إخفاق أول سفيرة أميركية في الشرق الأوسط في العراق يسكن مبعوثات واشنطن إلى المنطقة (2 من 2)

مارغريت تتوايلر سفيرة أميركا لدى المغرب لـ«الشرق الأوسط»: والدي سر شجاعتي في مواجهة عناصر «القاعدة»

TT

ناقشنا في حلقة أمس أهداف «تأنيث» السياسة الخارجية الأميركية في الدول العربية، واستضفنا أربع سفيرات تم تعيينهن في كل من المغرب وقطر والجزائر والإمارات العربية المتحدة.

اليوم نواصل الحوار من منطلق تجربة أول سفيرة عينت في بغداد نهاية الثمانينات التي لا تزال ذكراها عالقة بالأذهان. ومهما كانت الأسباب خلف فشل إبريل غلاسبي سفيرة أميركا عند صدام حسين في التوصل إلى وساطة دبلوماسية ناجحة بين بلادها والعراق (قبل وقوع الاجتياح)، إلا أن ذلك تسبب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في إدخال المنطقة في دوامة حرب لا يبدو لها آخر منذ 11 عاما، والسؤال الذي طرحته بإلحاح على السفيرة المعينة للشؤون السياسية في الرباط مارغريت تتوايلر ارتكز على الذكرى السيئة لعمل أول زميلة لها في الشرق الأوسط، إذ كانت واحدة فقط، وفعلت أو تسببت فيما تسببت فيه، فما ستفعله 4 سفيرات تقاسمن في مهامهن جغرافية المنطقة؟ فردت تتوايلر «لقد تابعت قضية ابريل غلاسبي جيدا وأعرف حيثياتها كوني كنت مستشارة أساسية في فريق جيمس بيكر (الخارجية) آنذاك، لذا لما تسلمت المنصب هناك (في المغرب)، وبإمكانك سؤال العاملين في السفارة، قلت لهم خلال أول اجتماع عقدته معهم، «إنني لا أريد أن يصدر أي شيء عن هذه السفارة أو يخرج منها، ولا حتى أية برقية، يقال فيها أي شيء قلته، أو يعتقدون أنني قلته، أو ربما أكون قد قلته، أو يتوقعون أنني قد أكون قد قلته، إذا لم أوافق عليه شخصيا. وهذا بعد النظر مليا في ما حصل بعد تجربة برقية ابريل غلاسبي لواشنطن».

وكون احتمال وقوع غلاسبي في فخ وضع لها من المكلفين بالسياسة الخارجية الأميركية للشرق الأوسط والأدنى، فإن تتوايلر أضافت «لكن مع ذلك، (أي رغم الاحتياطات)، لا يعني أنه ليس بإمكاني أن أقع في فخ، لكن انطلاقا من تلك التجربة فأنا حريصة جدا على أن يوضع كتابة ما ينسب إلي». وتستطرد «لكن في اعتقادي الشخصي، لا أعتقد أن أي اجتماع مع أي سفير كان بإمكانه أن يمنع الرئيس العراقي صدام حسين آنذاك من احتلال الكويت إذ كان عاقدا عزمه على المضي في تلك العملية».

* تأثير غلاسبي

* والبرقية التي تشير إليها تتوايلر بحسب تفاصيل يوردها الصحافي روبرت كابلان في كتاب «الارابيست» تمت بعد لقاء بين الرئيس العراقي صدام حسين وغلاسبي، في 25 يوليو (تموز) عام 1990 أي قبل أسبوع من هجوم العراق على الكويت. وبحسب المرجع فإن غلاسبي التقت صدام من دون دفتر لتسجيل الملاحظات، لأنها استدعيت من قبل وزارة الخارجية ولم تكن على علم بأنها ستقابل الرئيس، لأول مرة، على انفراد. ويشير الكاتب إلى أن «العادة تقتضي في مثل هذه الحالات، وقبل اللقاء، أن يحصل السفير على تعليمات محددة من واشنطن، أو عليهم أن يتوصلوا إلى قراءة أو توقع نيات الحاكم وإرسال تقرير عاجل إلى وزارة الخارجية».

وهكذا، بعثت غلاسبي ببرقية في 20 مارس (آذار) عام 1991 إلى واشنطن، وبقى محتوى تلك البرقية محل الجدال، إلا أنه تأكد بعد التحقيق معها من قبل لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، التي تسربت لها البرقية أنها كانت «متطابقة مع ما حملته نقاط الاجتماع عند العراقيين»، فضلا عن أن غلاسبي «لم تكن حاسمة في ردها على صدام في حالة إصراره على شن الهجوم»، وقالت له «إن واشنطن ليس لها رأي في النزاع العربي ـ العربي كما هو الحال في النزاع الحدودي بينكم وبين الكويت وهكذا، فإن انهيار مسار غلاسبي في المنطقة، رغم أنه أصبح درسا لسفراء وسفيرات أميركيات بعدها، إلا أنه كان ضربة لفئة «المؤيدين للعرب» في وزارة الخارجية الأميركية، أو ما يعرفون بالـ«أرابيست»، الذين سارع خصومهم إلى القول إن ما حدث في العراق هو نتيجة لكون السفيرة كانت امرأة، خصوصا أن «صدام لم يستلطفها». وقال باركر هارت معلقا في الكتاب على تعيين غلاسبي «كنا في حاجة إلى شخص مثل لوي هاندرسون (ولد 1892 في بغداد) عام 1990 فهو شخص هادئ وقوي. شخص لن يتأخر في التعبير بكلمات واضحة لصدام عن تعليمات واشنطن، مهما كانت». هذه الميزات، التي استخلص هؤلاء المناهضون لتعيين نساء سفيرات في الشرق الأوسط، أنهن لا يتمتعن بها في حالة وجودهن أمام قائد أو رئيس دولة رجولي وشديد.

وفي ضوء تجديد إدارة الجمهوريين تهديدها للعراق، تناقلت المصادر المختلفة إمكانية لجوء واشنطن إلى استخدام قواعد عسكرية جديدة لها في الخليج ومنها قاعدتها العسكرية في قطر. وهنا سألت مورين كوين (سفيرة أميركا لدى قطر)، التي لم تكن تتوقع هي الأخرى أنها قد تكون يوما أمام معضلات أمنية وسياسية شائكة مثل هذه، كونها تعمل كسفيرة للمرة الأولى، وتبدو من خلال الأقمار الصناعية، أنها شخصية محتشمة يصعب التنبؤ بطريقة تعاملها مع حدث في هذه الأهمية. وقالت «إنني مشغولة بالعديد من القضايا بحكم مهمتي لكنني لا أريد أن أعلق على ما ذكرت أو تناقلته الصحف من أخبار». وشددت على أن بلادها لها علاقات وطيدة مع قطر وتتعاون مع الدوحة في مجالات عدة منها الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية، من دون إشارتها إذا كان يعني ذلك التعاون، إقبال السلطات القطرية على السماح لها بإيصال «الإشارة الخضراء» لواشنطن باستخدام أراضي الدولة الخليجية في المضي في شن هجومها ضد دولة جارة.

وعند الإلحاح في سؤالها، أن حربا قد تنشب على بعض أميال من مكان وجودها، وإن كانت ستلعب، كسفيرة، دورا فيها، ردت «إنني أعمل مع الحكومة القطرية على قضايا لها علاقة بالإرهاب، في شتى مظاهره كالجانب المالي وغيره.. وأجد المساندة الكاملة»، مشيرة إلى ما مفاده أن الهدف من مقابلتها ليس حول شن أو عدم شن هجوم على العراق انطلاقا من قطر.

* «القاعدة» والمغرب

* ومن بين السفيرات اللواتي، ما تزال تنعم بحسب قولها «باستقرار»، في الدولة حيث توجد، هي السفيرة مارسيل وهبة التي تمثل مصالح بلادها في الإمارات. فقالت: «إنني في دولة مستقرة، فلست كزميلات لي سفيرات في دول كباكستان مثلا (حيث انتهت مهمة السفيرة قبل أشهر قليلة فقط)». وشددت وهبة «هنا لا يوجد عنف، مثل ما هو الحال في بعض الدول».

وفي حركة إعجاب وتقدير ومواساة لزميلاتها في الدول المضطربة شؤونها أضافت «بالنسبة لتلك اللواتي يقمن بمهامهن في ظروف صعبة فهن في اعتقادي يثبتن أنه بإمكانهن توفير ليس أقل مما يوفره زملاؤهن الذكور من خدمة».

وأشار تقرير صدر أخيرا عن الكونغرس في أميركا إلى أن نحو 12.5 في المائة من المراكز الدبلوماسية في الدول التي تعتبر «صعبة» ما تزال شاغرة، في حين لا تتعدى هذه النسبة سقف 8.4 في المائة في الدول الأخرى.

وغالبا ما تفوق أجور الدبلوماسيين العاملين في المراكز ذات المخاطر، مستوى الرواتب العادية تعويضا لهم عن ظروف عملهم وعدم الاستقرار السياسي ونسبة الجرائم المرتفعة.. وأمور أخرى متعلقة بمستوى المعيشة والعائلة في الدولة حيث يوجدون.

في ذات السياق، وفي خضم ما ينشر عن إعادة انتشار لعناصر تنظيم «القاعدة» في المغرب العربي، وذلك انطلاقا من حادثة «جربة» جنوب تونس، أعلنت الحكومة المغربية، لأول مرة ، عن اعتقالها لثلاثة عناصر من التنظيم المتطرف. سألت السفيرة الأميركية تتوايلر، كيف تتعامل مع الوضع، بعد أن أصبحت جالسة على كرسي ساخن فردت: «اسمحي لي أن أقص عليك ما قالته لي أختي مرة، متسائلة هي الأخرى، عما أفعله حتى أجد نفسي في مواقع ساخنة ووسط أزمات: فقد شاركت في مؤتمر السلام المنعقد في مدريد، والأول من نوعه منذ 44 عاما، كما شاركت إلى جانب جيمس بيكر في حرب الخليج الثانية، وعايشت مهنيا الهجوم على باناما ونهاية الاتحاد السوفياتي.

ولما انتقلت للعمل في الخزينة الأميركية، صادف ذلك حدوث أكبر أزمة مالية في سوق الأسهم منذ كساد عام 1987، ولدى عملي في إدارة الرئيس رونالد ريغان جرت محاولة اغتياله، فترين أنني لا أختار، لكنني أجد نفسي في مواقع ساخنة، فتعودت على المشاكل والمصاعب والتعامل معها أو معايشتها».

وأضافت الدبلوماسية السياسية «لا أكذب عليك إن قلت إنني أفضل أن أكون حيث يوجد العمل (أي الحركة)، فالوضع الصعب أجده مشجعا والتحدي محفزا، ويدفع الواحد منا إلى أن يكون أكثر تركيزا». وتضيف «أتمنى أن يكون عملي في الرباط متميزا أو بارزا بقدر حجم التحدي والمسؤولية».

وعن ظهور عناصر «القاعدة» في المغرب وما خلفه ذلك من ضغوط جديدة على عملها قالت «إنني أقدر تعاونك إذ لا أعلق على طريقة إدارتي للأمور الأمنية، لأنني أتعاون مع السلطات المغربية، تعاونا عسكريا أيضا ومساندة في مكافحة الإرهاب»، مشيرة إلى العلاقة المتميزة بين بلادها والرباط نظرا لأن المملكة المغربية كانت أول من اعترف بأميركا قبل 225 عاما.

وأردفت السفيرة «لكنني أعترف بأنه ليس هناك واحد منا بإمكانه أن يتوقع كيف سيتعامل مع وضعية معينة قبل أن تواجهه، فلما بحثت منصبي أو حقيبتي مع الرئيس بوش لم يكن أحد يعلم أنه سيكون هناك حدث كـ 11سبتمبر، أو إرهاب. فلم تكن لدينا البلورة السحرية لنتحسب ونخطط لهذا الأمر».

عدم حيازة بوش «للبلورة السحرية»، أدى به إلى الإعلان بأن بلاده «في حالة حرب» مع عدو «خفي» جعل تتوايلر تعترف أمام تعاظم مسؤولياتها قائلة «مرت علي العديد من الليالي منذ الحدث، ذهبت فيها إلى البيت وأنا أسأل نفسي لماذا أنا لست خائفة أو مذعورة. وكنت أجد إجابة واحدة فقط، ليست مهنية، يكمن سرها في والدي».

ويبدو من كلام تتوايلر أن والدها وماضيه تركا أثرا عميقا في نفسها وسمحا لها بأن تصل إلى المكانة التي هي عليها اليوم. وأضافت «لقد توفي والديّ، لكن أبي قام خلال الحرب العالمية الثانية بالقفز على شاطئ النورماندي (فرنسا) فجرح خلالها، وبمجرد تعافيه عاد لينزل خلف خطوط العدو في ألمانيا، الأمير الذي جعله يقضي بقية الحرب في مراكز الحبس في بولندا. وتفسيري لشخصيتي أنه، ربما، جيناتي تحمل شجاعة والدي، ولذا لم أخف ولا أخاف من مواجهة الصعوبات خلال هذه المرحلة أو غيرها من قبل».

وأضافت تتوايلر «الشيء الوحيد الذي أقلق من أجله هو كيفية القيام بأي شيء ممكن لحماية حياة الأميركيين العاملين هنا، إلى جانب السلطات المغربية التي هي جد حازمة في تعاملها مع هذه المسألة، وذلك كأي دولة حضارية، بكوني لا أعرف واحدة غير جدية في مكافحتها للإرهاب وتقول لهؤلاء العناصر المتطرفة «تعالوا إلى عندي فنحن نرحب بكم».

ولم تخف تتوايلر تأثرها واعترافها بجميل المغاربة، حكومة وعسكرا وأحزابا، لما اجتمعوا غداة الهجمات الإرهابية في 16 سبتمبر الماضي، تحديدا في كاتدرائية في الرباط، التحم فيها مسلمون ويهود ومسيحيون لكي يعربوا عن صدق مشاعرهم ومساندتهم لضحايا مركز التجارة العالمي بنيويورك. وشددت على أن هذه المسألة كان لها أبعد الأثر لديها ولدى إدارة بلادها.

* المشكلة المغربية ـ الجزائرية

* وماضي تتوايلر الدبلوماسي الحافل، في مقاربة بينها وبين ابريل غلاسبي، جعلني أسألها عن دورها في حل نزاع دولتين جارتين هما هذه المرة ليستا العراق والكويت، بل المغرب والجزائر، حتى لو كان الطرف المعني بالمسألة هو جبهة البوليساريو وليس الجزائر، خصوصا لاطلاعها على التسوية المطروحة على الأطراف المعنية بقضية الصحراء الغربية، بحكم علاقتها المتميزة مع مبعوث الأمم المتحدة لتسوية الملف جيمس بيكر، وعن رؤيتها للأزمة الناشبة بين الدولتين، التي حالت دون التئام القادة المغاربة في يونيو (حزيران) الماضي في العاصمة الجزائرية، فردت: لا أعتبر ولا أصف الوضع الراهن بين الجزائر والمغرب في ما يتعلق بهذه المسألة بأنه أزمة، لأنه مستمر منذ 26 سنة. وموقفنا كإدارة أميركية هو أن تتوصل الأطراف إلى حل القضية بطريقة سلمية، وهذه من مسؤولية هذه الأطراف وليس واشنطن. وأضافت «ومن موقعي المتميز، كون الراعي لتسوية ملف الصحراء الغربية، الذي تابعني على مستوى عملي، هو أعز أصدقائي جيمس بيكر، الذي يعتبر بروفيسورا لمدى اطلاعه على قضية الصحراء، فأعتبر نفسي محظوظة بهذه الفرصة لإتقان هذه المسألة على يديه». وتضيف «من الضروري والمهم أن نصل إلى حل سلمي وعادل لكل الأطراف، لكن يبقى العزم والنية للأطراف المعنية وليس لواشنطن». وهكذا، ورغم تحفظ السفيرات في الاستجابة لإجراء الحوارات معهن عبر الأقمار الصناعية من لندن، إلا أنهن رحبن في نهاية المطاف بفكرة التحقيق واستجبن لها سعيا منهن إلى التوصل إلى تحقيق «غد أفضل في علاقات بلدانهن مع دول وشعوب المنطقة ودعم وتعزيز وسائل الحوار». فسواء كانت السفيرة وهبة في الإمارات أو كوين في قطر أو تتوايلر في المغرب فقد أيقن جميعهن، بحسب تأكيداتهن، أكثر من المسؤولين الجالسين خلف أسوار الكونغرس في واشنطن، أن المستقبل مع دول المنطقة لن يبنى بحوار يعتمد التعالي والعجرفة. وخير مثال على ذلك، ما تقوم به تتوايلر مع أطفال المغرب سعيا لفتح صفحة جديدة، حتى وإن لم تكن ناصعة البياض، إلا أنها خطوة في الاتجاه السليم، ولبنة في مسار الحوار الحضاري، الذي يعترف بخصوصيات الشعوب وحقها في الطموح للعيش حرة كريمة، سواء وجدت في فلسطين أو بغداد أو اليمن أو المغرب أو الصومال أو غيرها من دول خانة الشرق الأوسط في وزارة كولن باول، لا سيما أنها جميعا ما تزال تتخبط، في مطلع ألفية ثالثة، في كتلة دول «العالم الثالث». ليس الأول ولا حتى الثاني كما هو الحال بالنسبة لأميركا.

=