هيكل عمراني جديد لرسم مستقبل العاصمة السعودية خلال الخمسين عاما المقبلة

إنشاء 4 مراكز حضارية جديدة موزعة على أطرافها الأربعة وتستوعب 6 ملايين نسمة

TT

تتجه الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض نحو إعادة تشكيل الهيكل العمراني للعاصمة السعودية عبر تحويلها بشكل تدريجي في المستقبل من مدينة ذات مركز حضاري آحادي تتمحور حوله كل الخدمات والمرافق والمنشآت، إلى مدينة ذات مراكز حضارية متعددة وموزعة في الأطراف الأربعة، وتتمتع بكثافتها العمرانية العالية واجتذابها لمراكز العمل والنشاط الاقتصادي والتجاري، إضافة إلى توفرها على المرافق الخدمية والمتطلبات الترويحية والثقافية والاجتماعية لحوالي 1.5 مليون نسمة في كل من مركز من هذه المراكز يبلغ قطره نحو 20 كم.

وتسعى الهيئة من خلال هذا المشروع الذي تعتبره الحل الأمثل للوضع الحالي في العاصمة السعودية، إلى استيعاب متطلبات النمو في مجال العمل والنمو الاقتصادي ومتطلبات السكان الجدد في مجال الخدمات والمرافق العامة وإعادة النمو المتوازن داخل أطراف المدينة المختلفة ضمن برامج المخطط الاستراتيجي الشامل الذي وضعته الهيئة لرسم مستقبل العاصمة السعودية خلال الخمسين سنة المقبلة.

وأقر الاجتماع الأخير لهيئة تطوير الرياض برئاسة الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض، رئيس الهيئة، مواقع المراكز الحضرية الجديدة في مدينة الرياض التي ستنشأ في أطراف الرياض وتساهم في تحقيق الترابط بين مناطق العمل والمناطق السكنية عبر زيادة إمكانية سرعة الوصول في الحركة بين هذه المناطق، وتخلق مناطق عمل جديدة في منطقة مطار الملك خالد الدولي والمناطق الصناعية في الجنوب الشرقي والشمال الغربي وعلى امتداد الطرق الرئيسية الواقعة في المراكز الجديدة.

وكشف المهندس عبد اللطيف بن عبد الملك آل الشيخ عضو الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض رئيس مركز المشاريع والتخطيط بالهيئة، أن أحد أهم الأسباب التي دفعت الهيئة إلى اختيار مبدأ المراكز الحضرية الفرعية كأحد عناصرها الاستراتيجية في تطوير العاصمة السعودية، هو تفاقم مجموعة من المظاهر السلبية والإشكالات التي تعانيها المدينة والناتجة عن تشكلها على مبدأ المركز الأحادي، وتأتي في مقدمتها كثافة الحركة المرورية حيث يضطر سكان المدينة لقطع مسافات تتباعد مع ازدياد توسع المدينة بين منازلهم ومقرات أعمالهم أو بين منازلهم ومراكز التسويق والترفيه في المدينة.

وبين أن الدراسات تشير إلى أن سكان مدينة الرياض يقومون بحوالي 5.5 مليون رحلة يوميا داخل الرياض. ومع غياب وسائط النقل العام والاعتماد على السيارة الخاصة ازدادت كثافة الحركة المرورية على محاور الطرق الرئيسية وأصبحت الاختناقات المرورية في أوقات الذروة ظاهرة يومية مألوفة، وتبعت هذا الوضع مظاهر سلبية أخرى تمثلت في ازدياد مظاهر التلوث الكيميائي والضوضاء.

وبين المهندس آل الشيخ أنه في ظل نمو المدينة المستقبلي وزيادة عدد سكانها، فإن وسط المدينة ومحاورها الاقتصادية الحالية ستكون غير قادرة على تلبية احتياجات هذا النمو في توفير فرص العمل ومتطلبات الحياة اليومية، فضلا عن عدم قدرتها على استيعاب متطلبات سكان المدينة الحالية، مشيراً إلى أنه المساحة العمرانية المطورة إذا كان كانت لا تتجاوز 1000 كم ويعجز مركزها الرئيسي وأعصاب أنشطتها عن استيعاب متطلباتها، فإن المشكلة ستكون أكبر مع ازدياد حجم المدينة ووصول مساحتها المطورة الى حوالي 2900 كم مع حلول عام 2022 مما يستدعي وضع استراتيجية فعالة تتجاوز سلبيات هذا الوضع.

* تقسيمات جديدة

* ويتضمن مشروع المراكز الحضرية الفرعية الجديد، جعل المنطقة الحضرية الحالية في وسط المدينة مركزة النمو بكثافات متوسطة إلى مرتفعة بوجه عام وذلك عن طريق التطوير الكامل للأراضي البيضاء الحالية القابلة للتطوير وإعادة التجديد العمراني لها مع مراعاة المحافظة على القيم التاريخية والثقافية للأجزاء القديمة في المدينة. إلى جانب تجديد منطقة الوسط الذي تتركز فيها معظم المؤسسات الخدمية والعامة والأنشطة التجارية والاقتصادية وذلك، خاص في المنطقة التي تمتد من الوسط إلى الشمال بمحاذاة طريق الملك فهد. بحيث يكون التجديد وفقا لأعلى المستويات، لتتخصص منطقة الوسط في تأدية الوظائف الحكومية والمؤسسية التي تعكس ثقافة وتقاليد المملكة، وتكون العناصر الرئيسية لهذه المنطقة كما يلي: (منطقة قصر الحكم، مركز الملك عبد العزيز التاريخي، منطقة الديوان الملكي ومجلس الوزراء ومجلس الشورى وحي السفارات، متنزه الرياض العام الذي سيتم إنشاؤه من الجزء الغربي من المطار القديم، المباني العامة التي تنتشر على جوانب الشوارع الرئيسية كما توفر المراكز الحضرية الفرعية في أطراف المدينة، مواقع جديدة للأنشطة التجارية المختلفة بالقرب من سكان المناطق الحضرية الفرعية، ويعزز ذلك عزم هيئة تطوير الرياض دعم هذه المراكز بإنشاء مجموعة من الطرق المحورية في تلك المراكز ترتبط بشكل مباشر بمنطقة وسط المدينة الرئيسية وتمتع بفرص إنشاء مراكز طولية على امتداد هذه الطرق للأنشطة والأعمال والخدمات العامة

* شبكة طرق عالمية

* ولكون شبكة الطرق تمثل أهم عنصر من عناصر المراكز الحضرية الجديدة، فإن هذه الشبكة ستكون عبارة عن طرق حضرية خارجية دائرية ومصممة لحركة المرور عالية السرعة لمسافات طويلة مع أقل قدر من التأثيرات على البيئة، كما ستعمل هذه الطرق بمستويات مرتفعة من السلامة والكفاءة، وسيكون من وظائفها نقل حركة المرور بعيدا عن شبكات الطرق الحالية في المدينة لتخفيف الازدحام وتلبية متطلبات المراكز الجديدة.

وتسعى الهيئة في هذا الإطار إلى تطبيق تقنيات إدارة الطلب على التنقل داخل المنطقة الحضرية، بحيث يصبح النقل العام وسيلة نقل رئيسية بديلة في هذه المناطق، وذلك بشكل ينسجم مع حركة النقل في مختلف أرجاء المدينة الأخرى وبالأخص مع الطرق والشوارع الرئيسية التي تخضع حالياً لدراسة متخصصة تجريها الهيئة مع شركة ألمانية لاختيار البديل الأنسب من وسائل النقل العام المختلفة وتشمل القطارات السفلية والسطحية منها، والحافلات الترددية أو الكهربائية، حيث يحجز المخطط الهيكلي للمدينة الذي وضعته الهيئة حرم طريق لخدمات النقل العام المعتزم تنفيذها على امتداد أعصاب الأنشطة (الطرق الرئيسية) في المدينة.

وحددت هيئة تطوير الرياض معايير دقيقة وصارمة لتطوير هذه المراكز شملت ثلاثة عناصر أساسية هي:

1 ـ كثافة التطوير: بحيث يجب أن تصل الكثافة السكانية لأكثر من 40 مسكنا للهكتار الواحد، وأن يوفر المركز ما لا يقل عن 3600 وحدة سكنية كما يخصص نحو 100 ألف متر لتجارة التجزئة و500 ألف متر للمكاتب والأغراض التجارية.

2 ـ ارتفاعات المباني: أن لا يتجاوز ارتفاع المباني السكنية على أربعة أدوار. أما المباني التجارية فقد تصل إلى ارتفاعات عالية وتمتاز بوحدة تصميمية متناسقة.

3 ـ استعمالات الأراضي: أن لا تقل مساحة المركز عن 200 هكتار تطبق فيها مفاهيم مبتكرة في التكامل بين الأنشطة والمرافق السكنية ووفقا لذلك يسمح بالاستعمالات المختلطة للأراضي باستثناء الأنشطة الخطرة كمحطات الوقود أو غير الملائمة كورش السيارات كما ينبغي الالتزام بالمساحات المعتبرة للوظائف اللازمة في المركز.

* نمط عمراني جديد

* وفي ما يخص النمط العمراني لهذه المراكز، فإنه سيعتبر في تصميم كل مركز منها، أن تشكل بنيته العمرانية بوابة للمدينة في الجهة التي يقع فيها، وأن يعكس تصميم المعالم المكانية للمركز، وأن يتوافق النمط العمراني مع العمران الحديث ومبادئ العمارة التقليدية ويتجاوب مع المستحدثات التقنية والارتقاء الثقافي الحالي والمستقبلي، كما ينبغي أن تشكل مباني المركز في مجملها نسيجا موحدا مميزا بصريا متعدد النواحي الجمالية، وأن يراعى الارتفاع التدريجي بين المباني السكنية والمكاتب التجارية المرتفعة، وإيلاء عناية خاصة بالاعتبارات المهمة في حياة المجتمع وفي مقدمتها شعائر الإسلام ومن ذلك تيسير إقامة الصلوات الخمس في الأماكن العامة والخاصة، ومراعاة الخصوصية الاجتماعية ونمط العائلة الكبيرة وعلاقات الجوار الإسلامية التي ينبغي أن يساعد التصميم على نشوئها بين سكان الحي والعاملين فيه ومراعاة متطلبات الحركة والتنقل بين الحيزين العام والخاص، وتأمين سلامة ممرات المشاة والأمن الداخلي في الحي.

ويشترط أيضاً أن يستجيب التصميم للظروف المناخية الصعبة وأن يتوافق مع البيئة ووضع الاعتبار لمتطلبات الراحة في الجو الصحراوي في المناطق المفتوحة وممرات المشاة وأماكن التجمعات العامة.

ومن بين أهم الأجزاء التي ستتضمنها المراكز الحضرية الجديدة في الرياض، المناطق المفتوحة التي ستحتضن الأنشطة الإنسانية والفعاليات الاجتماعية، وتتوفر على متطلبات السلامة وسهولة الاستخدام من قبل جميع السكان والزوار بما في ذلك ذوي الاحتياجات الخاصة، ومن ذلك ممرات المشاة والمرافق العامة، كما ستتوافق مع المتطلبات الاجتماعية، وتوصي الهيئة بأن تتوفر في كل مسكن منطقة مفتوحة تحقق الانفتاح على البيئة الطبيعية وتتوافق مع الضوابط المطلوبة في حقوق الجار والخصوصيات.

كما ستكون أعمال التشجير والرصف وتنسيق المواقع في هذه المراكز وفقاً لأعلى مستوى من الجودة بحيث تكون سهلة الصيانة ومتوافقة مع الظروف البيئية ومحققة للأهداف الأخرى مثل متطلبات حركة المشاة والعلاقات الاجتماعية.

وستخضع اللوحات الإعلانية في المراكز الحضرية لمحددات أساسية لهذا النشاط تلافيا للسلبيات التي تصحبه عادة، ومن ذلك أن تتوافق الوسائل الإعلانية مع المباني وحجمها وتصميمها، وأن تضيف إلى الجمال القائم، كما ينبغي ألا تؤثر على حركة المشاة والمرور وأن تراعى فيها اعتبارات السلامة المرورية، وأن تكون الكثافة الإعلانية ضمن نطاق محدد لا يجعلها تطغى على بيئة المكان.

* اعتبارات صارمة

* كما ستوضع في هذه المراكز أيضاً، اعتبارات صارمة لتشجيع السكان على المشي واعتباره وسيلة رائجة تنافس السيارة، ومنها الفصل الكامل بين حركة المشاة وحركة المركبات وتكامل شبكة المشاة بحيث تتوفر للسكان بواعث الحركة بين المنزل ومقر العمل ومراكز التسوق والترفيه والخدمات العامة. وأن تراعى جميع الفئات العمرية خصوصا الأطفال وعربات الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، وأن تجهز ممرات المشاة بأماكن الجلوس وجمع النفايات ومصادر مياه الشرب والتظليل المناسب واللوحات الإرشادية الكافية.

كما ستكون اعتبارات السلامة المرورية وسهولة الحركة في مقدمة متطلبات تصميم الطرق المحلية في المراكز الجديدة، حيث ستتضمن عوامل الحد من التلوث الكيميائي والضوضائي المنبعث من السيارات وستتضمن حلولا دقيقة لالتقاء طرق السيارات بحركة مرور المشاة، كما ستكون هذه الطرق ضمن المناطق المفتوحة من حيث التشجير وتنسيق المواقع والإضاءة العامة، وستكون مواقف السيارات ذات الأدوار المتعددة أو في أقبية المباني الخيار المفضل لمواقف السيارات، كما ستتوافر في شبكة الطرق متطلبات النقل العام الذي يفترض أن يشكل عنصرا أساسيا في حركة النقل داخل المركز بدلا من السيارة الخاصة، وستولى عناية خاصة بحركة المرور الخادمة كسيارات الشحن والخدمات العامة ومتطلبات حركة الدفاع المدني.

أما في ما يتعلق بالبنى التحتية، فإنه سيتم تطوير أساليب مبتكرة في مجال الخدمات والبنى التحتية كالكهرباء والهاتف والمياه والصرف الصحي وفقا لمبادئ التنمية المستدامة، وسيعتبر في هذه الشبكات مرونتها من حيث التوسع المستقبلي وسهولة الصيانة وعدم تأثيرها على الأنشطة الأخرى وعدم تأثير محطاتها على البيئة العامة للمركز بحيث لا تظهر للعيان. كما ستتجانس الكتل العمرانية مع المظاهر الطبيعية لمواقع هذه المراكز، حيث سيتم تجنب الإخلال بتكوينات المكان الطبوغرافية وخصوصا الوديان والشعاب ومجاري السيول وسيكون التطوير العمراني متوافقا مع تنظيمات حماية البيئة والمظاهر الطبيعية ومصادر التلوث والحد منها.