أنظمة الحكم منعطف في المؤسسة الداخلية.. وسياسة خارجية تحظى باحترام وتقدير

TT

في خطابه التاريخي الذي قدم به خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز صدور النظام الأساسي للحكم ونظام مجلس الشورى والمناطق، قال «في التاريخ الحديث تأسست الدولة السعودية الأولى منذ أكثر من قرنين ونصف القرن على ظهور الإسلام، على منهاج واضح في السياسة والحكم والدعوة والاجتماع، وهذا المنهج هو الإسلام عقيدة وشريعة» تتوافق هذه التأكيدات مع التطورات السياسية الداخلية والخارجية التي شهدتها السعودية منذ تولي الملك فهد الحكم. ويجمع المراقبون على أن صدور الأنظمة الثلاثة كان بمثابة منعطف تاريخي في تركيبة المؤسسات السياسية الداخلية للسعودية.

وأصدر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز في اغسطس (آب) 1993 أربعة أوامر ملكية تشمل: نظام مجلس الوزراء يحل محل نظام مجلس الوزراء الصادر في 1377هـ، وتعيين أعضاء مجلس الشورى الستين، واللائحة النظامية لمجلس الشورى، وتحديد مدة شغل من يعين في مرتبة وزير أو المرتبة الممتازة لمدة أربع سنوات.

وشكل صدور هذه الأنظمة استكمالا للتنظيمات، وبها تدخل السعودية مرحلة جديدة، حددت فيها آليات المرحلة المقبلة ووضعت التنظيمات التي تكفل تحقيق الأهداف التي خطط لها. وحدد نظام مجلس الوزراء الجديد مدة المجلس بفترة لا تزيد عن أربع سنوات يتم خلالها إعادة تشكيله بأمر ملكي. وفي حالة انتهاء المدة قبل اعادة تشكيله يستمر في أداء عمله حتى اعادة التشكيل.

فيما شملت قائمة أسماء أعضاء مجلس الشورى، الذي سيعمل وفقا لنظامه الأساسي الصادر في مارس (آذار) من العام الماضي، رموزا تمثل مختلف فعاليات المجتمع السعودي، من مثقفين وحملة شهادات عليا ومفكرين ورجال أعمال ووكلاء وزارات وعسكريين سابقين وصحافيين.

ونص النظام الجديد لمجلس الوزراء، الذي يتكون من 23 مادة، على أن يحاكم أعضاء مجلس الوزراء عن المخالفات التي يرتكبونها في اعمالهم الرسمية بموجب نظام خاص يتضمن بيان المخالفات وتحديد اجراءات الاتهام والمحاكمة وكيفية تأليف هيئة المحكمة. واشتمل النظام الجديد على نص يبين أنه لا يجوز للحكومة أن تعقد قرضا إلا بعد موافقة مجلس الوزراء وصدور مرسوم ملكي بذلك، كما أن المجلس يدرس ميزانية الدولة ويصوت عليها فصلا فصلا وتصدر بموجب مرسوم ملكي، وكل زيادة يراد احداثها على الميزانية لا تكون إلا بموجب مرسوم ملكي، ويرفع وزير المالية والاقتصاد الوطني الحساب الختامي للدولة عن العام المالي المنقضي إلى رئيس مجلس الوزراء لاحالته إلى المجلس لغرض اعتماده.

ووفقا للنظام الجديد لا يجوز لعضو مجلس الوزراء الجمع بين عضوية المجلس وأي وظيفة حكومية أخرى الا إذا رأى رئيس المجلس ضرورة لذلك كما لا يجوز لعضو المجلس أن يشتري أو يستأجر مباشرة أو بالواسطة أو المزاد العام أيا كان من أملاك الدولة، ولا يجوز بيع او ايجار أي شيء من املاكه للحكومة وليس له مزاولة اي عمل تجاري او مالي او قبول العضوية لمجلس ادارة اي شركة. وبين الأمر الملكي أن اختصاصات مجلس الوزراء هي رسم السياسة الداخلية والخارجية والمالية والاقتصادية والتعليمية والدفاعية وجميع الشؤون العامة للدولة ويشرف على تنفيذها، كما أنه ينظر في قرارات مجلس الشورى وله السلطة التنفيذية وهو المرجع للشؤون المالية والادارية في سائر الوزارات والاجهزة الحكومية الأخرى.

وشملت الأوامر الملكية اللائحة الداخلية لمجلس الشورى ولائحة حقوق أعضاء مجلس الشورى وواجباتهم، وقواعد تنظيم الشؤون المالية والوظيفية لمجلس الشورى، وقواعد التحقيق والمحاكمة لعضو مجلس الشورى وإجراءاتها. ويعقد مجلس الشورى جلسة عادية كل أسبوعين على الأقل ويحدد الجلسة وموعدها بقرار من رئيس المجلس وله تقديم الجلسة أو تأجيلها إذا دعت الحاجة لذلك. وبين نظام قواعد التحقيق والمحاكمة لعضو مجلس الشورى بأنه إذا أخل عضو المجلس بشيء من واجبات عمله يعاقب بإحدى العقوبات; توجيه اللوم كتابة، حسم مكافآة شهر أو إسقاط العضوية.

ووعلى الصعيد الخارجي، تبرز السعودية كدولة تحظى باحترام على الصعيد الإقليمي والدولي تملك استراتيجية واضحة في سياستها الخارجية، مستندة في ذلك الى ثوابت وأخلاقيات واضحة. ولم يكن ليأتي هذا الموقع المؤثر والاحترام الذي تحظى به الرياض من فراغ بل كان نتيجة سياسة حكيمة ومسؤولة وضع دعائمها الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ وتمسكك بها أبناؤه من بعده، وعمل خادم الحرمين الشريفين على تكريسها كممارسة يومية في السياسة السعودية وتعاطيها مع القضايا العربية والشؤون والتطورات الإقليمية، وتتلخص هذه الثوابت والمبادئ:

أولا: الموقف الصارم والحازم الذي يدافع عن القضايا العربية العادلة، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية باعتبارها القضية العربية المركزية، فالسعودية لم تتوان يوما عن دعم الشعب الفلسطيني ومساعدته في جهاده من أجل حقوقه الشرعية في أرضه ودولته. وفي مقابل ذلك اتسم الموقف السعودي بالوضوح تجاه السياسات الإسرائيلية، حيث ربطت موقفها من مبدأ «التطبيع» بالتوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية والنزاع في منطقة الشرق الأوسط على جميع المسارات.

ونقل عن الملك فهد في أحاديث صحافية، قوله: «إنني على اقتناع تام بأن السلام الشامل والعادل الذي تنشده جميع الدول العربية وتؤيده جميع الدول المحبة للسلام في العالم، لن يتحقق ما لم يؤخذ بعين الاعتبار الانسحاب الإسرائيلي من كافة الأراضي العربية التي تحتلتها إسرائيل بالقوة، وفي مقدمتها القدس، وما لم يتمتع الشعب الفلسطيني بحقه في تقرير مصيره وحقه في الاستقلال والسيادة».

ثانيا: المرونة وبعد النظر في تعزيز التضامن العربي ونبذ الفرقة والارتقاء فوق الخلافات والتجاذبات بين الدول العربية مهما كانت أسبابها، إذ يبدو واضحا أنه يندر أن تكون السعودية طرفا في أي نزاع، بل كانت غالبا الطرف الوسيط الذي حاول رأب الصدع والجمع بين المتنازعين وإزالة النزاع وتغليب المصلحة المشتركة. وهنا يقول الملك فهد أيضا: «إن سياستنا الإقليمية مبنية على أن تكون الروابط الاقتصادية ـ بعد الرابطة الإسلامية الأساسية ـ محكا كبيرا بين دول المنطقة لأنها من أفضل الروابط التكافلية التي تؤدي إلى التزام الإدارات السياسية بمصالح شعوبها، كما أننا نرى أن يكون هناك تعاون اقتصادي بين الدول العربية، بشكل منسق ومتفق عليه ضمن أصول الرعاية المتكاملة لشعوب المنطقة».

ثالثا: دعم الدول العربية والوقوف إلى جانبها لتجاوز مشاكلها الداخلية، وأبرز دليل على ذلك الموقف السعودي من المشكلة اللبنانية ورعاية البلاد في عهد الملك فهد بن عبد العزيز مؤتمر الطائف الذي شكل دستورا للبلاد.

ولم يقف الأمر عند اللبنانيين بل ترجمت السعودية مواقفها تجاه هذه الثوابت رقميا، إذ بلغ حجم المساعدات التي قدمتها للدول العربية 22 مليار ريال خلال خطط التنمية في صورة مساعدات للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في هذه الدول ودعم لجهودها من أجل الأمن والسلام الداخلي والاستقرار الاجتماعي. رابعا: دعم مشروع مجلس التعاون الخليجي منذ إعلان قيامه، إذ كانت السعودية أولى الدول التي فتحت مساهمتها لأبناء دول المجلس في اكتتاب أكبر شركة بتروكيماوية في العالم وهي الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)، ليقينها أن الالتصاقات المالية بين الدول هي من أقوى الالتصاقات السياسية والدولية.

وهنا تسجل وقفة للموقف الصلب الذي اتخذته الملك فهد بن عبد العزيز إبان غزو العراق لدولة الكويت، فقد كان لهذ القرار مرتكز لتجميع الصف العربي والإسلامي خلف القرارات الدولية التي مهدت لعملية عاصفة الصحراء وتحرير الكويت.

خامسا: مثلت خدمة الإسلام والمسلمين اعلى قائمة اهتمامات الملك فهد بن عبد العزيز منذ توليه الحكم، إدراكا منه للمسؤولية الإسلامية التي تقع على عاتق بلاده فهي مهبط الوحي ومهد الرسالة وحاضنة بيت الله والكعبة المشرفة. ومن هذه الزاوية انطلقت السعودية في دعمها للدول الإسلامية وتجمعاتها فقدمت يد المساعدة للأقليات المسلمة ماديا ومعنويا وخصصت مليارات الريالات لدعم انشاء المساجد والجمعيات الإسلامية.

ويلخص الملك فهد بن عبد العزيز مواقفه ومواقف بلاده تجاه العالم الإسلامي بقوله: «نحرص على تحقيق آمال الأمة الإسلامية في التضامن وتوحيد الكلمة، إن علاقتنا مع بالعالم الإسلامي هي علاقة أخوة ومحبة وسوف نمد أيدينا مثلما مدوا أيديهم إلينا ونعتبر علاقتنا معهم هي علاقة متينة في أي مكان سواء كانت دولا أم ملايين من البشر».

سادسا: رسمت السعودية ومنذ عهد الملك عبد العزيز، وطبقها الملك فهد، سياسة دولية كلاعب مؤثر في الساحة الدولية منطلقة من ثوابت عديدة أبرزها: الإيمان بالسلام العادل والمساواة والمصالح المتبادلة بين الدول.