هراري ـ بانوس: فى زيمبابوى تطلق المراهقات على رفقائهن الأكبر سناً، الذين يقمن معهم علاقات جنسية «الآباء الحلوين». غير أن المؤسف أن هؤلاء الآباء قد يحضرون لهن كل ما يرغبن من هدايا إلا «الحلوى».
إن المعاشرة الجنسية بين طرفين ينتميان لجيلين مختلفين، سواء كان ذلك بالتراضي أو بالقوة أمر يزيد من مأساة الإصابة بمرض نقص المناعة (الإيدز) في منطقة جنوب أفريقيا، نظراً لوجود عدد كبير من حاملي الفيروس بين كبار السن كما يقول المدير التنفيذي لإدارة الإيدز التابعة للأمم المتحدة بيتر بايوت.
ويحذر الخبراء من أن الفتيات في هذه المنطقة هن الأكثر عرضة للمخاطر، حيث تشير بعض الدراسات إلى أن نسبة المصابات من بينهن بفيروس الإيدز قد تزيد بنسبة ستة أضعاف عن الشبان من الذكور.
وفي كلمته أمام مؤتمر الإيدز الدولي الذي عقد في برشلونة في يوليو (تموز) الماضي، أكد ستيفن لويس، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة حول الإيدز إلى أفريقيا «أن النساء والفتيات هن الأغلبية بين ضحايا هذا البلاء، وأن الأمر يزداد سوءاً»، مؤكداً في نهاية كلمته «إنه كابوس مفزع».
* النساء أكثر إصابة
* لقد ظلت الشكوك تساور الباحثين منذ فترة طويلة بأن المعاشرة الجنسية بين أطراف تنتمي لأجيال مختلفة تؤدي إلى ارتفاع معدلات الإصابة بالمرض بين الفتيات الأفريقيات، الأكثر حساسية للفيروس من الناحية البيولوجية عن الشبان من الذكور. وقد تحولت هذه الشكوك اليوم إلى يقين بعد أن أثبتت مجموعة من الدراسات تم إجراؤها في زيمبابوي صحة ذلك.
فقد كشفت إحدى الدراسات التي قامت بها جامعات زيمبابوى بالاشتراك مع جامعة كاليفورنيا أن العديد من المراهقات يعتمدن على «الآباء الحلوين» في توفير الطعام ومصروفات المدارس لهن، أو لإشباع رغباتهن في اقتناء سلع الطبقات الراقية. وقد أوضحت الدراسة التي تم إجراؤها على 71 مراهقاً من الجنسين تتراوح أعمارهم بين 16 إلى 19 عاماً، أن نسبة الفتيات اللاتي يقمن علاقات خطيرة وغير متكافئة مع رجال أكبر سنا تتراوح ما بين 30 إلى 40 في المائة.
تقول الفتيات اللاتي شملتهن الدراسة إن الرجال يتعاملون معهن بعنف شديد إذا عرضن عليهم استخدام «الواقي الذكري»، أو إذا رفضن معاشرتهم. تقول إحدى الفتيات التي تبلغ من العمر 15 عاماً «إن (الآباء الحلوين) يجلبون لك الملابس، ويرسلونك إلى المدارس رفيعة المستوى. وإذا رفضت ما يطلبون منك في المقابل، ستبقين فقيرة. أما إذا أخذت أمواله ورفضت معاشرته، فسوف يغتصبك».
* السبب اقتصادي بحت
* وتؤمن نانسي باديان، إحدى كبار الباحثات بأن السبب الحقيقي وراء المعاشرة الجنسية لأطراف تنتمي إلى أجيال مختلفة هو «سبب اقتصادي في معظمه»، الأمر الذي يعني حتمية التدخل لتقديم الدعم الاقتصادي لطالبات المدارس حتى يصبح لديهن اكتفاء ذاتي، واعتبار ذلك عاملاً أساسياً في أي خطة من شأنها أن تعمل على وقف انتشار مرض الإيدز.
وفى زيمبابوي، تزيد نسبة المصابات بالإيدز من النساء والفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 إلى 24 عاماً عن 26%. ورغماً عن ذلك تصطدم الفتيات اللاتي يرغبن في حماية أنفسهن من الإصابة بالمرض بكومة من القوانين، والسياسات، والأعراف المربكة والمتناقضة، تمنعهن من الحصول على خدمات الصحة الإنجابية.
فالعاملون في المجالات الصحية يصرفون على الفور الشباب من غير المتزوجين، الذين يلجأون إليهم، بحثاً عن الحماية المزدوجة (من خلال الواقي الذكري، ووسائل منع الحمل الهرمونية)، وأيضاً المعلومات والخدمات، ما لم يكن الآباء على علم بذلك أولاً.
وتمثل مثل هذه الموافقة المسبقة من جانب الآباء «عقبة لا يمكن تجاوزها» بالنسبة للمراهقين، وفقاً لما ورد في تقرير صدر تحت عنوان «حالة الإنكار.. حقوق الصحة الإنجابية للمراهقين في زيمبابوي»، والذي صدر بالتعاون بين المركز الاميركي لقوانين وسياسات الصحة الإنجابية، ومؤسسة الطفل والقانون المقامة في هراري.
تقول نايرة خان، مدير مؤسسة الطفل والقانون، والمشاركة في كتابة التقرير «إن المراهقات يزعمن أن إجراء عملية إجهاض غير مشروعة أيسر كثيراً من الحصول على «أقراص منع الحمل». كما ذكر بعض الشبان من الذكور في التقرير أنهم حين يعجزون عن الحصول على الواقي الذكري، يلجأون إلى بدائل عديمة الفائدة مثل أغلفة الخبز البلاستيكية. ويلقي التقرير باللوم على القوانين غير المناسبة الخاصة بالشباب في زيمبابوي، باعتبارها مسؤولة جزئياً عن ارتفاع معدلات الحمل، والإجهاض غير الآمن، والإصابة بفيروس الإيدز بين الشباب.
* 34% نسبة المصابين
* كما يشير التقرير إلى أن الممارسات الحالية تنتهك حقوق الإنسان الممنوحة للمراهق، كما وضعتها المؤتمرات والاتفاقات الدولية مثل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية الذي عقد عام 1994، في الحصول على رعاية إنجابية، خاصة وتتسم بالسرية في بلد مزق الإيدز أواصره، حيث تقدر إدارة الإيدز بالأمم المتحدة نسبة المصابين بالمرض بين البالغين بنحو .34 وتلقي نايرة خان باللوم ايضاً على الثقافة المادية التي تشجع طالبات المدارس على الهرولة نحو الأغنياء من كبار السن ليفوا بمتطلباتهم المادية، مثل السيارة الفارهة، والتليفون المحمول، والمال الذي يسمح لهم بالحياة الرغدة.
غير أن الأمر مختلف بالنسبة للعديد من الفتيات الفقيرات، خاصة هؤلاء اللاتي فقدن آباءهن بسبب مرض الإيدز حيث تبدو العلاقة الجنسية هي الكارت اليائس الوحيد أمامهم. وفى زيمبابوي يزيد عدد الأطفال الذين فقدوا أحد الأبوين أو كليهما بسبب الإيدز عن 780 ألف طفل، وهو الأمر الذي أدى إلى ارتفاع معدلات ممارسة الدعارة بين الشباب، حيث عادة ما تتجه المراهقات إلى البحث عن سبيل إعالة اخوتهن الصغار.
ففي حوارها مع باحثي تقرير «حالة الإنكار» تساءلت فتاة صغيرة تمارس الدعارة قائلة «ماذا عساي أن أفعل. لم يكن أمامي من خيار، لقد توفي والدي بعد إصابتهما بالإيدز. كيف كنت سأطعم الأطفال الآخرين؟» ولعل في هذا الرد ما يشير إلى أن محترفات الدعارة من المراهقات صغيرات السن ذوي الدخل المحدود هن أكثر الشرائح على وجه الخصوص تعرضاً للإصابة بالإيدز.
مراهقة أخرى تمارس الدعارة أيضاً قالت لفريق الباحثين «نادراً ما يضع الرجال الواقي الذكري. وهناك آخرون يعرضون مبالغ مغرية من المال لكي تقبلي معاشرتهم دون ذلك الواقي. فإذا كان المبلغ جيداً، ستخوضين المخاطرة بالطبع.
* الثقافة الجنسية
* إن وجود علاقات جنسية على نحو واسع بين الشباب في زيمبابوي يترافق مع عدم وجود ثقافة جنسية لديهم، والسبب الرئيسي في ذلك هو إحجام الحكومة عن ترويج هذه الثقافة حتى مرحلة الزواج، بدلاً من أن تلجأ إلى تعليم الجنس الآمن من خلال المدارس ومتخصصي الرعاية الصحية.
في حديثه لفريق الباحثين يقول أحد ممثلي وزارة التعليم «إننا نعلم الطلاب كيف يحجمون عن ممارسة الجنس ويبتعدون عنه حتى يتزوجوا. ولكننا لا نتحدث على الإطلاق عن الواقي الذكري».
وكنتيجة لذلك، فإن المراهقين لا يعرفون سوى المغلوط من المعلومات حول أجسادهم. كما أنهم لا يعلمون كيف يمنعون حدوث الحمل أو انتقال الأمراض من خلال المعاشرة الجنسية. فقد تبين أن 60% من بين 700 مراهق تم التحاور معهم يؤمنون بأن وسائل منع الحمل الخاصة بالنساء تسبب العقم، وأن استخدام الواقي الذكرى «يضعف» من قدرة السائل المنوي.
ورغماً عن توافر قدر من الإدراك حول الإيدز لدى الشباب الذين تم التحاور معهم خلال إعداد التقرير، فإنهم لا يعرفون كيف يحمون أنفسهم. فبعضهم لديه مفاهيم مغلوطة غير واقعية بأن ممارسة طقوس بعينها قبل المعاشرة الجنسية من شأنها أن تحميهم من الإصابة بالمرض، في حين يرى البعض الآخر أن الإصابة بالمرض أمر حتمي لا فرار منه نتيجة لمثل هذه العلاقات.
إن الحياة الجنسية للمراهقين قضية مثيرة للجدل على امتداد العالم، بل أنها تدخل في عداد المحرمات لدى الآباء، والمجتمعات، والكنائس، والسياسيين.
غير أن الاعتماد الكلي على استراتيجية «قل لا للجنس» في زيمبابوي قد فشل بصورة واضحة في منع المراهقين من ممارسة الجنس. فقد أوضح التقرير أن 30% من نسبة الفتيات اللاتي شملهن البحث، واللاتي تراوحت أعمارهن ما بين 15 إلى 19 عاماً يمارسن الجنس مرة واحدة على الأقل حتى بلوغ هذه السن، وأن ما يقرب من 40% من الفتيات في زيمبابوي يصبحن أمهات قبل أن يبلغن سن التاسعة عشرة. والعديد منهن يلجأن إلى عمليات الإجهاض غير المشروعة، حيث تشير الإحصاءات إلى أنه يتم إجراء ما يقرب من 70 ألف عملية إجهاض غير آمنة سنوياً.
ورغماً عن عدم صدور تعليق مباشر من جانب الحكومة على تقرير «حالة الإنكار»، فقد أقرته وزارة التعليم، فيما ألقت باللوم على الآباء والزعماء الدينيين لمعارضتهم تعليم الثقافة الجنسية وخدماتها للشباب.
وقد وضع التقرير تحديات أمام حكومة روبرت موجابي لصياغة سياسة شاملة خاصة بالشباب، كإجراء عاجل، من أجل تمكينهم من حماية أنفسهم.
والأمر المؤسف أن تصور إمكانية حدوث ذلك قد يكون من قبيل الإفراط في التفاؤل. ذلك أن زيمبابوي تعيش حالياً أزمة سياسية، واجتماعية، واقتصادية. والإحصاءات الصادرة عن الأمم المتحدة تشير إلى أن نصف تعداد السكان في زيمبابوي يواجهون نقصاً في الغذاء.
ورغماً عن كل ذلك، فإن معدي التقرير يرفعون مطالبهم في ختامه قائلين «لقد حان الوقت لوضع حد لحالة الإنكار التي تهدد قدرة المراهقين على حماية أنفسهم من مخاطر صحية خطيرة تهدد حياتهم.