يروى.

أما العائق الثاني: فهو العائق الاجتماعي والثقافي، برؤت ساحة السياسي من كل ما تطالبه به المرأة، أتاح لها المجالات كافة، غير أن الإرث الثقافي لا يزال كابوسا أمام المرأة، وذلك من خلال النظرة الدونية التي تطاردها من «الصيغة الثقافية العامة»، سواء لدى بعض الرجال، أو لدى بعض النساء اللاتي ينسجمن مع النظرة التقليدية لوظيفة المرأة في المجتمع، مشكلة المرأة سواء في «الشورى» أو على سدة أي وزارة قد تمسك بزمامها أن المجتمع لم يطلق سراحها ثقافيا، إذ لا تزال تطارد بالنظرة التحقيرية، وكلنا رأينا مجموعة «النكات» التي أطلقت ضد عضوات مجلس الشورى. والنكتة بوصفها ثيمة ثقافية وعلامة لها دلالتها فإنها توضح فعليا المسافة بين المرأة الإنسان كامل الأهلية، والمرأة المشلولة وظيفيا بسبب العائق الثقافي التقليدي المحروس من قبل سدنة المجتمع وحراس التقاليد والساهرون على حماية الإرث القديم.

في السعودية، دائما يثبت السياسي أنه أكثر تقدما نحو العصر والمستقبل من المجتمع.

جميع القرارات التي اتخذت فيما يتعلق بالتعليم والمرأة وعملها وتغيير وظيفة المرأة وتفعيلها نحو المسارات القيادية الإدارية والدبلوماسية - كانت بمبادرة سياسية يعقبها احتجاج من قبل من يزعمون أهم حراس الهوية وسدنة الفضيلة.

نتذكر موضوع تطوير تعليم البنات ورسم استقلاليته قبل عقد من الآن، وكذلك عضوية المرأة بمجلس الشورى، ووظائفها القيادية بالوزارات والمراتب الكبرى. وأتمنى أن تستمر هذه المبادرات السياسية الفارقة بصراحة، ولأن القادة بالسعودية لديهم موازنة فإن دخول المرأة جاء في وقته، والعبء على الناس والمجتمع والرجال في المجلس أن تكون مبادراتهم تجاهها وتطوير النظرة لها فارقة بكل المقاييس.

السعودية بلد كبير ومتنوع وضخم، وفّق بقيادة سياسية تنويرية بالأساس، تحافظ على الأسس الدينية والاجتماعية، وتغشى العصر وتحدياته، وتبادر لسباق المجتمعات المتحضرة. والمرأة يجب ألا تكون موضوعا وحيدا لإثبات قوتنا التحديثية، بل لدينا أكثر من مجال نحتاج أن نتوثب لابتدارها، بالتصحيح والتجديد مثل تعليم المرأة وعملها وصورتها والقوانين المتعلقة بها من الأحوال الشخصية إلى قوانين التحرش والحماية من الإيذاء، وصولا إلى الأهلية وتشكّل «الشخصية» للمرأة على النحو الذي يتشكل عليه مفهوم شخصية الرجل ولا تزال، لنصل إلى «الإنسان السعودي» المنتج، من دون فصل حاد وتام بين المرأة والرجل أو تنافس إعلامي أو تنابز وتناف.

ما يتعلق بموضوع دخول المرأة المجالس البلدية ينسجم ضمن الكلام الذي قلته، ليست المشكلة أن تدخل المرأة أو لا، بل القصة في تغيير أنماط الآلية الوظيفية، وأفكار الأهلية الشخصية، وفاعلية تلك المجالس وقدرتها على النمو، ثمة مجالات لم تنجح لا بالرجل ولا بالمرأة وأخشى أن يكون من بينها المجالس البلدية التي لا تقوم بأدوار تذكر أصلا، فلا معنى للحديث عن دخول المرأة فيها أو بقاء الرجل وحيدا على سدتها.

الأكيد أن الملك عبد الله فتح للمرأة كل مجالات الإبداع، والكرة بملعب المجتمع لا السياسي، علينا أن نغير من طرق التفكير ومآزق التحليل، وأن نتجاوز حفر الأنفاق للمرأة، وأن تبدأ هي بنفسها من دون مساعدة أحد برسم آفاقها على كل الصعد والمجالات.

* كاتب وباحث سعودي