10 أسس استراتيجية للسياسة الوطنية للعلوم والتقنية

عبد الله الرشيد نائب رئيس مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية لـ«الشرق الأوسط»: المحافظة على الأمن الوطني وخدمة التنمية الشاملة ورفع مستوى معيشة الفرد أبرز هذه السياسات * ندرة المياه العذبة أبرز التحديات التي تواجه السعودية خلال العقدين المقبلين

TT

أقر مجلس الوزراء السعودي في الثامن من يونيو (حزيران) الماضي مشروع السياسة الوطنية للعلوم والتقنية في المملكة العربية السعودية وذلك من خلال عمل وطني واسع ومشترك، شارك في مراحل اعداده المختلفة كل الجهات المعنية في القطاعين الحكومي والخاص.

وأبلغ «الشرق الأوسط» الاستاذ الدكتور عبد الله الرشيد نائب رئيس مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية لدعم البحث العلمي بأن السياسة الوطنية للعلوم والتقنية في المملكة ستكون معلماً بارزاً في مسيرة النهضة الشاملة التي تحققت في البلاد ومؤكدة بوضوح على الدور المستقبلي الذي ستضطلع به العلوم والتقنية والابتكار في تعزيز منجزات التنمية ودعم مكتسباتها خلال العقود الأولى من القرن الحادي والعشرين ولتصبح المملكة بذلك أول دولة عربية تعتمد سياسة وطنية للعلوم والتقنية من أعلى المستويات الرسمية، مشيراً الى أن مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية ووزارة التخطيط تقومان في الوقت الحالي وبالتعاون مع الجهات المعنية ببدء العمل في اعداد المرحلة الأخيرة الخاصة بتحديد الآليات والوسائل والاجراءات التنفيذية اللازمة لضمان وضع توجهات السياسة الوطنية موضع التنفيذ وذلك من خلال اعداد استراتيجيات تفصيلية متكاملة تحدد المسارات الوطنية الدقيقة لتطوير جميع المجالات العلمية والتقنية ذات الأولوية للتنمية، ينبثق عنها برامج ومشروعات يتم اعدادها ضمن اطار الخطط الخمسية للتنمية ومنهجيتها ومواردها، ويتم ادراجها في الخطط التشغيلية للجهات ذات العلاقة، لضمان اتسـاقها ومتـابعة تنفيذهـا.

وأعرب عن أمله أن تكون هذه السيـاسة ملبية لما يتطلع اليه قادة المملكة على مسار التنمية العلمية والتقنية الشاملة، وذلك تعزيزًا لما تعيشه البلاد من استقرار ورفاهية اجتماعية وازدهار اقتصادي.

وتكتسب السياسة الوطنية للعلوم والتقنية في المملكة العربية السعودية أهميتها اليوم من أنها جاءت لحشد القدرات العلمية والتقنية الوطنية وتوجيهها لدعم مسيرة التنمية المستقبلية الشاملة في مجابهة تحديات القرن الحادي والعشرين التي يعد البعض منها ناتـجـا عن ظروفٍ ومستجدات محلية، ويعود بعضها الآخر الى المتغيرات الاقليمية والدولية والتطورات العلمية والتقنية المعاصرة، الأمر الذي يتطلب التعامل مع تلك التحديات بايجابية وفعالية من أجل التعرف على الفـرص الواعدة التي تتيحها، ومن ثم استثمارها وتوظيفها، وتدارك المخاطر المترتبة عليهـا واستنفـار القدرات والامكانات الوطنية لمواجهتها والتعامل مع معطياتها.

فعلى المستوى المحلي، تمثل الزيادة الكبيرة في أعداد القوى العاملة السعودية نتيجة لارتفاع معدل النمو السكاني خلال العقدين القادمين، والتزايد المستمر في نسبة اسهام المرأة في سوق العمل، واحدا من التحديات الهامـة التي ستواجهها المملكة خلال العقدين القادمين، والتي تستوجب معالجات خاصة لانعكاساتها المؤثرة على سياسات العرض والطلب على القوى البشرية العلمية والتقنية، وبالتالي على التوجهات المستقبلية للسياسة.

* المياه.. التحدي الأكبر

* ومن أهـم وابرز التحديات التي ستواجه المملكة خلال العقدين القادمين، بحكم ظروفها المناخية والبيئية، ندرة المياه العذبة، حيث سيزداد بشكل كبير الاعتماد على محطات تحلية المياه المالحة في توفير تلك المياه، الأمر الذي سيترتب عليه تكاليف مادية باهظة نتيجة للاعتماد شبه الكامل على المصادر الأجنبية لتقنيات التحلية في ظل غياب المدخلات الوطنية الفعّالة في عمليات الصيانة والتطوير لتلك التقنيات، وهو ما يتطلب الاستثمار المركز في أبحاث وتطوير تقنيات تحلية المياه ومعالجتها وتنمية صناعتها محليـاً.

اضافة الى ذلك فان حاجة المملكة الى الاستمرار في تدعيم وجود نظام دفاعي وأمني واقٍ، والى التطوير المستمر للقدرات الدفاعية الذاتية باعتباره واحدا من أهم الأسس الاستراتيجية للتنمية، يستدعي الاعتماد المتزايـد على القدرات والامكانات الوطنية للعلوم والتقنية، وضرورة استجابة وتلبية المنظومة للاحتياجات والمتطلبات العلمية والتقنية المختلفة لقطاعي الأمن والدفاع بالكفاءة المطلوبة. كما أن توجهات المملكة الاستراتيجية نحو الارتفاع بمستوى كفاءة استغلال النفط والغاز والثروة المعدنية تلقي أيضـا أعباءً وتحديات أخرى على المنظومة التي ينبغي لها أن تسهم بفعالية فـي دعـم تنويع وتوسيع القاعدة الاقتصادية الوطنية.

* عولمة التقنية

* أما على المستوى الدولي، فستشكل العديد من المتغيرات والمستجدات خلال العقدين القادمين تحديات أخرى للمملكة; فالتوجه العالمي نحو عولمة بعض نشاطات العلوم والتقنية، من خلال تبني وتنفيذ برامج ومشاريع مشتركة في العلوم والتقنية بين الدول والمؤسسات والأفراد، أو بالاستثمار المباشر في الدول الأخرى «مثل انشاء مراكز البحث والتطوير»، أو من خلال نقل بعض نشاطات البحث والتطوير التابعة للشركات المتعددة الجنسيات الى مناطق من العالم تتمتع بمزايا نسبية. وتستدعي كل هذه المسارعة في وضع السبل الكفيلة للاستفـادة البشرية والمادية المثلى مــن تلك الاتجاهات واستغلالها بما يدعم التطور العلمي والتقني المنشود للمملكـة.

كما أن الانطلاقة التقنية الهائلة التي انتقلت باقتصاديات الدول المتقدمة من الاقتصاد الصناعي التقليدي المؤسس على صناعات المواد الخام، الى اقتصاديات المعرفة والمتمثل في تقنيات المعلومـات والاتصالات ـ التي تعد ذات قيمة مضافة عالية للاقتصاد، وموردا متجددا ومتزايد الأهمية، على عكس الموارد الطبيعية القابلة للنضوب ـ تشكل تحديا جديدا للمنظومة الوطنية في المملكة. فقد أتاحت تلك التقنيات في الماضي القريب وستتيح مستقبلاً فرصـا متعددة للانطلاق السريع غير المتدرج لبعض الدول النامية مما يجعلها تمثل فرصـا واعدة حقيقية للمملكة لارساء قاعدة صناعية معلوماتية وطنية، وبناء المجتمع المعلوماتي المنشود.

ومن المتغيرات الدولية التي ستبرز حدتها خلال العقدين القادمين زيادة التنافس الصناعي والتجاري الدولي، الأمر الذي تتضاعف أهميته في ظل اندماج الاقتصاد السعودي في منظومة الاقتصاد العالمي والانضمام المرتقب لمنظمة التجارة العالمية وما يسفر عنه من منافسة حادة للمنتجات السعودية في الأسواق المحلية والعالمية، مما يضع القطاعات الانتاجية والخدمية في المملكة أمام تحدٍ تنافسي كبير، لا يمكن تجنبه الا بتنمية وتطوير القدرات الذاتية للعلوم والتقنية على وجه التحديد، في ظل تراجع أهمية المزايا النسبية لتوفر المواد الأولية.

ويؤكد الدكتور الرشيد أن تلك الاتجاهات العالمية وغيرها ستشكل تحديات كبرى لاقتصاد المملكة خلال العقدين المقبلين، مما يتطلب تقوية القدرات العلمية والتقنية الوطنية وتعزيزها، وتطوير مجالات جديدة وحيوية للمملكة تعتمد على العلوم والتقنية في تنميتها وذلك من خلال اعداد سياسة وطنية للعلوم والتقنية تقوم على أساس التوجهات والأهداف الاستراتيجية للتنمية الوطنية، وتجسد رؤية استراتيجية واضحة وشاملة بعيدة المدى تعمل على تحديد الأولويات ورسم التوجهات المستقبلية للمنظومة الوطنية للعلوم والتقنية والابتكار، وتحقيق الاستثمار الأمثل للموارد المتاحة للمملكة فهناك تقنيات استراتيجية هامة بالنسبة للمملكة لا بد أن تكون لها الأهمية البالغة التي تكفل السيطرة عليها وطنيـا، مثل تقنية تحلية المياه، وبعض التقنيات المتعلقة بالدفاع، والغذاء، وتأمين استمرارية عجلة الصناعات الأساس كالبتروكيميائيات. كما أن هناك تقنيات جديدة تكمن فيها فرص واعدة وحيوية، يمكن للمملكة اعتماد بعضها ضمن محاور نشاطاتها الانتاجية والخدمية المستقبلية، مثل الالكترونيات والاتصالات والمعلومات، والمواد الجديدة، وتقنيات الفضاء، والتقنيات الحيوية، خاصة ما يتناسب منها مـع ميـزات المملكة، ويحقق طموحاتها المستقبلية.

ويوضح نائب رئيس مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية لدعم البحث العلمي أن السياسة الوطنية للعلوم والتقنية في المملكة العربية السعودية التي تم اقرارها من مبادئ وأسس تنطلق منها في رسم توجهاتها، ومن غـايات وأهداف عـامة وأسس استراتيجية تشكل العناصر الرئيسة لها، لتأتي هذه السياسة متسمة بالشمول والتكامل، ومعبرة عن التوجهات الاستراتيجية الأساسية للدولة التي تضمن تواصل واستمرارية الجهد التنموي لتطوير العلوم والتقنية والابتكار، وتوفر في الوقت نفسه اطارا تستمد منه الأولويات والسياسات التي تناسب كل مرحلة من مراحل التخطيط لتنمية وتطوير منظومة العلوم والتقنية والابتكار في المملكة.

* غايات بعيدة المدى

* ويشير الدكتور الرشيد بأن تنطلق السياسة الوطنية للعلوم والتقنية تنطلق في سعيها نحو بلوغ غـايات المملكة بعيدة المدى في مجالات العلوم والتقنية من المبادئ والقيم والتعاليم الاسلامية التي تحث على العلم والتعلم واتقان العمل وعمارة الأرض، كما تستند الى التراث الثقافي العربي الاسلامي العريق للمجتمع السعودي، وبذلك تؤكد هذه المنطلقات على الرصيد الحضاري للمملكة مما يؤهلها ـ بهدي القيم الاسلامية ـ للمشاركة بفعالية في بناء الحضارة الانسانية المعاصرة والاسهام في تطويرها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، تؤكد هذه المنطلقات على أهمية الوعي بالتحديات التي تنطوي عليها التحولات والمتغيرات العالمية المعاصرة والمستجدة، وضرورة حشد الامكانات والقدرات الوطنيـة لمواجـهتهـا وادراك الفرص التي تتيحها واستيعابها واستغلالها بالسرعة المطلوبة. وهي تركز في هذا الاتجاه على أهميـة تعزيز دور العلـوم والتقنيـة فـي التنميـة المستدامة للمملكة والتي تزخر بثروات طبيعية ضخمة من النفط والغاز والمعادن، وبقدرات بشرية علمية وتقنية متزايدة، اضافة الى ما تتمتع به من موقع جغرافي استراتيجي.

* أهداف عامة لسياسة العلوم

* وتتمثل الغايات الأساس للسياسـة الوطنية للعلوم والتقنيـة فـي:

تحقيق التطور العلمي والتقني، الموجه الى المحافظة علـى الأمن الوطني الشامل، عقيدة ولغة وثقافة وأرضا، بما فيها من ثروات وموارد طبيعية.

ـ خدمة التنمية الـشـاملة المتوازنـة المستـدامة.

ـ رفع مستـوى معيـشـة المواطـن وتحسين نوعية حياتـه.

ـ الاسهام في بناء حضارة انسـانيـة تشع فيها القيم الاسلامية بمثلها الأخلاقية الرفيعة.

أمـا الأهداف العامة للسياسة الوطنية للعلوم والتقنية التي تعبر عن المبادئ والتوجهات العامة للدولة على المدى البعيد، فقد جاءت مع الأسس الاستراتيجية المنفذة لها لتعكس أبرز القضايا والمستجدات المحلية والدولية التي يتوقع أن يزخر بها الواقع التنموي للمملكة خلال العقدين المقبلين.. حيث تبنت السياسة عشرة أهـداف عـامة منسجمة مع توجهات خطط التنمية الوطنية، تتلخص في الآتي:

ـ العناية باعـداد القوى البشرية في مجالات العلوم والتقنية.

ـ رعاية البحث العلمي بما يفي واحتياجات الأمن الوطني الشامل والتنمية المستدامة.

ـ دعم وتنمية القدرات التقنيـة الوطنية في القطاعات المختلفة.

ـ التطوير المستمر للأنظمة المعنية بالعلوم والتقنية وتنسيقها.

ـ تعزيز التعاون العلمي والتقني مع العالم الخارجي.

ـ تعزيز الأنشطة والخدمات المساندة للعلوم والتقنية.

ـ الاستثمار الأمثل للمعلومات وتقنياتها بما يواكب التوجه نحو اقتصاد المعرفة.

ـ تسخير العلوم والتقنية للمحافظة على الموارد الطبيعية وحماية البيئة وتنميتها.

ـ ايجاد الوعي لدى أفراد المجتمع بأهمية وجدوى العلوم والتقنية.

ـ التركيز على توطين وتطوير تقنيات المعلومات.