أول قنصل أميركي سيدة في جدة .. سمراء تحب رائحة البهارات والأقمشة في الأسواق القديمة وتبكي بسبب صعوبة اللغة العربية ولا تشاهد التلفزيون

اعترفت لـ«الشرق الأوسط» بأن «نسبة الطلاق ترتفع كثيرا بين السيدات العاملات في السلك الدبلوماسي»

TT

أشياء كثيرة تغيرت في القنصلية الأميركية، الواقعة في شارع فلسطين بمدينة جدة على ساحل البحر الأحمر من السعودية، بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول). فمن المتغيرات تأخر حصول السعوديين على تأشيرة الفيزا التي تخولهم حق دخول أميركا، بعد أن كان الحصول عليها اسهل من استصدار رخصة قيادة. ولكن ابرز المتغيرات في مبنى القنصلية الأميركية، ولأول مرة، كان تعيين امرأة بمرتبة قنصل، وهي جينا ابري كومبي وينستانلي، ذات البشرة السمراء والجذور الافريقية. وتصف القنصل التي لا ترتدي الحجاب تعيينها في السعودية بأنه «عظيم، والناس استقبلوني استقبالا رائعا ورحبوا بي». ورغم اقرارها بصعوبة المهمة بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) إلا أنها تقول «مع أن هناك تحديات كثيرة في العلاقة بين الرياض وواشنطن، إلا أنني اشعر بان السعوديين، ومثلهم الأميركيين، ملتزمون باستمرار الصداقة القديمة بينهم»، مشددة على ان أحد أهم مسؤولياتها هو «إيصال تلك الرسالة والالتزام بدفع العلاقات نحو الأفضل».

القنصل الأميركي، خريجة العلاقات الدولية من جامعة جون هوبكنز في واشنطن العاصمة، ليست بالجديدة على المنطقة العربية طوال سنوات عملها العشرين في السلك الدبلوماسي، والعمل السياسي. فإضافة إلى عملها في البيت الأبيض الأميركي منذ عام 1998 وحتى 2001 كمديرة مكتب المسؤول عن الشرق الأدنى واسيا الجنوبية، وبشكل خاص شبه الجزيرة العربية، فقد عملت على مدى ثمانية عشر عاما في الشرق الأوسط متنقلة بين لندن وتونس وبغداد، مرورا بالقاهرة، والأردن، وحتى العمل لمدة ثلاث سنوات في قطاع غزة والقدس.

ولها مع كل عاصمة في الشرق الأوسط حكاية تروى. ففي عمان بالأردن تعرفت على زوجها المهندس البريطاني الجنسية، والذي كان يعمل في إذاعة صوت أميركا في القاهرة، ورزقت منه بطفل وطفلة. وتصف دور زوجها في حياتها بالقول «بدونه لا أستطيع أن أحقق كل ما حققت، فخلال عشرين عاما من عمر زواجنا يدعمني كثيرا ويدعم عملي». خصوصا وان القنصل تقر بمعرفتها بأن «نسبة الطلاق ترتفع كثيرا بين السيدات العاملات في السلك الدبلوماسي». ومن المواقف التي ترويها للتدليل على مساعدة زوجها لها حين دعيت ذات يوم لمناسبة في قطاع غزة من قبل بعض الفلسطينيين، ابان عملها هناك بعد إعادة احتلال الجيش الإسرائيلي لها وبسبب الوضع الأمني اضطرت إلى «تكليفه ليقوم بدور السائق الخاص بي حتى يتسنى له مرافقتي في المشوار».

وللقنصل الاميركي ذكريات لا تنسى في فلسطين حيث كانت تقوم بدور المتابعة والمراقبة حول كل ما يدور بين الفلسطينيين والإسرائيليين على مدى ثلاثة أعوام في غزة، فقد شهدت مولد ابنتها كارا، والتي يعني اسمها باللاتينية (المحبوبة) بعد جدل واسع حول تسميتها «إما أن اسميها ليلى، أو رغبة والدها في أن يسميها منى، لكن شقيقتي تدخلت وحسمت الأمر».

وللقنصل التي تتحدث اللغة العربية تجربة مع اللغة في تونس حين كانت «طالبة في معهد (سيدي بو سعيد) حيث درست فيه اللغة العربية». وتصف اللغة العربية بانها «غنية.. لكنها أبكتني من صعوبتها». وتقييمها لنفسها في اتقان اللغة «ثلاثة من خمسة درجات».

وعدا عن تجاربها المختلفة في العواصم العربية التي عملت فيها أضافة إلى عملها في جاكرتا، بإندونيسيا، فإنها تتحدث باستمتاع عن حياتها في جدة مع أسرتها حيث لم تمض اكثر من استة اشهر، حيث «تعرفت على بعض السيدات السعوديات، وكذلك المقيمات في السعودية». واصفة السيدات السعوديات بانهن «يتمتعن بشخصيات قوية».

وعدا عن عشق القنصل جينا للتراث، فان لها هوايات متعددة مثل القراءة وركوب الدراجات. وعن وقت فراغها في السعودية تقول «اقضيه بمساعدة أطفالي، أو انصرف للقراءة». وتنفر القنصل من مشاهدة التلفاز مبررة ذلك بالقول «لا وقت لدي لمشاهدته». وتحرص على متابعة الصحافة السعودية، بل وتكثر من زيارة مقار الصحف وتوثيق العلاقات بها. لكنها لم تخف استياءها أحيانا من الإعلام السعودي والأميركي على حد سواء «استاء من التعميم في الطرح في الإعلام السعودي وكذلك الأميركي». مشددة على أن «التعميم خطأ». وتقول القنصل «في الأول كان الإعلام السعودي يعطي انطباعا بان خطرا ما في انتظار السعوديين الذاهبين إلى أميركا». لكنها تستدرك بان «الوضع تحسن الآن».

وعلى الرغم من الفترة القصيرة التي أمضتها في السعودية استطاعت القنصل أن تتلمس جوانب عدة في المجتمع السعودي، وخصوصا مجتمع مدينة جدة حيث تعبر عن إعجابها بالأسواق الشعبية في المدينة الساحلية قائلة «احب رائحة البهارات والأقمشة في الأسواق القديمة». مشيرة إلى أنها تشعر بان الناس في تلك الأسواق «ودودين حين يقدمون لي كوب الشاي ويبادلونني الحديث، ليس مثل الأسواق الحديثة حيث تنعدم العلاقة بين البائع والزبون».

لكن القنصل نجحت في اختراق الفئة التي تعتبرها الأهم وتحرص عليها وهم الشباب، حيث تقول «أقابل سعوديين كثر، لكنني احب مقابلة الصغار في السن، أي فئة الشباب». فترى أن الفرصة سانحة الآن «للتفاهم والحوار بين الثقافتين السعودية والأميركية ليكون هناك ترابط اكبر». ومن اجل ذلك تقول «احرص على زيارة المدارس والجامعات كي اعرف بنفسي وأتيح الفرصة للتلاميذ كي يطرحوا أسئلتهم لأجيب عليها». ورغم أن القنصل تقول «حلمي منذ طفولتي أن أكون سفيرة» الا انها لم تنجح ذات مرة، وهي الديبلوماسية المتمرسة، في الرد على سؤال تلميذ صغير سألها عن سياسة بلدها ليس تجاه صراع الشرق الأوسط او مستقبل المنطقة، لكنه تساءل بكل بساطة عن سياسة ادارة حكومة واشنطن المتعلقة بالبيئة، تقول «سؤال جيد جدا.. لكن لم املك له أجابة». مما دفعها للبحث ومراجعة مصادرها حتى تعود وتجيب على السؤال حسب قولها.

ولا تخفي القنصل الخبيرة بالشرق الأوسط إعجابها بالحياة في المنطقة العربية، وتتحدث على وجه الخصوص عن جولاتها في السعودية، حيث تروي تجربتها في السفر مؤخرا إلى جازان، حيث ينابيع المياه الساخنة، وكذلك جزيرة فرسان «هناك مواقع أثرية جميلة خصوصا منزل يدعى بيت الرفاعي حيث طرازه المعماري المميز، ونقوشه القديمة». ولا تخفي اعجابها بمدينة أبها والباحة مذكرة بانه «لا زال لدي رحلات أخرى لنفس المنطقة». ولم يغب عن بالها وهي تتحدث باعجاب عن قرية الحبلة في عسير وكيف رأت «الناس وهم ينزلون إلى تلك الضيع بالحبال بشكل جميل».

ولكي تعمق تواصلها بمجتمع مدينة جدة تقوم القنصل بزيارة الجمعيات الخيرية النسائية التي يتجلى فيها النشاط النسائي السعودي، كالبازارات حيث تقوم بعض السيدات في جدة بفتح منازلهن أو عبر صالات الفنادق لتسويق سلع وبضائع بهدف التبرع بدخلها للجمعيات الخيرية في نفس المدينة.

وعن الجوانب الانسانية الاخرى في حياتها تقول «أتغلب على متاعب العمل بالفكاهة والمزاح». ورغم ذلك فهي ترفض الإفصاح عن الشخصية السياسية التي تعجبها، مؤكدة على انها لا تريد أن تكون مستشارة للأمن القومي الاميركي على خطى مواطنتها السمراء كونداليزا رايس. ولا تريد حتى ان تكون وزيرة خارجية لاميركا مثل مادلين اولبرايت. ومن يعلم قد تكون اجابتها تلك من باب «الفكاهة والمزاح» ايضا.