معايير جديدة لقبول الطلاب في الجامعات تسنها وزارة التعليم العالي السعودية

TT

تسعى دوائر التعليم في السعودية إلى أن تكون خريطة التعليم والتعليم العالي واضحة المعالم أمام القائمين بأمره، وتلك رحلة بدأت منذ بدايات التعليم الحديث في البلاد. ولا شك مر التجريب السعودي بمحطات عديدة خرج منها دائما بحصيلة هيأته لولوج مفاهيم ومضامين ينطلق منها للاهتمام بمراكز القياس والتقويم، تلك التي أثبتت في كثير من بلدان العالم ضرورتها الملحة والمتواصلة. من جدة كتب موفق النويصر ليحيط بضرورة توفر المعلومات الموضوعية لدى المؤسسات التربوية العليا من كليات ومعاهد وجامعات في السعودية، خاصة في جهة قبول واستيعاب الناجحين بعد الثانوية، ويعرض أيضا ما حدث من تجدد في مفاهيم القياس والتقويم.

غالباً ما تنكب مراكز القياس والتقويم على تزويد المؤسسات والأفراد الراغبين في القياسات التربوية بطرق علمية موضوعية، لمزيد من الإنصاف في قبول الطلبة للدراسة فوق الثانوية، وتصنيفهم في البرامج المختلفة بحسب أهليتهم، ومتابعة البحث العلمي لتحسين وسائل القياس وأدواته، ولدراسة صدق هذه الاختبارات ومعاييرها. وحيث أن التوجه العالمي يسير نحو إنشاء مراكز وطنية متفرغة لهذه المهمة، يضطلع بمسؤولياتها خبراء وأساتذة في العلوم المختلفة، يساندهم فريق من علماء القياس والتقويم الذين يجمعون بين العلوم الإنسانية، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، والرياضيات، وعلوم الإحصاء التحليلي، فقد صدرت موافقة مجلس الوزراء السعودي في العام 2000 على إنشاء المركز الوطني للقياس والتقويم في التعليم العالي.

وكخطوة أولى لهذا البرنام%yةںدأ بالسبت الماضي في ثلاث عشرة مدينة سعودية تنفيذ برنامج اختبارات القدرات العامة، عبر ثلاث جامعات حكومية وأخرى أهلية، حيث حددت شروط دخول الاختبار في حصول المتقدم على الثانوية العامة لأي من تخصصاتها أو ما يعادلها، مع ضرورة اصطحاب صورة من كشف الدرجات، وإحضار أصل بطاقة الأحوال المدنية للسعوديين، وجواز السفر وصورة الإقامة لغير المواطنين، مع تسديد الرسم المالي المقرر لدخول الاختبار والمحدد بمائة ريال للطالب. وفي هذا الشأن أوضح الدكتور فيصل المشاري المدير العام للمركز، أن هذا الاختبار الذي يركز على القدرات العامة يتضمن قسمين، أحدهما لغوي يرتكز على التحليل والتفكير اللغوي، والآخر كمي رياضي يرتكز على التحليل الرياضي، وقد روعي فيه تخصصات الطلاب المتقدمين للامتحان بشقيه العلمي والأدبي. مفيدا، أن الامتحان سيكون موحداً في جميع المراكز، على أن يستمر لمدة أسبوعين حسب جدول مفصل بهذا الغرض. وأكد المشاري، أن جامعات أم القرى، والملك فهد للبترول والمعادن، والملك فيصل، وكليات الأمير سلطان الأهلية في الرياض، والباحة الأهلية للعلوم، والاتصالات والمعلومات، هي المعنية بتنفيذ هذا البرنامج في مرحلته الأولى، على أن يبدأ تطبيقه في كافة الجامعات السعودية الحكومية الثمانية في العام الدراسي بعد المقبل، حيث ستشترط هذه الجامعات على الطلاب المتقدمين لها ضرورة اجتياز هذا الاختبار، إضافة إلى معيار الثانوية العامة المعمول به حاليا في الجامعات، بحيث يتم الدمج بين النسبة التي حصل عليها الطالب في شهادة الثانوية العامة والنسبة التي حصل عليها في اختبار المركز، وعلى ضوء ذلك يتم قبوله من عدمه. وبين المشاري أن النتيجة التي سيحصل عليها الطالب بعد نهاية الامتحان سوف تكون فيها درجة ونسبة مئوية ستساعده في الالتحاق بالجامعة التي ستأخذ بعين الاعتبار هذه الدرجة، حيث ستجعل هذه الجامعات نتيجة اختبار المركز احد المعايير المهمة للقبول فيها. مشيراً إلى أن الطالب عقب قبوله بالجامعة سيتم توجيهه إلى التخصص الذي يتناسب مع قدراته، والتي أوضحتها نتيجته في الثانوية العامة واختبارات المركز، والمؤشرات التي دلت على قدراته الذهنية ومهاراته الشخصية في التحصيل والتعلم.

* اختبارات مساعدة

* وأبان المشاري أن هذه الاختبارات ستساعد الطلاب في تكملة تعليمهم العالي بمستوى جيد، وتزيد من فرص نجاحهم، وعدم تعثرهم دراسيا، مشيراً إلى أن المركز استفاد كثيراً من تجربة جامعة الملك فهد للبترول والمعادن الناجحة في هذا النوع من الاختبارات، التي تطبق في دول كثيرة من العالم المتقدم، وأن المركز يسعى إلى أن تعود الفائدة على الجامعات السعودية، ومسيرة التعليم العالي في البلاد، وكذا على مستوى التعليم بشكل عام. وأكد أن هذه الاختبارات سوف تقدم للطلاب ميزة إضافية تساعد من لم يتمكن من تحصيل درجة عالية في شهادة الثانوية العامة للدخول إلى الجامعة، وذلك بشفاعة درجاته في اختبار القدرات، التي ربما كان تحصيله فيها عالياً يعطيه فرصة كبيرة لتحسين أوضاعه. ونوه إلى أنه سيتم الإعلان عن نتائج اختبار القدرات من خلال موقع المركز على الانترنت (http://www.pqiyas.org .pqiyas) ، أو عن طريق الاستفسار الهاتفي، وعن طريق تسلم الإشعار الذي سيرسل للجامعة التي يختارها الطالب.

وشدد الدكتور المشاري على أن رسالة المركز تتمثل في تحقيق العدالة وتساوي الفرص في التعليم العالي بناء على أسس علمية صحيحة، والمساهمة في رفع مستوى كفاءة مؤسساته، وذلك من خلال أهداف محددة ومعروفة سلفاً، وهي: القيام بدور ريادي في تطوير وسائل القياس التربوي في جميع مستويات التعليم العام، والمساهمة الفعالة في رفع مستوى الأداء والكفاءة في التعليم العام من خلال قياس المؤشرات التربوية والتحصيلية، وإعداد اختبارات القبول لمؤسسات التعليم العام، إضافة إلى تقديم الخدمات الاستشارية لمراكز القياس بمؤسسات التعليم المختلفة، ومتابعة البحث العلمي، وإجراء الدراسات والبحوث المتخصصة في مجال القياس التربوي.

* الأهلية والاستعداد أساس الانتقاء

* وبين أن من المسوغات الأساسية لاختبارات القياس، زيادة أعداد الراغبين في الالتحاق بالجامعات المحدودة السعة، وضرورة انتقائهم حسب الأهلية والاستعداد، وارتفاع نسب التسرب التي تعاني منها الجامعات السعودية، وكذلك ارتفاع نسب الرسوب في المقررات الدراسية بين الطلاب، والتأخر نتيجة لذلك عن التخرج في الوقت المحدد، وتدني نسبة الكفاءة التعليمية في بعض الجامعات، وبروز ظاهرة التحول بين التخصصات وبين الجامعات التي يدرس فيها الطلاب، مما يزيد من مدة بقائهم في الجامعة، ومما يؤدي إلى نقص الكفاءة التعليمية بشكل عام. واستطرد الدكتور المشاري، ان الأمل يحدوهم في المركز بان تساهم اختبارات القياس الموحدة في معالجة هذه الجوانب السلبية، حيث أثبتت بعض التجارب أن هذه الاختبارات يمكن ان تتوقع بدرجة معقولة مدى استمرار الطالب في دراساته الجامعية ومعدله في السنة الأولى وعند التخرج، ومدى تمكنه من التخرج في الوقت المحدد، ومدى نجاحه في حياته العملية، وحصوله على الوظيفة المناسبة، منوهاً بأهمية وجود فرص كافية للقبول في مؤسسات التعليم العالي المختلفة التي تسعى وزارة التعليم العالي مع غيرها من الجهات المسؤولة إلى توفيرها، غير انه لا بد من توضيح أهمية اختبار القياس، فمع افتراض وجود الفرصة الكافية لا بد من وجود الأداة العادلة والمناسبة التي تعطي الجامعة والطالب أو ولي الأمر شيئاً من الثقة في مناسبة الطالب لهذا التخصص المقدم عليه، وأهليته للاستمرار فيه والتخرج منه، إذ لا يمكن ترك ذلك لمجرد الرغبة الشخصية غير المرشدة، وبخاصة مع وجود المنافسة القوية على بعض التخصصات، مما يتطلب وضع الطالب المناسب في المكان المناسب، وإتاحة الفرصة أمام الأكفاء، وتحديده لا يحصل بالنظر في درجة الثانوية العامة فقط، فيما هو احد المعايير الضرورية وليست المعيار الوحيد. والمهم في ما يقوم به المركز ـ والحديث للمشاري ـ هو صدق هذه الاختبارات في تحقيق الهدف المطلوب منها، إذ يجب ألا تستخدم كعقبة أمام المؤهلين للقبول في تخصص ما، بل يجب أن تساهم في فتح المجال أمامهم لدخول هذا التخصص، وان لم يسعفهم الحظ في اختبار الثانوية العامة.

وذكر المشاري أن توحيد اختبارات القياس على المستوى الوطني، تفيد في انتظام الاختبارات في مادتها وأسلوبها وأهدافها وبعدها عن الارتجالية والاجتهادات الخاطئة والمساهمة في توحيد معايير القبول في الجامعات المختلفة وتسهيل التقدم للجامعات، إضافة إلى إزالة أعباء اختبارات القبول وتكاليفها التي تقدمها كل جامعة على حدة، وزيادة الموضوعية وضمان عدالة اختيار الطلبة في الجامعات المختلفة والعمل على بناء اختبارات القياس على أسس علمية متعارف عليها عالمياً واستخدام وسائل اختيار قادرة على توقع نجاح الطالب في الجامعة، وأخيرا الانعكاس الايجابي على مسيرة التعليم العام باستثارة التعليم الموجه للقدرات العقلية المرغوبة والتخفيف من الجوانب المرتبطة بالتلقين.

* مبررات إنشاء المركز

* أشارت بعض الدراسات إلى أن قرارات القبول في معظم مؤسسات التعليم العالي السعودية، ما تزال تتخذ دون معرفة بمدى نجاح الطلاب في الاختصاصات التي يرشدون إلى اختيارها في الجامعات والكليات الأخرى، فبعض الجامعات يكتفي بدرجة التحصيل في السنة النهائية من الثانوية العامة، وبعضها يطبق اختبارات قبول قد لا تنطبق عليها معايير القياس العلمية.

ولا شك أن درجة تحصيل الطالب في الثانوية العامة شرط ضروري للقبول في الجامعات لا غنى عنه، غير أن المعايير المدرسية وحدها لا تفي بشروط الاصطفاء العادل، لوجود التفاوت الكبير في الدرجات التي تكون بيد المدرسة، ولكون الدرجات التي يحصل عليها الطالب لا تفصل في نتائجها بين ما يعود منها للمقدرة وما يعود للاجتهاد والمثابرة، وهناك فئة من الطلاب في الثانوية العامة من أصحاب الاستعداد الذين لا يشدهم التعليم في تلك المرحلة من نموهم، فلا تعكس الدرجات المدرسية مستوى قدراتهم، وقد يستبعدون عن التعليم الجامعي من غير حق، في حين أنهم قد يتمتعون بقدرات متفوقة، تؤهلهم لدخول الجامعة لمصلحتهم الخاصة، وللإفادة من مواهبهم على مستوى الوطن مستقبلاً. ولمثل هؤلاء، يكون اختبار الأهلية للتعليم العالي وسيلة مناسبة لاكتشافهم، وإعطائهم فرصة أخرى للنجاح على مقدار قدراتهم، غير أن الشرط المطلوب لضمان نموهم السليم وتثمير قدراتهم هو أن يوجهوا نحو الاختصاص المناسب في ضوء ميولهم وحاجات البلاد الاقتصادية والاجتماعية، وأن تعد لهم، بعد قبولهم في الجامعة، برامج خاصة للتأهيل الأكاديمي لسد الثغرات في معارفهم ومهاراتهم، كما أن هناك مجالاً آخر يصب في مصلحة التعليم العالي وهو تصميم وتطوير أدوات لقياس الميول، يسترشد بها الطالب في التأمل بحقيقة ميوله، في ضوء ما تتطلبه الاختصاصات التي تستهويه من قدرات ومعارف، فلا يعود اختيار الاختصاص رهناً بهوى عابر، أو بضغوط اجتماعية معينة.

=