الملك فهد يسكن بيروت... (وثيقة الطائف) لا ينساها كل اللبنانيين

السعودية وظفت علاقاتها وثقلها الدولي لدعم لبنان من أجل إنقاذ أرواح المدنيين الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ

TT

قال الملك فهد في خطابه التاريخي الى اللبنانيين «نحن لن نتخلى عن لبنان وسوف نكون دائما تحت امرة نواب لبنان وقادة لبنان وشعب لبنان بما يعود على لبنان بالخير. لان الوضع الان ليس مجرد مهمة اديناها وانتهينا منها. فقد تكون هناك بعض الامور اذا رغب ان نساعد ونساهم فيها كدول ثلاث. فانني لا أجد اي مانع يمنعنا أن نساعد فى عمل الخير». «ان بلدكم السعودية سوف تكون دائما معكم في جميع الامور كلها الخارجة عن اعمال اللجنة الثلاثية بما تستطيع ان تؤديه».

(وثيقة الطائف). عبارة لا يخلوا منها اي بيان رسمي لبناني يرغب في التأكيد على الثوابت الشرعية والسياسية في هذا البلد الصغير. بيد انها في المقابل توضح تلك الجهود التي بذلها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز في ملف القضية اللبنانية. لتحمل تلك الوثيقة اسم مدينة من مدن بلاده استضافت ابرز المحطات في التاريخ اللبناني.

ومنذ العام 1975 حمل الملك فهد بن عبد العزيز مسؤولية كبرى في التاريخ اللبناني وبذل جهودا متصلة في سبيل تثبيت الامن والاستقرار في لبنان ودعم الشرعية اللبنانية فجاءت مشاركة السعودية الفعالة في لجنة المتابعة العربية من أجل تحقيق الوفاق الوطني (اللجنة الثلاثية).

وكسياسي متمرس كان خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز يقتنص كل فرصة ليخاطب اللبنانيين قيادات وأفرادا و شعبا ويدعوهم لحقن دمائهم ووقف التناحر القائم بينهم وتوجيه جهودهم الى ما يجمع الشمل ويوثق الصلات ويرسخ روابط المحبة والاخاء وبناء لبنان التآلف والمحبة والوئام. وكانت تلك النداءات تفيض بمشاعر الألم لما يجري على الارض اللبنانية كما تفيض بالمشاعر الصادقة ثم جاء الجهد السعودي المتميز ازاء لبنان عبر قناة اخرى تضاف الى القنوات السابقة على الصعيد الفردي أو التعاون مع الاشقاء والاصدقاء في جهد مشترك لحل المشكلة اللبنانية. عندما شكل مؤتمر القمة العربية الطارئ الذي عقد في الدار البيضاء عام 1989 اللجنة الثلاثية العربية العليا وفوضها بمعالجة الازمة اللبنانية. حيث ضمت اللجنة الملك فهد بن عبد العزيز والعاهل المغربي الملك الحسن الثاني. والرئيس الجزائري السابق الشاذلي بن جديد. وبدأت اللجنة مهامها ومساعيها ليستعيد لبنان عافيته ويواصل دوره العربى والدولي.

وفيما كانت اللجنة قد بدأت اعمالها، توالت نداءات خادم الحرمين الشريفين ومناشدته باسم اللجنة كافة الفرقاء اللبنانيين والجهات المعنية بالقضية اللبنانية ان يكثفوا جهودهم لانجاح الاهداف الخيرة التى يسعى اليها الجميع، مؤكدا ضرورة توصل اللبنانيين الى رؤية موحدة تمكنهم من تحديد مستقبل لبنان وفق الصيغة التي يرونها لتحفظ وحدة لبنان ارضا وشعبا وتضمن له سلاما دائما واستقرارا شاملا. وتوصلت اللجنة عبر جهودها المتواصلة الى منظور خاص لكل الازمة يتضمن مشروع وثيقة للوفاق الوطني. ونجحت جهودها فى تحقيق انجازات مهمة اذ حققت وقف اطلاق النار. وتم عقد اجتماع للبرلمانيين في مدينة الطائف السعودية حيث وفقوا فى اقرار وثيقة الوفاق الوطني.

وتوج الملك فهد بن عبد العزيز جهود بلاده التى اسهمت بها منذ اندلاع شرارة الحرب الاهلية في لبنان بحديثه الى البرلمانيين اللبنانيين بعد أن انهوا اجتماعاتهم في الطائف برئاسة حسين الحسيني. وتوصلوا الى اعداد وثيقة للوفاق الوطني تعيد الى لبنان امنه ومؤسساته الدستورية واجراء الاصلاحات السياسية وبسط سيادة الدولة على كافة التراب الوطني اللبناني.

وقال الملك فهد في خطابه التاريخي الى اللبنانين في ذلك الوقت «نحن لن نتخلى عن لبنان وسوف نكون دائما تحت امرة نواب لبنان وقادة لبنان وشعب لبنان بما يعود على لبنان بالخير. لان الوضع الان ليس مجرد مهمة اديناها وانتهينا منها. فقد تكون هناك بعض الامور اذا رغب ان نساعد ونساهم فيها كدول ثلاث. فانني لا أجد اي مانع يمنعنا أن نساعد فى عمل الخير». واضاف يقول «ان بلدكم السعودية سوف تكون دائما معكم في جميع الامور كلها الخارجة عن اعمال اللجنة الثلاثية بما تستطيع ان تؤديه».

وسجل التاريخ للملك فهد بن عبد العزيز عبر دوره في اللجنة الثلاثية العربية العليا، ان بدأت الحكومة اللبنانية خطواتها في سبيل تنفيذ بنود وثيقة الوفاق الوطني وبخاصة دورها في بسط سلطة الدولة اللبنانية على جميع اراضيها بقواتها الذاتية. واستثمرت السعودية علاقاتها وثقلها الدولي لدعم لبنان حيث تجسد ذلك في الدور الذي قامت به بتوجيهات من الملك خالد بن عبد العزيز. واضطلع به الملك فهد بن عبد العزيز وكان انذاك وليا للعهد في وقف اطلاق النار الذي تم التوصل اليه لوقف الغارة الاسرائيلية الوحشية على بيروت والجنوب اللبناني. فقد وظفت السعودية علاقتها مع الولايات المتحدة الاميركية لصالح لبنان وشعبه من خلال التحرك الذي قامت به والمساعي الحثيثة المكثفة من اجل انقاذ ارواح المدنيين الابرياء من الاطفال والنساء والشيوخ الذين كانوا يسقطون بفعل الآلة العسكرية الاسرائيلية التي أمعنت قصفا وقتلا وتخريبا وفي بيروت في الجنوب اللبناني. ونتيجة لما عاناه الشعب اللبناني جراء الحرب الاهلية والاعتداءات الاسرائيلية لم تبخل السعودية بتقديم العون المادي والمساندة العينية له طيلة تلك المعاناة. ولم يغب عن بال الملك فهد بن عبد العزيز ما يعانيه لبنان بعد خروجه من تلك المحنة التي دامت اكثر من ستة عشر عاما وما خلفته من خراب ودمار فالى جانب دعم السعودية للاقتصاد اللبناني بتقديم المعونات والمساعدات المادية والعينية قدم اقتراحا للقمة العربية الطارئة التي عقدت فى أواخر العام 1410هـ. وافق عليه القادة العرب وهو انشاء صندوق دولي لمساعدة لبنان. وبذلت السعودية جهودها لدى المجموعة الدولية للاسهام بصورة فعالة في جهود اعادة اعمار لبنان عبر هذا الصندوق. كما وقفت السعودية الى جانب لبنان فى مطالبته الاسرة الدولية بالعمل على ضمان التنفيذ الكامل لقرار مجلس الامن رقم 425 القاضي بانسحاب القوات الاسرائيلية من الجنوب اللبناني. وأكدت هذا الموقف فى جميع المحافل الدولية وعلى كافة الاصعدة. وكما قال الملك فهد بن عبد العزيز «كيف يمكن أن يعود لبنان كما كان واسرائيل موجودة فى الاراضي اللبنانية. يجب أن تخرج اسرائيل من لبنان تماما ويصبح الشعب اللبنانى حرا في أرضه من شمالها الى جنوبها ومن شرقها الى غربها». ولم يهدأ بال خادم الحرمين الشريفين حتى تحرر جنوب لبنان من الاحتلال الاسرائيلي وانسحب العدو الاسرائيلي في مايو (أيار) عام 2000 بعد صمود المقاومة اللبنانية.