مروان حمادة: كسرت التقليد العائلي كوني أرسلانيا بولاء جنبلاطي

النائب والوزير اللبناني قال لـ«الشرق الأوسط» إن الصحافي في داخله خدم السياسي ولم يعمل قط على تجيير الصحافة لغرض سياسي

TT

* يعتبر النائب والوزير مروان حمادة من السياسيين المخضرمين على الساحة اللبنانية، او بالأحرى من الثوابت السياسية الدرزية. ولا تنحصر اهمية حمادة كونه تولى العديد من الحقائب الوزارية، منها الاقتصاد والسياحة والصحة فحقيبة المهجرين في الحكومة الحالية، بل نظراً لتعمقه في ميادين السياسة والفكر والنشاطات العالمية التي يشارك فيها كعضويته في لجنة الاخلاقيات الطبية في اليونسكو. رحلته من الصحافة الى السياسة اعطته الكثير من الملكات التي خوّلته النجاح في هذا المعترك، لا سيما ان القواسم المشتركة بين هاتين المهنتين كثيرة. ريما نزيه صيداني حاورته في مكتبه في الوزارة وخرجت بهذا اللقاء.

عُرف مروان حمادة بقربه من الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، وبدبلوماسيته التي لا تحول دون مواقفه السياسية الحازمة، وبشخصيته المميزة وسعة اطلاعه وإلمامه بكافة الملفات الساخنة للشرق الأوسط. في ظل الاوضاع العربية والعالمية المشحونة والمستقبل المعتم الذي ينتظر العالم العربي تحدث حمادة باسهاب عن الوضع الذي وصلت اليه المنطقة، مروراً بالشأن المحلي لا سيما التجاذبات التي تشهدها الساحة اللبنانية منذ فترة، بالاضافة الى مسيرته السياسية الطويلة التي شهدت مختلف المحطات منذ بداية الحرب الأهلية لغاية اليوم.

* في ظل الوضع الاقليمي الصعب.. هل هناك بصيص من أمل يدعو للتفاؤل؟

ـ في المرحلة الحالية لا ارى آفاقاً سوى الصدام مع اسرائيل. قد يأخذ هذا الصدام شكل الحرب، كما من الممكن ان يأخذ شكل الحرب التحريرية الشعبية مع تدفق محررين من اكثر من جهة وعبر اكثر من حدود. وقد يأخذ الصدام شكل حسابات عربية لصالح قوى الرفض في مواجهة القوى التي راهنت على السلام، ودفنت جهودها تحت انقاض جنين ونابلس. هذه الأوضاع تذكرني بربيع 1967 أو بخريف 1973 او حتى ما قرأناه وسمعناه عن اجواء .1948 انها فعلاً الحرب العربية الاسرائيلية الخامسة، بدأت وهي مرشحة للتعمق لتشمل كافة القوى والطاقات الشعبية والتوسع لكي تأخذ مساحة العالم العربي. في هذا الظرف وعلى ضوء كل المحادثات التي تابعناها اتوقع صيفاً وخريفاً ساخناً في المنطقة. من هنا يتوجب على المجتمع العربي ككل والمجتمعات العربية القطرية ـ كل على حدة ـ ان تبحث عن انسجام داخلي وتغليب المنطق القومي على المنافسات والمنازعات الداخلية. ولبنان ـ طبعاً ـ ليس استثناء لهذه القاعدة، انما البلد الذي يحتاج اكثر من غيره الى تحصين جبهته الداخلية. من مزايا لبنان وما يمنع مجتمعه من الانفجار، تحت الضغط النفسي والسياسي والاقتصادي والعسكري، هو مناخ الحرية الذي يسوده. والحرية هي المتنفس الحقيقي في المجتمعات وهي التي تربي روح المقاومة، وليس من الصدف ان تكون المجتمعات الاكثر التصاقاً وترجمة لمبادئ الحرية هي التي تنتج أشرس المقاومات في وجه العدو. الانسجام وتوحيد المواقف مطلوبان على مستويين، على المستوى العربي ككل لكي تخرج الدول التي لا تزال تهادن اسرائيل من صمتها او سكوتها او لامبالاتها الى موقف اكثر ديناميكية بدءاً بقطع كل انواع العلاقة مع الدولة الصهيونية، وأن تنتقل الدول الاخرى التي تدعي الصمود والمواجهة من الصمود والمواجهة الكلاميين الى المساعدة الفعلية للشعب الفلسطيني.

* في ظل الاضطرابات التي تجري على «الخط الازرق».. الى اي مدى ترى ان وضع لبنان الامني مهدد.. ام ان ضربة للبنان غير واردة حالياً لما تنتجه من مضاعفات؟

ـ لبنان وسورية مهددان في كل لحظة، ليس بفعل عملية من هنا او من هناك، سواء في شبعا او في «الخط الازرق»، انما بسبب رفضهما لنوعية الحلول التي فرضت على مصر والاردن، وفي مرحلة معينة، على السلطة الفلسطينية. ان الحلول التي تحمل انتقاصاً من استعادة كامل الأرض وكامل الحقوق وكامل المياه وكامل العودة، بقيت مرفوضة لبنانياً وسورياً. وهذا ما يجعل لبنان وسورية في موقع الاستهداف المستمر من قبل اسرائيل. إذن لو كانت المعادلة الاستراتيجية تتيح لشارون ان يوسع الجبهة الى الشمال لكان فعل. لكن ظروف المواجهة في الضفة الغربية وعملية محاصرة قطاع غزة والخوف من انهيار المعاهدات مع مصر والاردن وكذلك الحذر من قدرة المقاومة اللبنانية، بالاضافة الى قدرات سورية ولبنان على تواضع امكانياتهما، هذه الاسباب هي التي ردعت شارون عن توجيه ضربة. لكن هذه الضربة لا تزال متوقعة بحال ارتاح شارون في مواقعه الاخرى او اذا استمر في تجييش الاميركيين على استهداف «حزب الله» كمنظمة يدعون انها ارهابية. وهذا ما اشعرنا به كولن باول سواء في بيروت او دمشق، دون ان يحمل انذاراً صريحاً. ولكن بشكل تقييم اميركي للاوضاع. في نظري ان انغلاق آمال الحل وإسقاط كل المبادرات من اجل تسوية في فلسطين كل ذلك يدفع الامور نحو مواجهة قد تأتي في الصيف او في الربيع.

* يقال اليوم ان الجديد الذي قدمته قمة بيروت تجلى في ان العرب اصبحوا اكثر صدقاً مع انفسهم.. فما الذي لمسته انت؟

ـ فعلاً، بعد الهفوات والعثرات التي حصلت في الساعات الاولى، شعرت ان هناك ادراكاً عربياً لمسألتين جوهريتين: الاولى، ضرورة الاطلالة على العالم بمبادرة عربية جماعية تظهر العرب طلاب سلام ورافضي استسلام. وهذا حملهم على الأخذ بمبادرة الامير عبد الله وتطوير بعض بنودها لتصبح جامعة بمقوماتها وجامعة بدعم كل الدول العربية لها. هذه الاطلالة تستهدف مسح التشويه الذي يتعرض له الانسان العربي والاسلامي منذ احداث الحادي عشر من سبتمبر (ايلول)، كما استهدفت طرح قاعدة للحل السلمي، تبين مما سمعناه من باول بعد محادثاته في بيروت، انها تصلح اطاراً لمؤتمر دولي او لحل شامل لمشاكل المنطقة، مع اننا قلنا له ان المؤتمر الدولي بمثابة اضاعة للوقت، اما ان تقبل اسرائيل بهذه المبادرة المبنية على قرارات الأمم المتحدة، اما ان تذهب الامور الى نهاياتها المأساوية.

المسألة الثانية: كانت في تصفية الأجواء العربية. وليس قليلاً ابداً ان يتوصل العراق والسعودية والكويت الى ما توصلوا اليه خلال القمة.

* هل ترى ان ما حصل مع الوزير غازي العريضي ابان مؤتمر القمة العربية كان استهدافاً لشخص وليد جنبلاط؟

ـ حتى لو لم يكن كذلك فهو اعتداء على صلاحيات وزير، تلك الصلاحيات التي عززها اتفاق الطائف وحصنها واصر على ان يكون الوزير فعلاً رئيس ادارته ومسؤولاً عن كافة شؤونها. طالما الأمر يتعلق بالاعلام فهو مناط بوزير الاعلام وليس بغيره. وما نشهده انه لا الرئاسة ولا مجلس الوزراء يعطي وزير الاعلام الدور العائد له دستورياً. وهذا الامر لا يجوز ان يستمر.

* يقال اليوم ان هناك تغييراً في البيئة الدرزية يتجلى في التحول اللافت نحو الجنبلاطية.. ما رأيك؟

ـ اوضاعنا متشابهة، فسواء الوزير غازي العريضي او انا او النائب اكرم شهيب، نتحدر من عائلات موصوفة ارسلانية او بالاحرى يزبكية، بينما مواقفنا ونضالنا على مدى عقود تشكل خرقاً لهذا التقليد. فمن اللافت ان يكون معظم النواب الدروز في «جبهة النضال الوطني» او «اللقاء الديمقراطي» (التابعان لوليد جنبلاط) من اليزبكيين. وهذا يعني ان لا اليزبكيون يعتبرون انفسهم هكذا ولا وليد جنبلاط يرى فاصلاً او حدوداً بين العائلات الدرزية. وهذا الأمر طوى نهائياً صفحة فولكلورية من التاريخ الدرزي، لا ندم ولا اسف عليها.

* بعد كل سنوات العشرة والتعامل مع وليد جنبلاط، ما الذي اخذته منه.. وكيف تصفه؟

ـ اولاً، الاطمئنان الى ان هناك قيادة فذة وجريئة وفي نفس الوقت حكيمة. من يعتقد ان وليد جنبلاط مغامر فهو مخطئ. وليد جنبلاط مبادر ومفاجئ واستراتيجي في الرؤية وتكتيكي في الحرب. ما تعلمناه منه انه عندما تحتاج الامور الى قرارات قاطعة وصلبة.. فهو موجود. ما يشعر بها الوزير او النائب المنتمي الى كتلة انه يتمتع بحصانة معينة وقوة جماهيرية وراءه. وهذا لا يتجلى فقط في الارقام الانتخابية وفي النجاحات في عاليه والشوف وبعلبك لكن ايضاً في تلبية الجماهير لاي نداء يطلقه وليد جنبلاط. فهو محلل ولكن يستمع ايضاً الى التحليل، كما هو مقرر وبالمقابل يصغي الى النصائح التي تسدى اليه عند اتخاذه اي قرار. هذا هو وليد جنبلاط، وانا عرفته قبل اغتيال والده ويتسلم هو زمام القيادة في الحزب التقدمي الاشتراكي والحركة الوطنية ـ آنذاك ـ الى جانب مختلف شؤون الطائفة الدرزية طبعاً. والشيء اللافت في وليد جنبلاط انه فعلاً ابن كمال جنبلاط وحفيد شكيب ارسلان، يجمع بين عروبة وشعور بالانتماء الى المجتمع الاسلامي والالتزام بهما، مع تمسك بالخصوصية اللبنانية لجهة الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحق كل شريحة لبنانية في التعبير عن آرائها.

* اين تتشابهان واين تختلفان؟

ـ لا نتشابه او نختلف انما اقول اننا متكاملان. احياناً يقال انني اضيف الى وليد جرعة من الدبلوماسية يحتاج اليها، كما هو يعطينا من الصلابة ما يغطينا ويحمينا.

* ألم تمل السياسة بعد كل هذه السنوات؟

ـ السياسة عشتها في البيت من خلال والد دبلوماسي. عشتها في المدرسة من خلال انتمائي الى كل الحركات الطلابية في تلك المراحل ولا سيما المرحلة الناصرية.

* تُعتَبَر اليوم سياسيا مخضرما، اي لا يمكن ان نرى وزارة بلا مروان حمادة.. فهل اصبحت من الثوابت السياسية؟

ـ لا بتاتاً، ليس عرفا ان اكون في كل وزارة، كنت في وزارات وفي اخرى لا. الثوابت السياسية هي وجود كتلتنا وجبهتنا السياسية في البرلمان وفي الحكومات اذا كانت برامج هذه الحكومات تلتقي مع اهدافنا. لكن احلى ايامنا هي ايام المعارضة وليس ايام الحكم.

* نلاحظ منذ مدة ان وزارتي الصحة والمهجرين حكر على الدروز.. ما السبب؟

ـ لان بعض الطوائف لا تعطى وزارات سياسية بل وزارات خدمات، وبالتالي فان هاتين الوزارتين من اكبر وزارات الخدمات بموازناتها وصلاحياتها. (ضاحكاً) فتعويضاً عن عدم إعطائنا وزارات سيادية نعطى وزارات خدماتية.

* اي ان الأمر فيه غبن نوعاً ما؟

ـ لا ليس فيها غبن. الواحد يجب ان يخدم في اي موقع يوجد فيه. وانا اعتز بخدمتي في وزارة الصحة بالأمس وفي وزارة المهجرين اليوم.

* دخلت في حكومات عديدة برئاسة رؤساء عديدين، مع من ارتحت اكثر في التعامل؟

ـ بالتأكيد مع الرئيس رفيق الحريري، لكن هذا لا ينفي انني عملت بكل اعتزاز وفخر مع الرئيس عمر كرامي، وبكلّ روح مرحة مع الرئيس رشيد الصلح. وطبعاً عبرنا مرحلة الاجتياح الاسرائيلي للبنان حيث كنت وزيراً بين عامي 1980 و.1982

* بين السياسة والصحافة علاقة وطيدة جداً، لانه لولا الصحافة لما وصلت الى السياسة، ولولا السياسة لما ظهرت الصحافة. لديك خبرة واسعة في المجال الصحافي.. لكن السياسي طغى على الصحافي فيك اليوم..

ـ صحيح السياسة طغت اليوم على الجانب الصحافي لكنها لم تلغه. ويبقى الجانب الصحافي داعماً للجانب السياسي. ارى ان معظم ثقافتي السياسية نابعة من الصحافة.

* من خدمت الاخرى اكثر؟

ـ الصحافة خدمت السياسة. وبالمقابل لم ارد ولم اعمل على تجيير السياسي لاي غرض صحافي. وبالتالي عندما تسلمت مسؤوليات سياسية استقلت من مسؤولياتي الصحافية في النهار وفيLorientLeJour اليوم انا عضو فقط في مجلس ادارة الشركة التي تصدرها.

* هل من حقيبة وزارية تتمناها ولم تتولها بعد؟

ـ مثلما سبق وذكرت، في كل الحقائب ادوار دقيقة وما لا اكمله في حقيبتي اضيفه الى عملي ونشاطاتي الاخرى كعضويتي في لجنة الاخلاقيات الطبية في اليونسكو، وانا العضو الوحيد من الشرق الاوسط الى جانب زميل سعودي فقط بالاضافة الى كوني مستشارا اقليميا لمنظمة الصحة العالمية في الشرق الاوسط وافريقيا، فضلاً عن انني استاذ في الجامعة اليسوعية وايضاً عضو في مجلس ادارة العديد من المصارف والشركات الصناعية. احقق طموحاتي من خلال مختلف الميادين، وما يعطي هذه الامكانية في التنوّع هو ـ في نظري ـ القاعدة الصحافية التي انطلقت منها. الصحافة تعطي الصحافي الذي يعتنقها فعلاً انفتاحاً على كل الميادين ويلم بمختلف النشاطات وقدرة على قيادة اية دفة شاءت الظروف ان يتولى زمامها.

* هل سعيت ان تبعد نجلك الوحيد كريم عن السياسة، ام هو لم يبد ميولاً لهذا المجال؟

ـ لا ارى ان في السياسة ارثاً او من الممكن ان تبقى موضوعاً عائلياً. اذا استحق كريم واحبّ ان ينطلق في السياسة فهذا شأنه ولن امنعه. لكن قبل ذلك يجب ان يركّز قاعدته الاقتصادية ويهتم بعائلته، لاننا لسنا اصحاب ثروة وبالتالي لا بد ان يؤمن استقلاله المالي ومن ثم ينطلق في السياسة اذا احب.

* ارتباط اللبنانيين بفرنسا وثيق.. بالنسبة لك الارتباط اوثق كون الوالدة فرنسية.. هل لباريس معزّة خاصة لديك؟

ـ لا ابداً. رفضت الجنسية الفرنسية عند سن الواحدة والعشرين، وهي حق قانوني كون امي فرنسية، في الوقت الذي كان كثير من اللبنانيين يتهافتون عليها. السبب كان حرب الجزائر ـ آنذاك ـ ولم اقبل ابدا بها. فرنسا التي احبّها هي فرنسا ديغول، فرنسا ثورة 1789، فرنسا الدفاع عن الحريات الديمقراطية، وطبعاً كنت ارفض دائما فرنسا الاستعمارية والمنحازة، مثلما كانت عليه عام .1956 لباريس معزّة خاصة لكن ليس اكثر من مدن غربية اخرى احبها.

=