نائب لبناني: كل ماروني في لبنان يطمح أن يكون رئيسا للجمهورية

النائب اللبناني لـ«الشرق الأوسط»: تربيتي في بيت عسكري واحتكاكي مع السياسيين جعلاني أعشق السياسة

TT

يعكس الحوار مع النائب اللبناني روبير غانم ابعاد شخصية المحامي الذي يجيد تلمس مفاتيح قضاياه، لأنه يعتمد المنطق اساسا للتطور، ولا يخفي طموحه بالوصول الى رأس الهرم في التركيبة السياسية اللبنانية، لكنه «يحسبها جيداً»، كما يقول لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً ان الوقت ما زال مبكراً لفتح ملف رئاسة الجمهورية اللبنانية. يعتبر ان الخطاب السياسي في لبنان تراجع كثيراً، لأن اخلاق الناس تراجعت، مستعيداً جملة للمفكر اللبناني ميشال شيحا مفادها انه «كي تسمو السياسة يجب ان تسمو النفس».

والعقلانية التي يتميز بها غانم لم تحل دون استمتاعه بمراحل عمره من الطفولة حيث الشقاوة، من المراهقة والمغامرات وصولاً الى اختيار رفيقة الدرب وتأسيس عائلة ومهنة فتحت له ابواب الشأن العام بنجاح، كما يبين الحوار معه وهذا نصه.

* معروف انك انطلقت من بيت سياسي، والدك قائد الجيش الاسبق ووزير اسبق فهل شكل هذا الامر الدافع لدخولك المعترك السياسي؟ وماذا يتذكر روبير غانم من طفولته؟

ـ لقد تربينا في بيت عسكري اذا صح التعبير، فكانت تربية عسكرية قاسية وهذا كان خبزنا اليومي الى درجة القسوة. وبعد الانتهاء من التحصيل العلمي للمرحلتين الابتدائية والثانونية، انتسبت الى كلية الحقوق في الجامعة اليسوعية، وفي تلك الاثناء توظفت في مجلس النواب بصفة سكرتير للجنة الشؤون الخارجية، واحتكاكي اليومي مع اعضاء اللجنة وكلهم كبار السياسيين ومرافقتهم في سفراتهم والمشاركة في المؤتمرات الدولية جعلني اعشق السياسة واندفع نحوها.

* هل يعني ان وظيفتك في البرلمان وقربك من النواب فتح لديك شهية النيابة؟

ـ قد تكون الوظيفة في المجلس ساهمت في تعلقي بالنيابة، فضلاً عن ان بيت العائلة، هو بيت تعود الشأن العام، فوالدي منذ انتسب الى الجيش بصفة ضابط استطاع رغم امكاناته المحدودة، ان يساعد ابناء المنطقة، بالاضافة الى العلامة المميزة التي كانت تربطنا بالزعيم البقاعي النائب والوزير الراحل جوزف سكاف، وعلاقتنا معه لم تكن شخصية فحسب على اساس ان بيت سكاف كان يجسد الوحدة الوطنية، وقاعدته كانت تشمل كل الطوائف اللبنانية، وكنا نحن المفاتيح الانتخابية في المنطقة، وقد ادرت له الحملة الانتخابية في انتخابات الاعوام 1960 و1964 و1968، وسجنت في العام 1968 بسبب الحملة التي كان يشنها المكتب الثاني على جوزف سكاف لاسقاطه في دائرتي زحلة والبقاع الغربي، واستمر توقيفي من ضمن مجموعة من انصار سكاف 48 ساعة في ثكنة ابلح الى ما بعد الانتهاء من عملية الانتخابات. كل هذه العوامل تركت في نفسي الحماس، لخوض المعترك السياسي، كما كان عندي نوع من الانتفاضة الذاتية والرفض لبعض الامور التي كانت تحصل في لبنان، على صعيد الأداء السياسي، الى ان وصل والدي الى موقع قيادة الجيش وهذا الامر ساعدني اكثر، فدخلت المعترك السياسي وترشحت للانتخابات عام 1992 عن المقعد الماروني في البقاع الغربي.

* لكنك لم تكن في لبنان في تلك الاثناء؟

ـ هذا صحيح فأنا هاجرت الى فرنسا في العام 1978 بعد مقتل طوني سليمان فرنجية والد الوزير الحالي سليمان فرنجية وكان هذا الحدث مفصلاً مهماً في الحرب اللبنانية، وقد اصيب منزلي في الحازمية اصابات مباشرة وكان ابني صغيراً، ولم نكن يومها نحمل السلاح ولم نكن من تيارات حزبية مختلفة، ولذلك قررت السفر الى باريس بحيث تابعت ممارسة عملي في المحاماة في فرنسا مع نفس الاشخاص الذين كنا موكلين عنهم. وعندما استحدث المقعد الماروني في البقاع الغربي في العام 1992 وبعد عودة الامن الى لبنان ترشحت للانتخابات ووفقت من الدورة الاولى ثم كلفت بحقيبة وزارة التربية الوطنية من العام 1995 حتى .1996

* كونك نائباً مارونياً، وتبوأت كرسي النيابة ثم كرسي الوزارة فهل تطمح لتبوؤ كرسي رئاسة الجمهورية؟

ـ لا شك ان كل انسان ماروني في لبنان عنده طموح لموقع رئاسة الجمهورية، فإذا كان الانسان موضوعياً، لا يستطيع ان ينفي وجود هذا الطموح او يقول ان موضوع رئاسة الجمهورية بعيد عنه، هذا غير صحيح، وانا من الاشخاص الذين يحسبونها جيداً، واعتبر ان الكلام عن رئاسة الجمهورية قبل سنتين من موعد الانتخابات خطأ، لأنه لا احد يعرف ماذا سيحصل خصوصاً في هذا الظرف الصعب الذي نعيش فيه ليس فقط في لبنان انما ايضاً في المنطقة والعالم.

* ألا تلاحظ ان هناك تدنياً في مستوى الخطاب السياسي في لبنان؟

ـ صحيح واعتقد ومن دون شك ان الخطاب السياسي اخذ يتراجع في المستوى وفي المضمون، كما في الشكل وفي الأداء، فأنا عاصرت عهد الشهابية والمكتب الثاني، والمخابرات والمعارضة ولم أتذكر مرة ان الامور وصلت الى ما وصلت اليه اليوم من بين اعضاء الحكومة انفسهم، كما ان مستوى الخطاب البرلماني تدنى ايضاً ونفتقد دائماً الى شخصيات برلمانية عريقة امثال بهيج تقي الدين وريمون اده وادوار حنين ونصري المعلوف وحسن الرفاعي وصائب سلام ورشيد كرامي الذي كان يتعمد احياناً اطالة خطابه لزرع الملل بين صفوف النواب، لكي يمرر مشروعاً ما. فبلاغة الخطاب النيابي افتقده المجلس الحالي، وبدلاً ان يتطور هذا الخطاب نلاحظ انه يتدنى بهذا الشكل ويستحضرني كلام لميشال شيحا يقول فيه: «لكي تسمو السياسة، يجب ان تسمو النفس» فنحن اصبحنا في عصر الاولوية فيه للماديات، والمهم فيه ان يصل الانسان حتى ولو على حساب القيم والمبادىء، والهدف فيه يبرر الوسيلة.

* من هنا رحبت بتوليك حقيبة وزارة التربية؟

ـ انا فرحت جداً عندما تم اسناد حقيبة وزارة التربية الي لأني اعتبرها من اهم الوزارات التي تعنى ببناء الانسان، فلبنان بقدر حاجته للتربية، تكون حاجته للعلم، خصوصاً بعد الحرب البغيضة التي اصابته في صميمه، لذلك اقول ان للتربية بمفاهيمها وشموليتها هي في المقدمة وعلى الانسان ان لا يشعر بأنه يملك الحقيقة وحده وعليه بقبول الآخر.

* اذا لم تكن روبير غانم المحامي النائب من كنت تتمنى ان تكون؟

ـ بالتأكيد ليس الضابط، علماً ان عندي الكثير من الاصدقاء الضباط، ربما كنت اخترت اي مهنة حرة شريفة.

* كيف تم اختيارك لشريكة عمرك فيفيان حداد؟ وكيف تعرفت عليها؟

ـ تعرفت على فيفيان عندما كانت تعمل صحافية في صحيفة «لوريون لوجور» وانا كنت ولا ازال محامي الجريدة، وكنا في ذات المبنى وكان مكتبي بالقرب من مكتبها، وكنا احياناً نلتقي في المصعد، ولكن لم اعر الامور حينها، اي اهتمام، وفي يوم من الايام اتصل بي مدير «لووريون» جان شويري، وطلب الي حل مشكلة لفيفيان، بسبب تحرير مخالفة سير بحقها ولم تدفع الغرامة في حينه، تحولت المخالفة الى المحكمة، فأبلغت بها واصطحبتها لحضور جلسة المحاكمة ورافعت عنها وحللت المشكلة من دون توقيف احتياطي. وبعد ايام قليلة قصدتني الى مكتبي حاملة معها هدية لشكري، واخذنا نتبادل اطراف الحديث وكانت تبدو لي فتاة غنوجة مدللة من الطبقة المخملية نظراً لطبيعة عملها مع السياسيين، خصوصاً وانها كانت مسؤولة عن الصفحة الاجتماعية، وتلبي الدعوات واللقاءات المخملية، لكنها بعفوية بادرتني بحديثها عن اعجابها بالريف وبالطبيعة وبحياة البساطة واعجابها بمنطقة البقاع.

* هل تعتبر ان فيفيان هي التي بادرت باعلان اعجابها بك فعكست بذلك القاعدة؟

ـ نعم هي بادرت وذلك زاد اعجابي بجرأتها وصراحتها، وتوطدت العلاقة منذ ذلك اللقاء، واثمرت زواجاً بعد فترة من التعارف وذلك في العام 1975 في حفل مصغر اقتصر على الاصحاب والاهل والاقارب بسبب الاوضاع الامنية وكانت ثمرة زواجنا شابين، الكبير عمره اليوم 26 سنة والصغير 17 سنة.

* هل تعتبر فيفيان المرأة المثالية في حياتك التي جسدت لك طموحاتك العاطفية؟

ـ بالطبع فيفيان هي المرأة المثالية التي جسدت لي طموحاتي العاطفية علماً انني في مرحلة الشباب، ولم اكن اثابر على علاقة واحدة، لكن علاقتي بفيفيان كانت ناضجة، تميزت بعدة امور اهمها اننا اكملنا بعضنا، وكانت مساعدة كبيرة لي في كل نشاطاتي، السياسية والاجتماعية والثقافية،ولم اكن اتصور ان تكون على هذا القدر من النضوج والمسؤولية.

* كيف تتعامل مع ولديك وهل تحاول توجيههما نحو الاختصاصات العلمية؟

ـ لم اتعامل مع اولادي كما عوملت، قد يكون لحسن الحظ او لسوء الحظ، لأن التربية تحتاج احياناً الى القساوة، لكن الظروف قد تكون تبدلت، وعصر اليوم يختلف عن عصرنا فنحن بالكاد نشأنا على جهاز التلفاز الذي كان في بداياته وكان السلوى الوحيدة لنا. ولم يكن لدينا التكنولوجيا والكومبيوتر والانترنت الذي ينعم به اولادنا حالياً، وانا لم احاول توجيههما نحو اي اختصاص فابني البكر انهى تخصصه في جامعة جورج تاون في الولايات المتحدة في اعمال التسويق الدولي والتجارة والصغير شعبي وله مجموعة كبيرة من الاصدقاء لكن اعتقد ان ليس لديهما اي رغبة في السياسة.

* هل تتذكر اول هدية قدمتها لزوجتك؟

ـ كانت اول هدية علاقة مفاتيح فضة محفوراً عليها اسمها.

* هل تتذكر حادثة طريفة لا تزال راسخة في ذهنك؟

ـ كان جدي يمتلك فندقاً في وسط العاصمة تجاه الاوتوماتيك وبالقرب من مركز بلدية بيروت في وسط العاصمة، وللوصول الى الفندق علينا صعود مئة درجة وكان والدي يفرض علي كل اسبوع مرافقته لزيارة جدتي، وذات يوم في موعد الزيارة وكان عمري لا يتجاوز الاربع سنوات، غافلت والدي ونزلت على الدرج ووصلت الى الشارع ولم ادر كيف دخلت الى مركز البلدية وفي تلك الاثناء بدأ الاهل التفتيش على الشرفات وفي الشوارع ظناً منهم انني وقعت او خطفت، وبعد مرور وقت طويل من البحث المضني، وصلوا الى بلدية بيروت وسألوا عني في المحيط فقيل لهم ان ولداً صغيراً دخل الى مركز البلدية، فوجدوني جالساً بالقرب من مجموعة من الحرس الذين كانوا يسعون لمعرفة كامل هويتي وانا يومها بالكاد كنت اتكلم. كذلك اذكر ان عمي كان يركن سيارته بالقرب من منزلنا ولم اكن يومها اتجاوز الـ17 من عمري، وكنت انتظر الليل ونوم العم لاسرق المفتاح واجمع الاصحاب واقود السيارة ونقوم بجولة الى المنارة وكورنيش البحر، وكنت احرص على اعادتها الى نفس المكان الذي كانت مركونة فيه، لكن المكان كان احياناً يشغل، فاضطر الى وضعها في مكان آخر، وكان والدي شديد الملاحظة فعلم ان السيارة ازيحت من مكانها، وبدأ يراقبني حتى ضبطني بالجرم المشهود.

* هل تستهويك المطالعة والموسيقى؟

ـ نعم انا اعشق المطالعة واستغل اي فرصة تتاح لي، واليوم اصبحت قراءاتي تقتصر على الشأن السياسي وقراءة الصحف. وعندما كنت في فرنسا كان يتسنى لي القراءة المتنوعة للكتب التي كانت تصور حديثاً واحب الاستماع الى الموسيقى الكلاسيكية الهادئة والى اغاني اسمهان، عبد الوهاب وفيروز وام كلثوم ووديع الصافي.

* كيف تتعامل مع التكنولوجيا؟ وما هي علاقتك بالكومبيوتر؟

ـ انا احاول مواكبة التكنولوجيا بقدر الامكان والتمرن مع اولادي على الكومبيوتر، فهم علموني واصبحت في مرحلة لا بأس بها، ولا استخدم الكومبيوتر الا للامور التي تهمني، فاطلع من خلاله على المعلومات التي تتعلق بي واقرأ الصحف عبر الانترنت احياناً كثيرة واحفظ في الارشيف ما يهمني.

=