وزراء عرب سابقون يعيشون في الإمارات: معارضة بلا سياسة .. ولا أنياب

TT

يشكل احتضان دولة الامارات العربية المتحدة لعدد كبير من المسؤولين والوزراء العرب، ظاهرة لافتة للنظر، للدرجة التي اصبح فيها هؤلاء جزءا من نسيج الحياة السياسية والاجتماعية الاماراتية.

وبرغم اختلاف دوافع واسباب استقرار كل واحد منهم في دولة الامارات، فإن ما يحكم الجميع هو السياسة الاماراتية المتوازنة التي تترك كافة الخطوط مفتوحة على جميع الاتجاهات والتيارات بدون حساسيات او اغراض.

ومع ان بعض الذين يقيمون بالامارات من المسؤولين والوزراء العرب السابقين، محسوبون على المعارضة في بلدانهم، الا ان ذلك لم ينعكس سلبا على العلاقات الاماراتية مع تلك البلدان أو يؤثر في مستوى ما يتمتع به هؤلاء في الامارات من مرونة في الحركة ومشاركة في الحياة العامة.

وقد بدأ توافد المسؤولين والوزراء العرب السابقين للامارات مع قيام دولة الامارات، بل في بعض الاحيان قبل قيام الدولة.

ومن ابرز الذين جاءوا للامارات قبل اعلان دولة الامارات واستقلالها في ديسمبر (كانون الأول) عام 1971، الدكتور عدنان الباجه جي وزير خارجية العراق الاسبق الذي ارتبط بصداقة شخصية بوزير خارجية الامارات في ذلك الوقت احمد خليفة السويدي، الذي يعمل الآن ممثلا شخصيا لرئيس دولة الامارات العربية المتحدة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.

وقد شغل الباجه جي منذ مجيئه للامارات عدة مناصب رفيعة في دولة الامارات، كان من ابرزها عضويته في مجلس الوزراء المحلي لامارة ابوظبي قبل قيام الاتحاد، وعضويته في المجلس التنفيذي للامارات بعد اعلان الاستقلال وقيام الدولة الاتحادية.

ومع ان الدكتور الباجه جي حصل على جنسية دولة الامارات العربية المتحدة منذ سنوات طويلة، الا انه عاود في السنوات الاخيرة نشاطه السياسي كأحد رموز المعارضة العراقية، حيث شارك في الاجتماعات التي عقدتها قوى المعارضة العراقية في غير عاصمة من العواصم الاوروبية او في الولايات المتحدة. على ان نشاط الدكتور الباجه جي في صفوف المعارضة العراقية لا يعني ان الرجل طامح لشغل اي منصب في المستقبل، وجل اهتمامه وهو قد تجاوز حاليا السبعين من عمره، ان يساهم في اعادة بناء وطنه الأم، وتقديم خبراته السياسية والقانونية في هذا المجال وتوظيف علاقاته الدولية.

ويعيش الدكتور الباجه جي متنقلا بين ابوظبي واوروبا، حيث يقيم اولاده، وهو حريص على الظهور كلما اسعفه الوقت في المناسبات العامة والحفلات الدبلوماسية والندوات والمحاضرات السياسية والفكرية.

ومن الوزراء العراقيين السابقين الذين يعيشون في الامارات شكري صالح، الذي شغل اكثر من وزارة في العراق من ابرزها وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الاقتصاد.

وكما هو الحال بالنسبة للدكتور الباجه جي، فإن شكري صالح يحمل جواز دولة الامارات ويعيش في ابوظبي، منصرفا بوجه خاص لتسجيل خواطر سياسية تنشر من حين لآخر في الصحافة المحلية والصحافة العربية، فضلا عن انه اعد دراسات كانت ابرزها دارسة دحض فيها الادعاءات الصهيونية بشأن الابادة الجماعية (الهولوكوست) التي قام بها الزعيم الالماني النازي هتلر.

ويعد عبد الحميد البكوش، رئيس وزراء ليبيا الاسبق ابرز المسؤولين العرب المقيمين بالامارات بصفة دائمة بالرغم من انه يتحرك بانتظام بين ابوظبي وعواصم عربية واوروبية عديدة.

وما ينطبق على المصمودي ينطبق على وزير الاعلام الاردني الاسبق ومستشار العاهل الاردني الراحل الملك حسين، صلاح ابو زيد، الذي يعد من احدث الوزراء العرب السابقين الذين اختاروا الامارات كمستقر لهم.

وصلاح ابو زيد الذي تجاوز الخامسة والسبعين، يعمل مستشارا في ديوان الرئاسة الاماراتي، ومع ان له حضوره في الحياة اليومية الاماراتية، الا انه عزوف عن الادلاء بأي احاديث اعلامية او آراء سياسية مكتفيا بصلاته الوثيقة بالعديد من المسؤولين الاماراتيين الذين يتردد بانتظام على مجالسهم ومنتدياتهم الاجتماعية.

* البكوش والمصمودي .. علاقات قوية

* ويرتبط البكوش بصلات شخصية وثيقة بالعديد من المسؤولين الاماراتيين مما يجعله موجودا بانتظام في مجالسهم او في المناسبات العامة التي يشاركون بها.

ومع ان البكوش يحسب من رموز المعارضة في بلاده، الا انه لا يقوم في الواقع بأي نشاط ظاهر يمكن ان يصنف وفق تلك الحسابات. وابرز ما يقوم به الآن كتابة مقالات سياسية تحليلية حول بعض ما تمر به المنطقة العربية من تطورات، ويغلب على كتاباته طابع الاعتدال وميل وانحياز واضح للاتجاه الديمقراطي والليبرالي.

والى جانب كتاباته السياسية فإن البكوش يقرض الشعر ويمارسه كهواية يعرف بها القريبون منه، لكنه عزوف عن نشرها.

ومن بين المسؤولين العرب الآخرين الذين يقيمون بالامارات وزير خارجية تونس الاسبق محمد المصمودي، الذي كانت صداقاته وعلاقاته الشخصية بالمسؤولين الاماراتيين دافعه لاختيار الامارات كمكان للاقامة.

وبعكس المسؤولين العرب الآخرين فإن المصمودي يتنقل بين الامارات وبلده الاصلي تونس فضلا عن عواصم اوروبية، الا ان فصل الشتاء برمته يقضيه بدولة الامارات مستمتعا بدفء الشتاء ودفء العلاقات الانسانية الحارة التي تربطه بالعديد من الشخصيات الاماراتية السياسية والاجتماعية.

* الرئيس الجزائري بوتفليقة

* يعد الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة من ابرز الوجوه التي عاشت في الامارات عدة سنوات قبل ان يستعيد نشاطه السياسي ويتبوأ مركز القيادة في بلده.

وقد اتسمت الفترة التي عاشها الرئيس بوتفليقه بالابتعاد تماما عن ممارسة اي نشاط سياسي واضح. وكان اقدامه على ترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة في بلاده قبل اكثر من 3 سنوات مفاجأة لكثير من الاماراتيين الذين اعتقدوا ان ابتعاده عن الضوء الاعلامي سيسدل الستار على تاريخه السياسي الحافل خلال حقبة الستينات والسبعينات عندما كان وزيرا للخارجية في بلاده، لكنهم فوجئوا بأن ابتعاده عن الاعلام في ذلك الوقت ساهم فيما يبدو في صياغة رؤية سياسية لاخراج وطنه من الازمة الاهلية، وهي الرؤية التي وضعته هذه المرة على رأس الهرم وجعلته في مواجهة اضواء اعلامية ساطعة لا يستطيع التعامل معها، الا من أوتي الخبرة والحكمة.

* المجموعة اليمنية

* تعد ما يعرف بالمجموعة اليمنية، أكبر تجمع للمسؤولين والوزراء العرب السابقين الذين يعيشون بالامارات. ومن بين هؤلاء علي ناصر محمد رئيس ما كان يعرف باليمن الديمقراطية والذي يتردد على الامارات خلال فصل الشتاء.

ويملك علي ناصر محمد بيتا في ابوظبي، بالاضافة الى مزرعة في ضواحيها ومزرعة في رأس الخيمة، وقد بدأت علاقة علي ناصر محمد بالامارات في وقت مبكر، الا انها توثقت في اواخر التسعينات عندما قام بتنظيم مؤتمر حول التضامن العربي والجامعة العربية. وقد اشرف على الاعداد لهذا المؤتمر مركز الدراسات الذي اسسه علي ناصر محمد في دمشق التي اختارها مقرا لاقامته بعد خروجه من اليمن في بداية التسعينات. وضمن المجموعة اليمنية هناك عدد من الوزراء الذين جاءوا الى الامارات بعد انتهاء الحرب الاهلية اليمنية. وهؤلاء هم انيس حسن يحيى نائب رئيس مجلس الوزراء، وياسين نعمان رئيس مجلس النواب، وهيثم قاسم صالح وزير الدفاع، والدكتور عبد العزيز الدالي وزير الدولة للشؤون الخارجية. وكان من ضمن المجموعة ايضا سالم صالح محمد الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية قبل الحرب الاهلية، والذي عاد الى بلاده العام الماضي بصحبة الرئيس علي صالح.

وبالرغم من ان مجيء المجموعة اليمنية كانت نتيجة لحرب اهلية وخلافات سياسية، فإن هذه المجموعة لم تمارس منذ مجيئها للامارات قبل اكثر من 8 سنوات، اي نشاط سياسي واقصى ما قام به بعضهم نشر مقالات في صحف عربية ومحلية. على ان المفارقة اللافتة للنظر في المجموعة اليمنية ان خطوطها مع الحكومة اليمنية في صنعاء مفتوحة للدرجة التي تجتمع فيها هذه المجموعة مع الرسميين اليمنيين عند مجيئهم للامارات.