الفنان الفرنسي تشيكو.. مؤسس فريق «جبسي كينغز» الموساد اغتال أخاه وهو يغني للسلام

ظنه الإسرائيليون المسؤول الفلسطيني أبو حسن سلامة فقتلوه في النرويج أمام زوجته الحامل

TT

يتصوره الناس غجرياً لأنه يغني مع فرقة موسيقية شهيرة للغجر، لكنه مغربي مولود في فرنسا، واسمه الأصلي جلول بوشيخي، وهو الشقيق الأصغر للعامل المغربي أحمد بوشيخي، الذي اغتاله الإسرائيليون عن طريق الخطأ في النرويج قبل ثلاثين عاماً، متوهمين أنه القائد الفلسطيني علي حسن سلامة. هنا حديث معه أجرته في باريس انعام كجه جي، حيث اعتمدته اليونسكو فناناً للسلام.

* لماذا يتصور الجميع أنك من الغجر؟

ـ ولدت في مدينة آرل، جنوب فرنسا، لأب مغربي وأم جزائرية، وكنا نسكن قريباً من تجمعات الغجر، وكبرت مع أبنائهم، ثم صرت أعزف الموسيقى مع عازفيهم، وتزوجت إحدى بناتهم، وأسسنا الفرقة المعروفة «جبسي كينغز» أي ملوك الغجر. وفي عام 1991 انفصلت عن الفرقة وأسست فرقة «تشيكو اند ذي جبسي».

* من أين جاءك اسم تشيكو؟

ـ الكلمة بالإسبانية تعني الصغير، ولأنني كنت الأصغر بين العازفين، فقد أطلقوا عليّ ذلك الاسم وصار لصيقاً بي حتى اليوم.

* ما هي ذكرياتك عن اغتيال شقيقك؟

ـ أحمد هو أخي الكبير، يكبرني بعشر سنوات، وكان هو الذي أهداني قيثاري الأول عندما تركت الدراسة واتجهت إلى الموسيقى. وكنت في التاسعة عشرة من عمري عندما وقعت الحادثة، وعرفت بالنبأ وأنا مع مجموعة من رفاقي في بلدة سان تروبيه الساحلية. لقد استوقف شرطي سيارتنا وسأل إن كان بيننا مغربي. ولما قلت له أنني المغربي، طلب مني أن اتصل بالأسرة لأن أخي أحمد وقع له حادث. وذهبت على الفور لملاقاة شقيق آخر لي يعمل في البلدة وعدنا إلى آرل، ولم يكن أبونا قد سمع بالخبر. أما أمنا، فكانت في زيارة لأهلها في الجزائر.

* كيف تصرفتم بعد الحادث؟

ـ كان وضعنا مأساوياً، فقد تصورنا في البداية أنه مات قضاء وقدراً، ثم سمعنا في وسائل الإعلام الفرنسية أن أخي كان «إرهابياً» ومطلوباً لأجهزة المخابرات، ثم اكتشفنا أنه اغتيل بالخطأ وأن المقصود كان أحد الزعماء الفلسطينيين. وأرسلنا أحد اخوتي إلى النرويج وعاد لنا بالتفاصيل، وهي أن أحمد كان خارجاً من السينما، مع زوجته النرويجية في مدينة ليليهامر، فتقدمت مجموعة كوماندوز أطلقت عليه النار أمام زوجته الحبلى، آنذاك.

* ما أخبارها؟

ـ لقد أنجبت ابنة سمّتها مليكة، هي اليوم في التاسعة والعشرين، تقيم مع والدتها، ولم تنقطع علاقتنا بها.

* هل صحيح أن أخاك كان يشبه علي حسن سلامة؟

ـ لا أظن ذلك فقد رأيت صورته التي نشرتها الصحف، وعرفت أن المخابرات الإسرائيلية اغتالته في محاولة ثانية. ومن الغريب ان الموساد ذا الشهرة الذائعة ارتكب ذلك الخطأ الذي لا يقع فيه حتى المبتدئون.

* كيف جرت تسميتك سفيراً للسلام بين سفراء اليونسكو؟

ـ بالصدفة، فقد اتصلوا بي من اليونسكو لكي أشارك في حفل غنائي أقيم في اوسلو بمناسبة الذكرى الأولى لتوقيع اتفاقية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ولم يكن أحد يعرف انني شقيق أحمد بوشيخي، بل ان الإسرائيليين دققوا في أسماء الفنانين المشاركين ولم يفطنوا إلى تطابق لقبي مع لقب ضحيتهم السابقة. وهذا خطأ آخر يضاف إلى الخطأ الأول، فقد صعد إلى المسرح، بعد الغناء، شيمعون بيريس وأبو عمار وصافحتهما، وأخذت لنا صورة معاً. ولما شاهد المسؤولون في اليونسكو تلك الصورة قالوا لي إنها لقطة تاريخية وذات معنى عميق. وهنا صارحتهم بأن مغزى الصورة أعمق مما يتصورون، لأنني شقيق إنسان بريء قتله رجال الموساد ويتّموا ابنته من قبل أن تولد. ثم سمع مدير عام اليونسكو، آنذاك، فيدريكو مايور بالحكاية، واعتبر ان تسامحي يؤهلني لأن أكون سفيراً للسلام بين الشخصيات الشهيرة التي تعتمدها هذه المنظمة الدولية.

* كيف استطعت ان تغفر لقتلة أخيك؟

ـ غفرت عندما رأيت عرفات وبيريس معاً، كانا يشكلان مثالاً يستحق التقدير لنسيان خلافات الماضي والعمل من أجل المستقبل.

ورغم المأساة الحاصلة حالياً في الأراضي المحتلة، فإنني ما زلت أؤمن أن الطرفين محكومان بالعيش معا، وان السلام قدر لا مفر منه، ومهمتي كفنان هي الترويج له. وأنا لا أقول هذا من موقع المتفرج، فقد أصابتني المأساة أيضاً ومن حقي أن أبدي رأيي في قضية أخذت مني شقيق الأكبر.

* هل حصلت زوجة أخيك على تعويض من جهة ما؟

ـ حاولت أن تحصل على تعويض لابنتها، وطوال 25 عاما، لم تتوصل إلى نتيجة، إلى أن جاءت صحافية نرويجية لإجراء مقابلة معي، قبل خمس سنوات، باعتباري شقيق أحمد بوشيخي، وفوجئت بأنني مغن معروف، وأطلعتها على صورتي مع بيريس وعرفات، فنشرت مقالاً أعاد القصة إلى الواجهة، ذكرت فيه أن ابنة القتيل لم تحصل على أي تعويض، فاضطر الإسرائيليون الى الدفع مقابل ان توقع لهم على تعهد بألا تتحدث إلى الصحافة أبداً. أما أنا فلم أوقع على شيء ومن حقي أن أروي القصة.

* هل لك علاقة بالفلسطينيين؟

ـ دعيت للغناء في مهرجان رام الله قبل خمس سنوات وتعرفت على فلسطين وعلى الفلسطينيين، ثم دعيت ثانية للغناء في مهرجان للسلام أقيم قرب حيفا، بعد أسبوع من احداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، ولهذا اعتذر الفنانون الأميركيون وغيرهم عن الحضور، وغنيت يومها أمام 20 ألف متفرج. وبعد الحفل فوجئت بشاب يأتي للسلام عليّ، وقال ان والدته كانت ضمن فريق الاغتيال الذي أطلق النار على أخي، وأنه جاء ليعتذر مني لأنه يعيش مع هذا العار منذ ثلاثين عاماً.

* ماذا حدث في ليليهامر؟

* في بداية يوليو (تموز) 1973، اجتمع معظم اعضاء الفريق الهجومي، بتخويل من رئيسة الوزراء جولدا مائير، في مدينة ليليهامر الصغيرة الواقعة شمال النرويج، وكانوا قد اتوا من أماكن مختلفة في أوروبا لتصفية الحساب مع «الأمير الأحمر»، وهو الاسم الرمزي الذي أعطته «الموساد» لعلي حسن سلامة.

كان سلامة ضابط عمليات منظمة «أيلول الأسود» في أوروبا، وقد خطط للاعتداء على الرياضيين الإسرائيليين في ميونيخ، غير أنه كان رجلاً يصعب القبض عليه. وبعد شهور من البحث عنه توجه القناصون إلى النرويج بحماس بالغ، فقد كان عملاء في رحلة استطلاعية سابقة متأكدين من انهم عثروا على سلامة أخيراً. وحدد الفريق موقع الفريسة في ليليهامر، وتعقبوه لساعات عديدة للتأكد من أنه «الأمير الأحمر»، ثم أطلقوا الرصاص عليه ليردوه قتيلاً في الحادي والعشرين من يوليو (تموز). وهرب القتلة انفسهم من البلاد بسرعة، بينما توجه بقية الإسرائيليين إلى بيوت آمنة في أوسلو.

في اليوم التالي، فقط، اكتشف العملاء الإسرائيليون أنهم ارتكبوا غلطة شنيعة، إذ قتلوا الرجل الخطأ، وهو نادل مغربي يدعى أحمد بوشيخي كان متزوجاً من نرويجية، وهي امرأة حامل شهدت عملية القتل.

يوسي ميلمان من كتاب «أمراء الموساد»