توسعة الحرمين الشريفين في عهد الفهد.. نقلة عمرانية وحضارية واهتمام شخصي بأدق التفاصيل

TT

كيف يمكن لمساحة رسمت ملامحها الطبيعة البيئية والاجتماعية استيعاب ما يزيد عن مليوني شخص في شهر واحد وما لا يقل عن عشرة ملايين زائر في عام كامل. ولا تعد مبالغة في القول، ان ذلك تحقق في المدينة المنورة ومكة المكرمة، وهو نتاج مشروع ضخم ومتكامل بدأ العمل فيه إثر القرار التاريخي الذي اتخذه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز بتوسعة وعمارة الحرم المكي والمسجد النبوي.

وهنا يمكن القول، ان مشروع خادم الحرمين الشريفين لتوسعة وعمارة الحرم المكي والمسجد النبوي قد حمل في طياته تغيرات نوعية في حجمها ومرافقها والخدمات المساندة التي نفذت بسببها، ولأنها أدت أيضا إلى حدوث نقلة نوعية كبرى ليس فقط في المساحة بل ايضا في النسيج العمراني الذي شمل جميع المناطق المحيطة بالحرم المكي والمسجد النبوي.

ولهذا يمكن القول ان مشروع خادم الحرمين الشريفين لتوسعة الحرم المكي والمسجد النبوى يعد درة الاعمال التي اضطلع بها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز لخدمة الاسلام والمسلمين. والمتتبع لتاريخ التوسعات التاريخية التي مر بها الحرم المكي والمسجد النبوي، يتضح لديه على الفور أن الملك فهد بن عبد العزيز وضع هذا المشروع في مقدمة الاهتمامات الكبرى للمملكة العربية السعودية وتولى عنايته ورعايته واشرافه الشخصي انطلاقا من ايمانه العميق بأن ذلك أمانة شرفت بها هذه الدولة فتحملت مسؤولياتها حتى وفقت قيادتها للانفاق على هذا العمل اداء للواجب واضطلاعا بالمسؤولية دونما انتظار شكر أو ثناء من أحد. وانما رجاء المثوبة والاجر عند الله تعالى واحتساب ما لديه بخير الاعمال وصالحها وتسهيل اداء المسلمين مناسكهم وتوفير الامن والطمأنينة لهم، ويجسد هذه العناية والرعاية واقع الحرمين الشريفين الذي لمسه ويلمسه المسلمون.

ولانجاز هذه الاعمال أنفقت الحكومة السعودية بتوجيه من الملك فهد ما يزيد على 75 مليار ريال على توسعة الحرمين الشريفين في السنوات الاخيرة فقط، وجهت معظمها الى توسعة الحرمين الشريفين ونزع الملكيات وتعويض اصحابها وتطوير شبكات الخدمات والانفاق والطرق.

ويقف اليوم مشروع توسعة وعمارة الحرم المكي معلما اسلاميا شامخا ستظل تردده الاجيال المسلمة شاهدا على ما تقوم به السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز من اعمال جليلة تهدف في مجملها الى خدمة الاسلام والمسلمين.

وتبلغ المساحة الاجمالية للتوسعة ستة وسبعين الف متر مربع وتتكون من بدروم سفلي واخر علوي ودور أرضي ودور أول بالاضافة الى السطح. كما تشمل ثمانية عشر مدخلا عاديا، بالاضافة الى بوابة رئيسية اطلق عليها اسم (بوابة الملك فهد) وهي مشابهة لبوابة الملك الموجودة حاليا بالمبنى الحالي بالحرم. كما تشمل التوسعة على مئذنتين مشابهتين للمآذن الموجودة سابقا. وتضم التوسعة سلالم كهربائية متحركة لنقل المصلين الى السطح والدور الاول في وقت الذروة والمواسم، خصوصا كبار السن والعجزة وكذلك تشتمل على ثلاث قباب تبلغ مساحتها 522 مترا مربعا وممرات للمصلين ليتمكنوا من الدخول والخروج من والى الحرم. وروعي في تنفيذ مشروع التوسعة أن يكون متميزا من حيث التصميم والتنفيذ وان يكون مترابطا مع المبنى العام للحرم من حيث الطابع المعماري.

وبهذه التوسعة تصبح المساحة الاجمالية للحرم المكي الشريف 653 الف متر مربع بما في ذلك المساحات المحيطة به والمخصصة للصلاة وكذلك السطح. بعد أن كانت قبل ذلك تبلغ 251 الف متر مربع ليتسع لـ 770 الف مصل بعد أن كانت طاقته الاستيعابية قبل ذلك في حدود 340 الف مصل. ويمكن أن تتضاعف طاقته الاستيعابية في أوقات الذروة، كما أصبح مجموع المداخل العادية للحرم خمسة واربعين مدخلا، بالاضافة الى أربع بوابات رئيسية وتسع مآذن وسبعة سلالم كهربائية متحركة، بالاضافة الى السلالم العادية. وقد تم انشاء محطة مركزية بمنطقة كدى لتكييف الحرم ويتم نقل المياه المبردة من هذه المحطة عبر أنابيب داخل نفق ممتد من الحرم الى موقع المحطة حيث يتم ضخ هذه المياه المبردة الخاصة بالتكييف الى مبنى التوسعة، اذ تدخل هذه المياه الى البدروم السفلي بالتوسعة الذي يشتمل على مائة واثنتي مضخة لتغذية وحدات معالجة الهواء.

وتم الانتهاء من هذا المشروع بالكامل وتم تكييفه مركزيا وتزويده بالفرش الفاخر واضاءته وتزويده بمكبرات الصوت ليتمكن المصلون من سماع صوت الامام بكل وضوح وتوفير مياه زمزم المبردة من خلال العديد من حافظات الماء الموزعة في جميع أرجاء الحرم. ولا يقتصر مشروع خادم الحرمين الشريفين على اضافة هذا المبنى الى مبنى الحرم الحالي فحسب، وانما يشتمل المشروع على تسوية وتوسعة الساحات المحيطة بالحرم لاداء الصلاة فيها حيث تم نزع ملكية العقارات الموجودة بها وازالتها وتم رصفها بالبلاط الفاخر واضاءتها بأبراج انارة عالية وفرشها بالسجاد الفاخر اوقات الذروة والمواسم وتزويدها بمكبرات الصوت ومياه زمزم المبردة وذلك لاداء الصلاة بها لتخفيف الازدحام داخل الحرم. وتبلغ المساحة الاجمالية لهذه الساحات اكثر من اربعين الف متر مربع وتستوعب اكثر من خمسة وستين الف مصل في الايام العادية وتتضاعف في ايام الذروة.

ويتضمن المشروع انشاء نفق السوق الصغير الذى يمتد من ميدان الشبيكة الى انفاق اجياد السد والذي يفصل حركة المشاة عن حركة السيارات أمام المنطقة الواقعة امام بوابة الملك فهد وبوابة الملك عبد العزيز ليتمكن المصلون من الدخول والخروج من والى الحرم المكي بكل يسر وسهولة وكذلك الاستفادة من هذه الساحات لأداء الصلاة فيها. كما تتضمن التوسعة تنفيذ عبارات خرسانية فى منطقة ما حول الحرم المكي يتم تنفيذها بشكل دائري لتمديد خدمات المرافق العامة بها، من مياه وصرف صحي وهاتف وكهرباء وغير ذلك دون اللجوء الى التكسير للحفاظ على جمال المنطقة حيث تقوم كل جهة بتمديد خدماتها عبر هذه العبارات الخرسانية الموجودة تحت الارض. وهناك العديد من المشروعات الحيوية سيتم تنفيذها مستقبلا بمنطقة ما حول الحرم المكي بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز.

كما أن هناك العديد من المشاريع التي تم تنفيذها بتوجيهات من خادم الحرمين الشريفين واخرى تم تنفيذها لخدمة ضيوف الرحمن خلال الاعوام السابقة، ومنها انشاء ستة جسور بالمسعى لفصل حركة دخول وخروج المصلين من والى الحرم لمن يؤدون شعيرة السعي حتى يتمكنوا من اداء شعيرتهم بكل يسر وسهولة ودون اي ازدحام او مضايقة. ومشروع تبريد مياه زمزم آليا ومشروع استبدال رخام صحن المطاف برخام خاص عاكس للحرارة ليتمكن ضيوف الرحمن من الطواف بالبيت العتيق في اي وقت ليلا أو نهارا. كما تم توسعة صحن المطاف حول الكعبة لاستيعاب اكبر عدد من الطائفين واستبدال السياج الخشبي حول أروقة الحرم المكي بسياج من الرخام الفاخر الذي يحمل زخارف اسلامية مميزة. اما المسجد النبوي الشريف فقد قاد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز التوسعة النادرة في التاريخ التي انجزت في المسجد النبوي الشريف واهتم بأدق تفاصيلها طيلة السنوات الماضية.

وقد دخلت فكرة الملك فهد لتوسعة المسجد النبوي حيز التنفيذ عقب مبايعته ملكا للمملكة العربية السعودية، حيث كان شغله الشاغل توفيرالرعاية لحجاج بيت الله الحرام وزوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد شعر الملك فهد أن مساحة المسجد النبوي الشريف لا تستوعب المصلين ولا توفر الخدمات اللازمة لهم فأمر خلال زيارته للمدينة المنورة في اكتوبر (تشرين الاول) عام 1982 بتوسعة مسجد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ توسعة كبرى لتستوعب اكبر عدد ممكن من المصلين على أن تمتد هذه التوسعة من جهة الغرب حتى شارع المناخة ومن الشرق الى شارع ابي ذر بمحاذاة البقيع ومن الشمال حتى شارع السحيمي.

وتضمنت توسعة وعمارة خادم الحرمين الشريفين للمسجد النبوي اضافة مبنى جديد بجانب مبنى المسجد القائم يحيط به متصلا من الشمال والشرق والغرب بمساحة قدرها 28 الف متر مربع تستوعب 550 الفاً بعد ان كانت تستوعب 180 الف مصل. وبذلك اصبح المسجد النبوي بعد التوسعة يستوعب اكثر من 720 الف مصل ضمن مساحة اجمالية معدة للصلاة تبلغ 561 الف متر مربع. كما تضمنت اعمال التوسعة إنشاء دور سفلي بمساحة الدور الارضي للتوسعة لاستيعاب تجهيزات التكييف والتبريد والخدمات الاخرى بمساحة 28 الف متر مربع. كما اشتمل مشروع التوسعة على ساحات تحيط بالمسجد بلغت مساحتها حوالي 532 الف متر مربع، منها 54 الف متر مربع ارضيتها مكسوة بالغرانيت وفق اشكال هندسية بطراز اسلامي والوان متعددة الجمال وهي مخصصة للصلاة وتستوعب حوالى 340 الف مصل. وبهذا تصبح طاقة التوسعة الاستيعابية اكثر من 730 الف مصل، وتصل الى اكثر من مليون مصل في أوقات الذروة وقد ألحقت بهذه المساحات المخصصة للمشاة فقط مداخل مضاءة. وتتصل بعض الخدمات بمواقف السيارات التي توجد في دورين تحت الارض من الجهات الشمالية والجنوبية والغربية. وتبلغ مساحتها 290 الف متر مربع وتشتمل على مواقف تكفي لاستيعاب اكثر من 4000 سيارة وتم تنفيذها على افضل المواصفات العالمية. كما تتصل مناطق الخدمات العامة والمرافق والساحات العامة بمداخل ومخارج تؤمن الحركة السهلة للمشاة فيما بينها وتحتوي على 611 سلما كهربائيا متحركا، اضافة الى 85 سلما عاديا تؤمن الوصول الى مواقف السيارات.

وتم انشاء اثنتي عشرة مظلة ضخمة بنفس ارتفاع السقف تظلل كل واحدة منها مساحة 603 أمتار مربعة يتم فتحها وغلقها اتوماتيكيا لحماية المصلين من وهج الشمس وللاستفادة من الجو الطبيعي حينما تسمح الظروف الطبيعية بذلك من خلال الحصوتين المكشوفتين.