سيدة لبنان الأولى: الإنسان هو الوجه الحقيقي للأرض لهذا أتعرف على كل مدينة من خلال أبنائها

أندريه لحود لـ«الشرق الأوسط»: المرأة العربية هي المحرك الأساسي لعودة حضارتنا * لست خائفة على مستقبل لبنان لإيماني بشعبه * التواصل بين المسؤول والمواطن ضروري لذا أولي الشأن الاجتماعي اهتمامي

TT

تحمل على شفتيها ابتسامة واثقة ومريحة وكل كلمة من كلماتها المنمقة تكاد تكون عظة لأبناء هذا الوطن، هي سيدة لبنان الاولى بكل ما للكلمة من معنى، السيدة اندريه اميل لحود، المرأة التي دخلت عالم السياسة من دون ان تمارسها واصبحت محط انظار الجميع حيث تتركز عليها الانظار، وعدسات المصورين لمعرفة آرائها السياسية والاجتماعية وميولها وذوقها وهواياتها.

من مواليد بيروت في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1940، والدها ادوار امادوني والدتها مارغريت كولوكوفسكي، متأهلة من رئيس الجمهورية العماد اميل لحود ولهما ثلاثة أولاد هم كارين زوجة الوزير الياس ميشال المر. واميل النائب في البرلمان اللبناني، (متأهل من سابين طمبورجي في 7 سبتمبر (أيلول) الفائت)، ورالف الحائز ماجستير في الهندسة الميكانيكية.

وهي ايضا رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية منذ العام 1998. والرئيسة الفخرية لمدرسة بعبدا للعميان والصم والبكم، والرئيسة الفخرية للاتحاد اللبناني للجوالة والمرشدات الكشفيات، والرئيسة الفخرية لرابطة أصدقاء معهد المعاقين في بيت شباب، والرئيسة الفخرية للأولمبياد الخاص اللبناني عام 2001.

همها الأول كان ولا يزال العائلة والوطن، تعتقد ان الانسان متى التزم امرا يجب تحمل مسؤوليته الى النهاية، وان سر النجاح العائلي ان يؤدي كل فرد دوره ضمن جو من الاحترام والمحبة، والمتعة التي تجدها في أولادها تراقبهم يكبرون وينمون ويتحولون الى شخصيات مختلفة.

تابعت دروسها الابتدائية والثانوية في مدرسة راهبات الفرنسيسكان في بيروت، واعدت التنشئة العليا في التربية في المركز الثقافي الفرنسي في بيروت.

اندريه اميل لحود كأي فتاة حملت زهرة المارغريت وراحت تقطف اوراقها ورقة ورقة لترى ماذا تحمل لها الورقة الاخيرة... وجاء العام 1998 ليحمل لها لقب سيدة لبنان الاولى، ولكن ظروف الحرب، التي عاشها لبنان سابقا، انعكس على طموحها الذي بقي ضمن اطار ضيق لم يتجاوز تمنيات بأن تمر الازمة ويبقى لبنان.

وتؤمن لحود ان التواصل ضروري جدا بين المسؤول والمواطن، لذا تولي الشأن الاجتماعي في لبنان عناية خاصة، كما تسهر على رعاية الأطفال، وذوي الحاجات الخاصة فيهم.

وتقول في حديث لـ «الشرق الأوسط»: «اذكر جيدا عندما كنت على مقاعد الدراسة زيارة السيدة زلفا كميل شمعون (عقيلة رئيس الجمهورية اللبناني الراحل كميل شمعون) الى مدرستي وكم كان وقعها جيدا على التلاميذ وعلى المدرسة».

وتعتبر ان الجمال الداخلي للمرأة ينعكس على حياتها وذوقها، متسائلة اين مصممو الأزياء الذي سيعيدون الى المرأة ريادتها في بساطة الحكمة التي زينتها؟

السيدة لحود مثلت لبنان في أول قمة للمرأة العربية في القاهرة وترى ان المرأة العربية هي المحرك الاساسي لعودة حضارتنا الى لعب دورها في رقي مستقبلنا وتطوره.

وهنا نص الحوار:

* هل كنت تتوقعين بأنك ستكونين السيدة الاولى؟

ـ عندما نسير على دروب الحياة، فاننا نتعلم ان نحبها بصعابها وحلاوتها ونجد في كل لحظة من لحظاتها حلما نعمل على تحقيقه. وغالبا ما نختار احلاما سهلة المنال وبسيطة، خصوصا اذا كانت همومنا وطموحنا بناء عائلة والمحافظة عليها ومتابعة نموها. وقد كبرنا معا وحلمنا معا وكنا معا، هذا اقصى ما كنت اتمناه وعملت له. ولم تكن ظروف الحياة سهلة، فقد كانت عائلتنا ككل العائلات اللبنانية، أسيرة الحرب وظروفها، بحيث ان اقصى طموحنا لم يكن ليتجاوز بضعة ايام. فما من احد منا كان ليطمح الى المدى البعيد او البعيد جدا. واعتقد بأن هذا الامر ايضا جعلنا نعمل ضمن طموحنا واحلامنا، على ان ننتصر على حالة الأسر القسرية التي وضعتنا فيها الحرب. وقد اثبتت الايام ان تصميم الرئيس اميل لحود، منذ كان ضابطا في الجيش ثم قائدا له فرئيسا للجمهورية، في كسر هذه الحالة والعمل لبناء دولة قانون ومؤسسات يتوق اليها كافة اللبنانيين، كان في محله. وهو تالياً مثار اعجاب كثيرين.

* كيف كانت نشأتك وعلاقتك مع الاهل؟ هل كنت مطيعة، ام رافضة لتقاليد متبعة، ام تسايرين الوضع؟

ـ لقد تربينا في العائلة، وفق القيم التي نشأت عليها عائلاتنا اللبنانية، من محبة بعضنا البعض الى تضامننا تجاه بعضنا وتجاه من هو في الحاجة والعوز. وكانت عائلتنا متماسكة بعواطفها ومحبتها، واحترامنا لمن هو اقدم منا في السن لم يكن فرضا قسريا، بل منتهى قبول خبرته وخبرة الايام التي جعلت منه، بالنسبة الينا، نوعا من مثال نسير بهديه. وأنا واثقة ان هذه المبادئ العائلية كانت بمثابة الاسس المتينة التي دعمت مجتمعنا، وجعلته ينتصر على التجارب المادية وتجارب الحرب القاسية والدموية. واذا كان الكثيرون يؤمنون انه من اسباب انتصار لبنان متانة الروابط العائلية فيه، فانني آسف اليوم حين ألاحظ بأن ظروفا كثيرة تعمل على اضعاف هذه الروابط او حتى على القضاء عليها.

* عندما كنت صغيرة، هل كان يلفت انتباهك الازياء والموضة، وكيف كانت نظرتك لهذا الموضوع، وأنت على مقاعد الدراسة؟

ـ بالطبع ان اموراً مماثلة كانت تشغل بال الكثيرات منا. أوليست اصلا، هذه احدى ابرز اهتمامات كل مراهقة، الى أي وطن انتمت احلامها؟ ولكنني لم اكن لأجعل من هكذا اهتمامات امرا طاغيا على مختلف وجوه التفكير والتصرف الباقية. فانا كنت ولا ازال مؤمنة ان الجمال الداخلي متى كان موجوداً في قلب المرأة وتفكيرها، ينعكس على حياتها، كما على ذوقها، فتجد في البسيط المتقن روعة تريحها وتكسبها صفاء. وأنا واثقة ان البساطة في الالوان والتصاميم، هي صفة العصر، وان للمرأة دورا في جعلها قاعدة تصرّف وحكمة حياة.

* الأزياء الحالية مزعجة

* هل يزعجك اللباس الرسمي ام انك تفضلين الابتعاد عنه بانتقاء ما يناسبك؟

ـ للباس الرسمي ظروفه واوقاته. وهو يعني احتراما اضافيا للمناسبة حيث يوجد المدعو. ولقد درجت التقاليد اللبنانية ان تحترم كل المناسبات. وهذا غنى يضاف الى عاداتنا اللبنانية. اما اللباس المريح فهو الذي يضفي على من يرتديه بساطة واتزانا، ويعكس هدوءا ينسجم مع مقتضيات الحياة اليومية بتعبها ونشاطها. ويزعجني هذا التطرف في عالم الأزياء، في العصر الحالي، حيث في اغلب الاحيان اشعر بأن الزي المعروض لا يعكس نفسية المرأة، ولا مكانتها ولا احترامها لذاتها. واتساءل اين مصممو الأزياء الذين سيعيدون الى المرأة ريادتها في بساطة الحكمة التي طالما زينتها.

* كسيدة اولى، ما هي هوايتك، وهل ما زلت تمارسينها؟ وكيف تحافظين على رشاقة جسدك؟

ـ هواياتي ليست بكثيرة، وهي تتبدل وتتنوع بين الرياضة والقراءة والاهتمام بشؤون صغيرة، ولكنها دقيقة وتتطلب اهتماما متواصلا والتزاما حياتيا. وأنا هكذا اعرّف الهوايات، بأنها ليست مسائل اضاعة لوقت او تعبئة فراغ ما بأمور تلهي عما هو اساسي وبديهي في الحياة. واليوم، وفق مستلزمات الوضع الذي انا فيه، افتش عن وقت لمواصلة هذه الالتزامات الصغيرة. وأنا لا اعذر نفسي اذا ما تقاعست عن اتمامها، لأنني اؤمن انه متى التزمت امرا، يجب تحمل مسؤوليته الى النهاية. وطبيعي ان تأتي ضمن هذه الالتزامات، احترام جسدنا، والمحافظة عليه كنعمة من الخالق، فلا نخضعه لتطرف الميول ولا لجموح الغرائز. والحقيقة ان في اسرار جسدنا آفاقا واسعة للابحار وللتأمل بجوهر حقيقتها.

* أي الالوان تفضلين، ولماذا؟

ـ ان اجمل الالوان هي التي تجدها في السماء، والارض والبحر والازهار الصغيرة، والمخلوقات المتقنة الروعة. وأنا كلما تأملت بالطبيعة وجدت فيها الوانا مخلصة لنظراتنا ووفية لتطلعاتنا وامينة لانتظاراتنا لها. وهذا يعني ان الحياة هي التي تمنحنا الصفاء لمجد في كل لفتة جمالية الوان وابداعات لا تحصى.

* ما هي الاغراض التي تعني لك شيئاً، وهل ما زلت تحتفظين باشياء قديمة من منزل والديك؟

ـ ذكرياتنا مرتبطة باشياء عادية الفناها، واصبحت كأنها منا. معها نمضي حياتنا ونطوي ايامنا. ونحن نتبدل، نكبر ونحب وتكبر عائلتنا وتلتقينا مواعيد جديدة، بعضها حلو وبعضها اقل جمالا، الا ان هذه الاشياء تبقى أمينة لنا، ولذلك لا نكبر، فيما نحن نبتعد اكثر فأكثر عن طفولتنا. وقد نهجرها فلا تبقى فينا، الا ان في اشيائنا كل ما لا نحب ان نبتعد عنه. ولكم تمنيت لو بقيت لنا كل اشيائنا الصغيرة. وهي على قلّتها، كانت لنا منبع فرح. ولا ادري الى اين تصطحب الحياة والظروف اشياءنا التي نحنّ اليها دوما.

* لغة القلب

* هل تتقبلين انتقادات المقربين منك، وانتقادات وسائل الاعلام؟

ـ النقد النابع من القلب، هو الذي يبني ولا عتاب فيه، فهل نصم آذاننا عن لغة القلب؟ وهل ننسى ان المحبة صادقة ولا اذى فيها؟

* خلال جولاتك الى الخارج، هل تفضلين الابتعاد ولو قليلا عن الرسميات؟ وهل ترغبين في التجول في الاسواق التجارية؟ وما هي الاشياء التي تلفت نظرك غالبا؟

ـ ما هو اغلى من أي شيء، في أي وطن كان، هو انسان هذا الوطن، لأن الانسان هو الوجه الحقيقي للارض. وأنا، من هذا المنطلق، وفي اي مدينة اكون فيها اسعى الى التعرف عليها من خلال أبنائها، فتنطبع في ذاكرتي صور اقوى من النسيان واكثر جمالية من حجارة يرصفها العقل البشري لتعطينا رموزا وامكنة عبور الى الخيال. وهذا لا يمكن ان نحققه من خلال نظرات خاطفة من زجاج نافذة سيارة او قطار، ولا من خلال مترو الانفاق تحت الارض. هذا لا يكون الا من خلال السير على ارصفة المدن والشوارع، تحت الشمس او زخات المطر، ففي ذلك متعة كل مسافر الى ارض غريبة يريد التعرف اليها، لتصبح جزءا من محبته واحلامه.

* خلال وجودك مع الرئيس اميل لحود في المنزل. هل تتبادلان اطراف الحديث معا في السياسة وهمومها، واهتماماتكما بالاسرة والمنزل؟

ـ منذ كنا معا الى اليوم، يهتم كل منا بما يعود اليه من مهام، وهذا هو سر النجاح العائلي واساس قيام العائلات على اسس ثابتة ومتينة. وهو امر عاشته عائلاتنا اللبنانية منذ القدم، وكان من مسببات نجاحها واستمراريتها وتفوقها على ذاتها وعلى الظروف التي عاشتها. وقد عاش كل منا ضمن هذا الجو من الاحترام والمحبة وكبر فيهما. وعندما اسسنا عائلة واحدة، اكملنا طريقنا بهدي هذا التمايز والتكامل في ادوار كل منا.

* العلاقة مع الأحفاد

* كيف تصفين علاقتك بأحفادك، وما هو شعورك بعد زواج ابنك البكر؟

ـ لا اعرف كيف اصف هذا الشعور الذي يعصف فينا، حين يعلمنا احد أبنائنا انه اختار من يكمل معها دروب الحياة، بقلب واحد. اهو شعور فرح؟ او اعتزاز؟ او حنين؟ او ربما كل ذلك مع بعض الحزن. ما أنا متأكدة منه، انه وحده قلب الأم يدرك تماما ان في هذا الشعور كل المحبة. وأبناؤنا يعرفون اننا نحبهم ونعتني بهم ونحضرهم ليصلوا الى هذا اليوم الذي يسيرون فيه لوحدهم، على دروب اختاروها هم. ولكن ترى هل يعرفون ان في ابتعادهم ينسلخون عنا فيسرعون وقد لا يكون لنا وقت لنقول لهم اننا ما زلنا نحبهم. ونحن اليوم نحبهم اكثر لأنهم اصبحوا ذاتهم، بعد ان كانوا ذاتنا التي تريد ان تكبر. والأبناء يبقون أبناء بعيون أمهاتهم، وهم سيبقون كذلك، خصوصا عندما يصبح لديهم أبناء يعطوننا، نحن، كل فرح الحياة الآتية. فنكبر معهم، وهم يبقون محبتنا الكبرى.

* بعد مرور اربع سنوات تقريبا على تسلم الرئيس لحود مقاليد الحكم، ما هي النظرة للمستقبل؟

ـ لا يهبط المستقبل على اي وطن من الفراغ، ولا من الاوهام. المستقبل هو صنيعة اليوم، لا بل هو مولود منذ اليوم. من هنا انا لست خائفة على المستقبل بسبب ايماني المطلق بشعبي وأبناء شعبي. وانا كلما نظرت الى اعينهم والتقيت بالفرح الذي يضيء هذه العيون والطموح الذي يجعلها لا تغلق الا على آفاق لا تنتهي، تأكدت ان صعاب اليوم الى اندحار والمستقبل كله للحياة وهم الحياة.

* المرأة العربية

* كيف تنظرين الى المرأة العربية؟

ـ المرأة العربية هي جزء من حضارة، يريد لها كثيرون ان تبقى راقدة في مستنقع لا حياة فيها ولا مستقبل. وقد حولوا احلام ابنائها الى هواجس وقلق وخوف. من هنا، أنا انظر الى المرأة العربية على انها المحرك الاساسي لعودة حضارتنا الى لعب دورها في رقي مستقبلنا وتطوره. ولا انبعاث لحضارتنا من جديد من دون دور ريادي للمرأة تحقق من خلاله ذاتها. ثم تعمد الى تغيير الواقع وتبديله نحو الافضل والارقى. فللمرأة التي قدمت الشهداء الابرار لتحرير الارض، والتي ارضعت ابناءها بطولة الحق وثباته، كل الحق في ان تحمل مصيرها بيديها، ليحمل مصيرها هذا حضارتنا الى اعلى وانبل مراتبها.

=