بلير في البرلمان البريطاني: هدفنا إزالة أسلحة الدمار الشامل العراقية.. وسيسعدنا زوال نظام صدام إذا كان ذلك ممكنا

رئيس الوزراء البريطاني يدعو إلى مؤتمر جديد للسلام في الشرق الأوسط وإلى طريقة أفضل في التعاطي مع العالم العربي

TT

قال الملف الذي نشرته الحكومة البريطانية امس حول الأدلة على تطوير العراق اسلحة دمار شامل، ان العراق توجد لديه خطط عسكرية لاستخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية وبعضها يمكن اطلاقها خلال 45 دقيقة من صدور الأوامر. واضاف ان سلطة اصدار أوامر استخدام هذه الأسلحة تتركز بشكل مطلق في يد صدام حسين، ومن الممكن ان يكون قد خول ابنه قصي هذه السلطة.

كما اشار التقرير الى محاولات عراقية للحصول على تكنولوجيا ومواد لصناعة اسلحة نووية في الخفاء بما في ذلك الحصول على كميات كبيرة من اليورانيوم من افريقيا.

ويستعرض الملف البريطاني بالتفصيل خطط اسلحة الدمار الشامل ووسائل نقلها وبرامج الصواريخ.

كرر رئيس الوزراء البريطاني توني بلير التشديد في بيان القاه أمس في البرلمان البريطاني على النقاط الواردة في «ملف الادلة» الذي اصدره في وقت سابق من صباح أمس حول أسلحة التدمير الشامل العراقية. وإذ إعتبر أن الرئيس العراقي صدام حسين لايزال حريصاً على تطوير المزيد من اسلحة التدمير الشامل باعتبارها تعزز موقعه الاقليمي، فقد اعترف أن هذه الادلة لن تكفي لإقناع البعض. ودعا الزعيم البريطاني في البيان الذي استهل به الجلسة الطارئة لمجلس العموم، الى عقد «مؤتمر جديد حول عملية السلام في الشرق الاوسط». وإذ أكد ان هدف بريطانيا الرئيسي حالياً هو تجريد بغداد من اسلحة التدمير الشامل وليس تغيير النظام العراقي، فقد اعرب عن ترحيبه الشخصي بزوال حكم صدام، بيد انه وعد بصيانة وحدة العراق في كل الاحوال. وأوضح ان العراق ليس مصدر القلق الوحيد في المنطقة، مشيراً الى ضرورة التعاطي مع كل دولة بطريقة مختلفة. ورأى ان هناك صلات بين بغداد ومنظمات إرهابية في المنطقة.

وقال بلير في إطار المناقشة التي تلت بيانه إن «تغيير النظام العراقي ليس هو القضية» بالنسبة للحكومة البريطانية. واكد ان القضاء على الترسانة العراقية لاسلحة التدمير الشامل «هو القضية». بيد انه أعرب أكثر من مرة عن سعادته الشخصية البالغة بزوال نظام صدام إذا كان ذلك ممكناً. وقال «سيكون من المدهش ان يتم تغيير النظام». واضاف إذا وصلت الامور الى حد تبدل معه النظام فإن من الضروري «تطمين الشعب العراقي الى ان وحدة العراق مصونة». واشار الى ان التساؤلات بخصوص مستقبل العراق بعد الاطاحة بصدام، هي «اسئلة مهمة». إلا انه أكد ان هذه الاعتبارات ليست موضع درس حالياً في اروقة صناعة القرار. وقال إن القرارات بصدد ذلك ستتخذ في الوقت المناسب. واكد رئيس الوزراء البريطاني في رد على سؤال للنائب العمالي الاسكوتلندي مايكل كونارتي على الحاجة لاستصدار «قرار للامم المتحدة يكون واضحاً وصارماً» للتعامل مع الازمة العراقية. وأشار إلى ضرورة أن يكون هذا القرار صارماً الى درجة «تسمح للمفتشين باستئناف عملهم دون صعوبات». ويُذكر ان «ملف الادلة» يشير الى تطوير بغداد أساليب جديدة للمراوغة وتجنب وقوع اسلحتها بيد المفتشين. ورأى بلير ان «الاميركيين على حق» في السعي لإبقاء صدام تحت الضغط. وحذر من جديد إلى ان «على الامم المتحدة أن تكون سبيلاً الى حل المشكلة وليس الى تجنب حلها». واعرب عن امله في ان يكون «مجلس الامن موحداً» في موقفه من صدام وألا يبقى «مقسماً» إزاء الخطر العراقي. وفي رد على سؤال طرحه النائب العمالي المسلم محمد سروة حول ضرورة معاقبة إسرائيل على انتهاكاتها المتكررة لقرارات مجلس الامن، اعتبر بلير ان نجاح عملية سلام جديدة مرهون «بتوفر ثلاثة عناصر معاً» وهي اعتراف العرب بحق إسرائيل في الوجود بأمان و«قيام دولة فلسطينية» إضافة الى وجود «بنية امنية في الدولة الفلسطينية». وعزا الشرط الثالث الى انه من غير الممكن السماح لـ«انتحاري» بتقويض عملية السلام بصورة مفاجئة. واعترف بلير مجدداً بأن «العالم العربي يعتقد ان الغرب لا يعمل بحماس كاف» لتحقيق السلام في الشرق الاوسط. وقال إن من الضروري بذل جهود جماعية حثيثة والعثور على «طريقة أفضل للتعاطي مع العالم العربي». وشدد الزعيم البريطاني على أن السبب الداعي لاتخاذ الاجراءات المناسبة بشأن العراق لا يكمن في «هوية النظام الدينية» معتبراً ان «معظم ضحايا صدام هم من المسلمين». وفي إجابة على سؤال للنائب جون مابلز، وزير الخارجية الاسبق في حكومة الظل المحافظة عن خطر ما سماه «الارهاب الاسلامي» الناشط في دول أخرى في المنطقة، اكد بلير أن «هذه نقطة جيدة». واضاف إن مسألة «الارهاب العالمي ليست هي القضية حالياً». وأردف ان «العراق ليست مصدر قلقنا الوحيد في المنطقة». وتابع إن «هناك دولاً اخرى في المنطقة تسعى الى تطوير أسلحة دمار شامل، وينبغي أن نتعاطى مع كل منها بطريقة مختلفة». وشدد على ان «هناك اشكالاً معينة للإرهاب في المنطقة يدعمها العراق، وهذا أمر لم يتعرض له ملف الادلة».

وفي تعليقاتهم على الملف والمناقشة التي شهدها مجلس العموم، أعرب نواب في حزب العمال الحاكم عن عدم اقتناعهم بالادلة والموقف الذي تتخذه حكومتهم من الازمة العراقية. وقال النائب العمالي جون ماكدونالد في مقابلة مع هيئة الاذاعة البريطانية (بي.بي.سي) «لم يدهشني الملف بقوة ادلته»، مضيفاً انه «لم يشتمل على اقتراحات جديدة» للتعامل مع المشكلة بل هو عبارة عن كلام مكرور سابق. وأخذ على بلير عدم «إعطائنا الحق بالتصويت» حول ما إذا كانت بريطانيا ستشارك بالحرب المرتقبة ضد العراق أم لا. ووصف الجلسة الطارئة بأنها مجرد «مناقشة محدودة» للازمة العراقية، متوقعاً ان يصوت عدد كبير من زملائه ضد طلب الحكومة تأجيل الجلسة الى أجل غير مسمى كما سيمتنع بعضهم عن التصويت. وعبر النائب الاسكوتلندي عن استيائه لدأب الحكومة على الكيل بمكيالين حين يتعلق الامر بإسرائيل والعراق، موضحاً انهم يتركون «إسرائيل تمارس إرهاب الدولة دون خوف أو رادع». واللافت ان بعض النواب المحافظين أعربوا عن معارضتهم لسياسة الحكومة الحالية تجاه العراق، على رغم أن قيادتهم قد بدت أشد تحمساً لشن هجوم على العراق من بلير وبعض وزرائه. وطرح نواب محافظون، منهم جون مابل، أسئلة توحي بتأييدهم لطريقة تعاطي بلير مع المشكلة ولتوسيع إطار الحرب المحتملة لتشمل دولاً اخرى في المنطقة. غير ان إيان تايلور، عضو حكومة الظل المحافظة السابق المعروف باعتداله، انتقد السياسة الاميركية إزاء العراق وحذر في الجلسة الطارئة من أن تؤدي الحرب المرتقبة الى تفاقم أزمة العراق والمنطقة بشكل كبير. والجدير بالذكر ان بلير يواجه معارضة واسعة في صفوف حزبه. وقد دأب المراقبون على القول ان بوسع الحكومة تمرير اي قرار حول العراق في البرلمان بفضل تأييد المحافظين. إلا ان هذا الدعم لا يبدو الآن اكيداً.

وكان رئيس الوزراء البريطاني افتتح الجلسة الاستثنائية التي عقدها مجلس العموم بهدف مناقشة الازمة العراقية، ببيان رسمي حاول فيه تسليط الضوء على المعلومات الواردة في «ملف الادلة» الذي اصدره قبل ثلاث ساعات ونصف من بدء الاجتماع البرلماني. وشدد بلير على أن «لدينا الآن معلومات استخباراتية اكيدة» تؤكد ان صدام طور ولايزال يطور اسلحة بيولوجية وكيماوية بهدف استعمالها إذ لزم الامر في غضون 45 دقيقة. غير انه اعترف أن «البعض سيرفضون كل هذا» و«المعلومات الاستخباراتية ليست صحيحة دائماً». وتابع «سيقول البعض، عن حق» أنه «قد تنقضي سنوات عدة قبل حصوله (صدام) على سلاح نووي قابل للاستعمال». غير انه شدد على ان تجنب التصدي لهذا الخطر قد يتمخض عن مأساة حقيقية الامر الذي يستوجب في رأيه بذل الجهود الكفيلة بتجريد بغداد من أسلحة التدمير الشامل.