حسين الشافعي لـ«الشرق الأوسط»: قدت سلاح المدرعات ليلة قيام الثورة كرأس حربة

روح يوليو باقية ولمستها في أبطال الانتفاضة وجنوب لبنان * منصب الرئيس لم يكن تطلعي وإنما ترسيخ مبادئ الثورة هو الأهم

TT

من بين رجال ثورة يوليو يبقى حسين الشافعي (84 عاما) من أشد المؤمنين بأن الثورة غيرت وجه مصر، وانها كانت العمل الأهم في التاريخ العربي الحديث. وفي الوقت الذي يتشدد فيه الشافعي في الاشادة بعبد الناصر تجده يتطرف في التقليل من شأن السادات، بل يعاديه ويتهمه بخيانة أهداف الثورة، من هنا جاءت شهادة الشافعي عن الثورة بمناسبة مرور 50 عاما على قيامها متأرجحة بين إلباس الثوب الأبيض الناصع لحقبة عبد الناصر، والتعامل مع ما بعدها بأنه قاتم شديد السواد.

وبعيدا عن عبد الناصر والسادات تحدث الشافعي عن رفاق الكفاح من الضباط الاحرار وعما تبقى من الثورة حتى يومنا هذا، مؤكدا ان روح الثورة لا تزال مشتعلة ويستكملها أبطال الانتفاضة والكفاح في الجنوب اللبناني.

* ماذا يدور في ذهن حسين الشافعي مع الاحتفال بــ50 عاما على بداية الثورة، وما هي شهادتك على ثورة يوليو بعد كل هذه السنوات؟

ـ اشعر ان ثورة يوليو بعد مرور 50 عاما على قيامها قامت بأهم حدث في العالم العربي وهو تحريك واقع المنطقة العربية، وتحويلها من حالة السكون الى حالة الحركة، فعملية التحريك هي الاصعب والاهم لأن معناها الحياة، وبالطبع واجهت الثورة بعد قيامها ردود فعل غاضبة من بعض القوى التي اضيرت من قيامها، فبدأت المؤامرات تحاك ضدها وبدأ عمل مضاد من الداخل والخارج يستهدف القضاء عليها، ولكن ونجحت الثورة في مواجهة كل التحديات ونجحت في الامتداد للخارج بما جعلها حية ومستمرة حتى يومنا هذا. وكان من الدول التي استفادت من ثورة يوليو الجزائر واليمن ودول افريقية وآسيوية عديدة. والأهم من كل ذلك ان روح ثورة يوليو التحررية لا تزال باقية وقد لمست ذلك بنفسي في شباب الانتفاضة الفلسطينية وفي رجال المقاومة بجنوب لبنان.

* ما هي محطاتك مع ثورة يوليو وماذا تذكر عن ليلة قيام الثورة بعد نصف قرن من الزمان؟

ـ انا اعتبر ان الثورة بدأت يوم 20 يوليو 1952 عندما بلغنا نبأ تشكيل وزارة نجيب باشا الهلالي وكان الذي ابلغنا بالنبأ زوج اخت ثروت عكاشة، الصحافي احمد أبو الفتح، فتشكيل هذه الوزارة ووجود حسين سري بين وزرائها كوزير للحربية والذي كان ممالئا للملك، كان معناه والهدف منه القضاء على الضباط الاحرار. وعندما ابلغنا جمال عبد الناصر بذلك وجد ان ذلك دافع كاف لأن تبدأ الثورة مباشرة لدرجة انه تقرر قيامها يوم 21 يوليو. لكن لظروف تنظيمية بين صفوف الضباط الاحرار قامت الثورة يوم 23 يوليو، وقد بدأ العمل للثورة باجتماع المجموعة التي قامت بالتنفيذ في منزل خالد محيي الدين الكائن في 20 شارع فوزي المطيعي بمصر الجديدة، وهناك تمت مناقشة الخطة وانا كنت وقتها برتبة بكباشي، نفس رتبة عبد الناصر، بل انا كنت اقدم منه اذ تخرجت في اول عام 1938 وهو تخرج في نهاية العام، وكان دوري كقائد لسلاح المدرعات كرأس الحربة التي تتقدم الجيش ويتبعها باقي القوات والاسلحة.

* ما بين الضباط الاحرار، من الذين كانوا القادة الفعليين ومن كانوا قادة الظل، وما هي حقيقة دور يوسف صديق في الثورة والذي استقال أو أبعد مبكرا من بين صفوف مجلس قيادة الثورة؟

ـ كانت هناك هيئة تأسيسية للضباط الاحرار هي التي خططت لقيام الثورة، وكان عددهم تسعة وهم: جمال عبد الناصر وجمال سالم وصلاح سالم وعبد اللطيف البغدادي وحسن ابراهيم وكمال الدين حسين وأنور السادات وعبد الحكيم عامر وخالد محيي الدين. وبعد قيام الثورة انضم للهيئة التأسيسية ثلاثة لأدوارهم: المؤثرة في نجاح الثورة وهم محمد نجيب وزكريا محيي الدين وحسين الشافعي. فأصبح عدد اعضاء مجلس قيادة الثورة 12 ضابطا وشاركهم في اعلان قيام الثورة نحو 90 ضابطا كان من بينهم يوسف صديق كصاحب دور بارز يدل على شجاعة كبيرة، وهو أنه قام باقتحام مركز قيادة الجيش في كوبري القبة والذي كان مجتمعا فيه قادة التشكيلات في الجيش في هذا الوقت، ولكن ليس معنى أداء دور ممتاز عند قيام الثورة ان يفرض وجود من قام بهذا الدور في مجلس قيادة الثورة.

* وماذا عن محمد نجيب، هذا الرجل الذي كان عنوان الثورة والذي تم تنصيبه كأول رئيس مصري، لماذا ألقي القبض عليه في ما بعد وأنكر دوره تماما؟ وماذا كان وراء ذلك؟

ـ محمد نجيب عند اختياره ليكون على رأس الثورة من قبل الضباط الاحرار كضابط له اعتباره وتقديره واحترامه لاقى هذا الاعتبار قبولا لدى الجيش والشعب لشخصيته البسيطة والمحببة. ولكن مع الممارسة الثورية اصبح هو في جانب ومجلس الثورة في جانب لأنه كان لا يريد ان يعادي احدا، وعندما كان مجلس قيادة الثورة يتخذ قرارات يضار منها البعض، مثل الاقطاعيين أو اصدقاء الاستعمار الانجليزي، كان يتنكر لهذه القرارات ويتبرأ منها وينسبها الى باقي اعضاء مجلس قيادة الثورة من الباب، ووصلت به الامور لدرجة انه عندما حددنا ثلاث سنوات كفترة انتقالية تطبق بعدها الديمقراطية وتعود الاحزاب، خرج في اجتماع عام وقال الديمقراطية تطبق مباشرة. هذه الازدواجية تسببت في العديد من المشاكل لذلك كان لا بد من ابعاده.

* قضية الديمقراطية هي القضية التي لاقت ثورة يوليو بسببها انتقادات شديدة لدرجة ان الاديب نجيب محفوظ اعتبر كل مكاسب الثورة خسائر بسبب غياب الديمقراطية عنها، وهي الاهم للانسان، فما هو تعليقك؟

ـ الحديث عن الديمقراطية وغيابها عن الثورة كلمات حق يراد بها باطل، وكلها صدرت من اعداء الثورة الذين يتربصون بالثورة ليثبتوا على النظام من خلال هذا الادعاء، وكان من غير المعقول اقامة ديمقراطية ووجود احزاب بدون فترة انتقال وتهذيب، وقبل ان تكتمل هذه الفترة الانتقالية، كان الاستعمار لنا بالمرصاد: ولم يترك لنا فرصة طبيعية لتواصل تطبيق اهداف الثورة، وفاجأنا بعدوان 1956 بعد الاتفاق على الجلاء. وعندما ساهمت كل الاحداث في توحد ارادة الشعب وراء الثورة، اثار ذلك حفيظة البعض ممن كانوا يستمدون وجودهم من الاستعمار فراحوا يهاجمون الثورة.

* لماذا غابت الديمقراطية كل سنوات حكم عبد الناصر؟

ـ (اجاب بغضب شديد وخرج عن هدوئه)، الديمقراطية هي ذريعة الاستعمار للتدخل مثلها مثل الانفتاح وحقوق الانسان وغيرها من اللافتات التي يرفعونها لاستخدامها في الوقت المناسب لضرب الشعوب التي تبحث عن استقلال قرارها.

* كنت نائبا لرئيس الجمهورية من عام 1961، فكيف جاء السادات نائبا بعدك ثم اصبح رئيسا لمصر بعد موت عبد الناصر؟

ـ (ازداد غضبه وارتفع صوته اكثر) انا توسطت للسادات عند عبد الناصر وقلت له جميعنا في مجلس قيادة الثورة برتبة نائب رئيس في ما عدا السادات، فلماذا لا تساويه بناء؟ فقال لي كيف افعل ذلك ألا تعرف ان سمعته ليست جيدة. وهو ما يؤكد ان عبد الناصر وقعت عليه ضغوط شديدة لتعيين السادات نائبا له.

* ماذا تقول عن عبد الناصر بعد كل هذه السنوات؟

ـ اقول ما قلته عنه في اسيوط عام 1972 عندما استدعيت هناك للتحدث الى المتظاهرين المطالبين بالحرب ضد اسرائيل، قلت «من حق الرجل ونحن في البلد التي أنبتته ان نذكر ما انجزه خلال 15 سنة. وما انجزه لا يقع تحت حصر ولن يذكر له التاريخ في كل ما انجز سوى انه بثورة يوليو استطاع ان يحرك واقع المنطقة العربية، الا انه مات سنة 1967، ولكنه تشبث بالحياه ليستر انسحابه من الحياة في سنة 1970. وفي هذه المرحلة خاص امجد معاركه، عندما اعاد بناء القوات المسلحة واقام قاعدة الصواريخ. وعندما شعر بالامان مات مطمئنا. فتحية لنضاله وفاتحة له.

* ماذا بقي من ثورة يوليو ونحن نحتفل بنصف قرن على مولدها؟

ـ ما بقي من الثورة انها اثبتت انه كان هناك رجال على استعداد لأن يضحوا بحياتهم في سبيل تحرير ارادة مصر، ويكفي انه لا يوجد مبنى ما شيدته، الثورة تعرض للهدم في زلزال 1992 رغم شدته، فالسد العالي وقناة السويس واستاد القاهرة وعشرات من العلامات القوية على سعي الثورة لإعمار مصر لا تزال باقية شامخة للأجيال تشهد على عظمة اعمال الثورة، والثورة باقية كالنار المشتعلة يستلهم منها كل الذين يتوقون للحرية المثل والعبرة. واكبر دليل على ذلك أبطال الانتفاضة و«حزب الله» في الجنوب اللبناني الذين يرفعون صور عبد الناصر في المناسبات المختلفة كرمز وقيمة ومثال يحتذى.

* هل ترى ان السادات خطف منك منصب الرئيس؟

ـ انا لم اكن اتطلع لمنصب الرئيس وكل ما يهمني هو الحفاظ على مبادئ الثورة. ولو كان السادات سار على اهداف الثورة لكنت خدمته بعيني.

* كيف كانت علاقة ثورة يوليو بالاخوان المسلمين، خاصة ان الاخوان قالوا انهم جاءوا بالثورة الى الحكم ولكن الضباط الاحرار انقلبوا عليهم بعد ان استقرت احوالهم؟

ـ الاخوان المسلمون كنا متعاطفين معهم جدا قبل الثورة. وأكبر دليل على ذلك انه عندما ألغينا الاحزاب ابقينا على جماعة الاخوان المسلمين، ولكن مجلس ارشاد الجماعة كانت له تطلعات وتخيلات منحرفة، فقد تصوروا ان الثورة خطفت منهم الحكم، وراحوا يتحدثون عن انهم هم الذين قاموا بحماية الثورة وأرادوا فرض وصايتهم على الثورة وتنظيماتها السياسية. وحين رفضت الثورة «وصايتهم» جن جنونهم وحاولوا اختراق الثورة في القوات المسلحة وقاموا بالاعتداء على عبد الناصر في المنشية بالاسكندرية. فكانوا اشبه بمن وضع اصبعه في سلك تيار كهربائي، وارادوا ان يقتلوا الثورة باسم الاسلام، فكان الشعب ورجال الثورة لهم بالمرصاد، فالاسلام ليس مفرقعات وارهاباً وضرب ومؤامرات، ولكنه سلام وتسامح وعبادة وعدل.