الملك فهد والقضية الفلسطينية... تكريس المنهج السعودي (العملي والعلني)

TT

ثمة اتفاق بان خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز كرس منهجا واضحا تجاه السياسة السعودية تجاه القضية الفلسطينية. وهي سياسة لا تتخفى وراء الستار، بل هي برنامج عملي علني يستمد نهجه منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز.

ولهذا فان كل مراقب يرغب في تقليب دفاتر التاريخ ليقرأ الملف الفلسطيني في السياسة السعودية، يجد مجموعة من الاهداف الواضحة التي عملت الحكومة السعودية على تحقيقها باعتبارها جملة من المسؤوليات اضطلعت بها في مواقفها الثابتة نحو القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها منذ عهد الملك المؤسس عبد العزيز حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، ومن ابرز تلك الاهداف:

اولا: تحقيق تطلعات وطموحات الشعب الفلسطيني في العودة الى ارضه واقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني.

ثانيا: دعم الصمود الفلسطيني ونضاله الوطني والتعريف بالقضية الفلسطينية وعدالتها على مختلف الاصعدة والاوساط.

ثالثا: كسب تأييد الرأي العام العالمي لها ودعم القضية الفلسطينية في المحافل الدولية.

رابعا: دعم العمل الوطني الفلسطيني ومعارضة مخططات طمس الهوية الفلسطينية والوقوف ضد تلك المخططات.

خامسا: دعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والدفاع عنها وتقديم كافة أشكال الدعم السياسي والمادي.

سادسا: تبني قضية القدس ومناصرتها بكل الوسائل.

سابعا: تبني التوجهات الفلسطينية نحو سبل حل قضيتهم ودعم تلك التوجهات.

ثامنا: استضافة آلاف الفلسطينيين وتأمين سبل الحياة الكريمة لهم واستثمار الظروف الدولية المواتية لمفاوضات تؤمن الوصول الى الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

وتبعا لذلك كله، تبنت السعودية القضية الفلسطينية واعتبرتها قضيتها الاولى وأهم المحاور الرئيسية في سياستها الخارجية. ووقفت السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين بكل صدق ومسؤولية جنبا الى جنب مع أشقائها الفلسطينيين تدعمهم وترعاهم وتدافع عن قضيتهم وحقوقهم السليبة وتساندهم في مختلف المحافل عربيا واسلاميا ودوليا. واستضافت السعودية الافا من أبناء الشعب الفلسطيني على أراضيها وهيأت لهم سبل العيش الكريم والحياة الهانئة المستقرة وهو أمر عبرت به عن مشاعر التقدير والامتنان للجاليات الفلسطينية في البلاد في مناسبات عدة. وانتهجت الحكومة السعودية في عهد الملك فهد بن عبد العزيز اسلوبا فريدا، فلم تغيب مواطنها عن هذه القضية. وبذلك لم يغب المواطن السعودي عن تقديم العون والمساعدة لاشقائه الفلسطينيين ومن أجل تنظيم عملية جمع تبرعات المواطنين السعوديين وايصالها الى قنواته، حيث شكلت لجانا شعبية برئاسة الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض. وتواصل عمل تلك اللجان حتى يومنا هذا للاضطلاع بمسؤلياتها على الوجه الاكمل في تقديم التبرعات والمساعدات لدعم النضال الفلسطيني. وعلى صعيد العمل الدبلوماسي بذلت السعودية بتوجيه واشراف من خادم الحرمين الشريفين جهوداً متواصلة من أجل القضية الفلسطينية ونيل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. وقدم خادم الحرمين الشريفين من منطلق مسؤولياته العربية والاسلامية تصورا للتسوية الشاملة العادلة لمشكلة الشرق الاوسط، وهو تصور من ثمانية مبادئ عرف باسم «مشروع الملك فهد للسلام». وقد أطلق على تلك المبادئ في ما بعد مشروع السلام العربي بعد أن تبناها وأقرها مؤتمر القمة العربي الثاني عشر الذي عقد في مدينة فاس المغربية في سبتمبر (ايلول) عام .1982 وحدد المشروع طريقا واضحا تجاه الحل السلمي الممكن في المنطقة. وجاء مشروع السلام العربي كموقف عربي مشترك في اطار سياسة عربية متكاملة برزت وسط التحديات الحادة والشرسة التي تواجه دول المنطقة. ووضع هذا المشروع اطاراً واضحاً للعمل لانه يشكل برنامجا متكاملا للتصور العربي لمفهوم السلام في منطقة الشرق الاوسط ويضبط استراتيجية العمل العربي.

وتكمن أهمية مشروع السلام العربي في انه أخذ بالمبادئ المستوحاة من الشرعية الدولية والتي سبق ان وافق عليها المجتمع الدولي بأسره من جهة وضبطه لمعالم المنهج العملي الكفيل بتنفيذ هذه المبادئ من جهة أخرى. وكان من نتجة ذلك المشروع ان استحق خادم الحرمين الشريفين تقدير العالم أجمع كزعيم عربي مسلم حريص على مصالح أمته العربية والاسلامية يرى بثاقب بصره وبعد نظره وحكمته المعهودة ما يتفق ومصالح أمته فيعمل على الاخذ به والعمل بمقتضاه. أما في ما يتعلق بقضية القدس، فقد تبنت السعودية هذه القضية ووقفت بكل صلابة في مواجهة المؤامرات ضد تلك المدينة ومقدساتها ومحاولات طمس تاريخها الاسلامي واغتصاب اراضيها وتهجير أهلها وصولا الى احداث تغيير ديموغرافي يرجح الكفة اليهودية. وينطلق الموقف السعودي بشأن القدس من اقتناع راسخ بأن القدس هي صلب القضية الفلسطينية التي هي محور الصراع العربي ـ الاسرائيلي. ودعمت السعودية في هذا الجانب. تمسك المواطنين للعرب باراضيهم ومقدساتهم ووقفت الى جانبهم تخفف عنهم وطأة الاجراءات التعسفية التي تمارسها السلطات الاسرائيلية ضدهم. واضطلعت السعودية بجهود دبلوماسية مكثفة على مختلف الاصعدة من أجل القدس وتعاونت فى هذا الشأن مع الدول الاسلامية حتى صدر قرار مجلس الامن الدولي رقم 784 عام 1980 الذي يطالب جميع الدول التي اقامت بعثات دبلوماسية في القدس بسحبها فورا، وهو القرار الذي أجمعت مختلف الاوساط على اعتباره نصرا للدبلوماسية الاسلامية واحباطا لمخطط صهيوني تجاه مدينة القدس.

وحظي وضع مدينة القدس باهتمام بالغ من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز الذي عبر عن ذلك بقوله في احدى المناسبات الاسلامية «ان قضية فلسطين ووضع الاراضي المحتلة وفي مقدمتها القدس ما زالا يحتلان جل اهتمامنا ويستغرقان الكثير من جهودنا ومساعينا». وجسد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ذلك التوجه عمليا حينما أصدر توجيهاته الكريمة في ابريل (نيسان) 1992 بأن تتحمل السعودية كافة نفقات اصلاح وترميم المساجد بمدينة القدس. واستقبل العالم الاسلامي بصفة عامة والشعب الفلسطيني بصفة خاصة قرار خادم الحرمين الشريفين بترحيب بالغ لما يحمله من معان ومضامين تؤكد حرص السعودية على مدينة القدس واثارها الاسلامية، وان هناك قادة مخلصين يواصلون بامانة واخلاص حمل هموم الشعب الفلسطيني والتخفيف منها.

وفي مؤتمر القمة العربي الاستثنائي في القاهرة في اكتوبر (تشرين الأول) 2000 تبنى المؤتمر اقتراح السعودية بانشاء صندوقين برأسمال قدره مليار دولار من اجل المحافظة على الهوية العربية والاسلامية للقدس ولدعم انتفاضة الاقصى المباركة حيث ساهمت السعودية بمبلغ 520 مليون دولار في هذين الصندوقين. كما تكفلت السعودية بدعم الف اسرة فلسطينية من اسر شهداء وجرحى انتفاضة الاقصى. وفي نفس الشهر اصدر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز امره الى أمراء المناطق لفتح باب التبرعات لصندوق القدس لابطال الانتفاضة في فلسطين، انتفاضة القدس.

كما ارسلت السعودية بأمر خادم الحرمين الشريفين الى الضفة الغربية وقطاع غزة متخصصين للمساهمة في علاج المصابين وتقديم المساعدات الطبية لهم واستقبلت المستشفيات السعودية ايضا المصابين الفلسطينيين من جراء الاعتداءات الاسرائيلية حيث نقلتهم للعلاج طائرات الاخلاء الطبي السعودي. وفي المحافل الدولية اضطلعت السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين بدور مميز في اطلاع الرأي العام الدولي على جوهر القضية الفلسطينية وعدالة ومشروعية الحقوق الفلسطينية المغتصبة. وكان الدور السعودي في هذا الشأن مؤثرا للغاية وحقق نجاحات متميزة في دعم الحقوق الفلسطينية على الصعيد الدولي. وكانت السعودية في طليعة الدول التي اعترفت بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة فور اعلانها فقد رحبت بقرار قيام الدولة الفلسطينية وباركته وأعلنت اعترافها التام بها وأقامت السفارة الفلسطينية في العاصمة الرياض هدية للشعب الفلسطيني. وحرصت السعودية على استثمار جميع الفرص والظروف الدولية لصالح القضية الفلسطينية وتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه السليبة. وحينما تهيأت ظروف عربية واقليمية ودولية لمفاوضات سلام تهدف الى انهاء الصراع العربي ـ الاسرائيلي وايجاد حل دائم وعادل وشامل للقضية الفلسطينية اضطلعت بدور مهم للمضي قدما في هذا السبيل الذي يحقق حلولا عملية لقضايا شائكة دامت سنوات طويلة وفقا للشرعية الدولية وانطلاقا من قراري مجلس الامن الدولي 242 و833 ومبدأ الارض مقابل السلام. وجسد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز تطلعاته في هذا الشأن حينما قال في احد تصريحاته الصحافية «ان ما نريده ونتطلع اليه هو ان تتوفر النوايا المخلصة لانجاح هذه المفاوضات بعد أن أثبت قادة الامة العربية انهم دعاة سلام ومحبة وراغبون فى اقرار حالة السلم مع اسرائيل دون تفريط في حقوقهم المشروعة والعادلة».