50 ألف عائلة في لبنان مهددة بسحب الجنسية

الخلافات الطائفية تمنع إصدار قانون جنسية.. والموجود فرنسي * المسلمون شكلوا ثلثي المجنسين ومنح الجنسية لآلاف الأرمن لردم الهوة

TT

* تنتظر اكثر من 50 الف عائلة «لبنانية مع وقف التنفيذ» الخطوة الثانية لوزارة الداخلية التي خولها مجلس شورى الدولة (القضاء الاداري) بحث ملفات افرادها وسحب جنسيتهم التي نالوها في العام 1994 بعد انتظار دام لدى بعضهم عشرات السنين.

وشكل صدور قرار قبول الطعن عن مجلس الشورى ما يشبه الصدمة لدى فئات لبنانية عدة، ذلك انه تم بعد نحو تسع سنوات على مرسوم التجنيس وعلى نحو غير متوقع ما يهدد بأزمة على مستوى الشارع بسبب التعقيدات الاجتماعية والسياسية الناجمة عن اكتساب المجنسين حقوق اللبنانيين خلال هذه الفترة وما ترتب على ذلك من حصولهم على املاك وانجابهم اطفالاً وتكوين عائلات.

واعتبر الخبير القانوني الدكتور ادمون نعيم ان بإمكان المتضررين رفع دعاوى على الدولة اللبنانية، غير انه رأى ان قرار مجلس الشورى «لم يقدم او يؤخر»، مشيراً الى انه بإمكان وزارة الداخلية اسقاط الجنسية عمن تثبت مخالفته.

وقال ان على وزارة الداخلية ان تدرس الملفات وتنزع الجنسية عن المخالفين، غير انه يمكن للمتضرر ان يطعن بالقرار باعتباره اوقع به ضرراً.

* وفيما نقلت مصادر قريبة من وزير الداخلية الياس المر عنه لـ"الشرق الاوسط" انه لن يظلم احداً، يتوقع ان يصدر الوزير خلال الايام القليلة المقبلة قرارات بتشكيل لجنة لبدء التحقق من ملفات المجنسين.

وكان لصدور المرسوم عام 1994 وقع شديد في الاوساط اللبنانية خصوصاً من الجانب المسيحي المعارض الذي اتهم الدولة بتجنيس فلسطينيين وسوريين. واستخدامهم كأوراق انتخابية في بعض المناطق، خصوصاً في منطقة المتن الشمالي الذي يعتبر نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الاسبق ميشال المر احد اقطابها وهو يترأس كتلتها النيابية.

كما صدرت شكاوى من «الخلل الطائفي» في التجنيس لمصلحة المسلمين الذي بلغ نحو ثلثي المجنسين، فيما اضطر القيمون على المرسوم الى تجنيس آلاف الارمن في محاولة لردم الهوة بين المسلمين والمسيحيين.

ويعتبر ملف الفلسطينيين من اشد الملفات حساسية رغم ان الدستور اللبناني حرّم تجنيسهم وتوطينهم. وقد منع هؤلاء من اكتساب اي حقوق للعمل والتملك تحت هذا العنوان.

وقد عمدت الرابطة المارونية فور صدور المرسوم الى الطعن به امام مجلس الشورى. ورأت، في كتاب بعثت به الى المجلس، انه «يتبين من مراجعة الاسماء المدرجة ان عدد المجنسين من الطائفة المارونية زهيد جداً بالنسبة الى عدد المجنسين من سائر الطوائف». كما لاحظت ان المرسوم «لم يشر الى اي واقعة تبرر منح الجنسية الى المستفيدين منه». واكدت ان عدداً منهم «لا تتوافر فيه الشروط القانونية وبعد صدور القرار بقبول الطعن تقدم وكيل الرابطة المارونية المحامي انطوان عقل باقتراح شطب اسماء المجنسين من الفلسطينيين والمحكومين وغير المقيمين والخالية طلباتهم من المستندات المفروضة قانوناً ورعايا القرى الواقعة في فلسطين (القرى السبع) وشطب الزوجات الاجنبيات اللواتي اكتسبن الجنسية وشطب اسماء اولادهن. كما طالب بوضع اشارة على العقارات التي تملكوها تمهيداً لايجاد حل قانوني لها.

ويعتبر موضوع التجنيس احد المحرمات اللبنانية التي لا يمكن التعاطي معها كبقية المواضيع الخلافية. حتى ان اللبنانيين لم يستطيعوا، منذ استقلالهم الى اليوم، وضع قانون للجنسية يمنحها بشكل تلقائي، فاكتفوا باعتماد قانون اصدره المفوض السامي الفرنسي الجنرال ويغان في العام 1925، أي قبيل اعلان دولة لبنان عام 1926 ثم استقلاله عام 1943. وقد ادخلت عليه بعض التعديلات غير الجوهرية. وباءت كل محاولات وضع قانون لبناني خالص بالفشل بسبب «الحساسيات السياسية والطائفية» كما يقول وزير الداخلية الاسبق بشارة مرهج.

ومن هذا المنطلق كان مرسوم التجنيس الذي صدر عام 1994 حالة استثنائية «لانصاف مستحقي الجنسية وغالبيتهم من المسلمين». ثم عادت الحالات لتتراكم بانتظار مرسوم جديد. ويقول الوزير مرهج لـ«الشرق الاوسط»: «كانت هناك مشكلة في البلاد بسبب وجود مجموعات كبيرة من المستحقين الذين لا يحملون الجنسية التي كانت تعطى لبعض الفئات وتحرم منها فئات اخرى بناء لاعتبارات غير موضوعية». وكانت هذه القضية موضوعاً خلافياً ساخناً وموضع مشاحنات.

واشار الى ان هذه المشكلة «تراكمت حتى كادت تتحول معضلة وطنية مستعصية». وقد ذهب البعض الى اعتبارها قنبلة موقوتة. لذلك بحث الموضوع في الطائف الذي اقر ضرورة حلها ووضع قانون للجنسية.

واضاف: «وبناء على قرار من الحكومة انطلقنا في ورشة عمل لاخراج مرسوم جنسية يكون سليماً شفافاً ومعبراً عن الحقيقة الديمقراطية اللبنانية». ودافع مرهج عن المرسوم الذي «اطلع عليه اعضاء الحكومة والمجلس النيابي الذي صفق النواب فيه خمس دقائق لاعلان الرئيس الحريري عن المرسوم». وأوضح انه كانت هناك استحالة في بحث كل حالة بمفردها ان الامر كان يمكن ان ينشئ تعقيدات تعطل المرسوم.

وتحدث مرهج عن خطة العمل التي اتبعت في التحضير للمرسوم، فاشار الى انه تم تأليف لجنة من وزير الداخلية والمدير العام لجهاز الامن العام، والمدير العام لدائرة الاحوال الشخصية، حيث تم رسم الخطة ليتم بعدها فتح باب تقديم الطلبات في كل المناطق لتسهيل وصول الجميع اليها وعدم تكرار ما حدث عام 1932. ولمزيد من التسهيل عليهم خصصنا يوماً لكل حرف ابجدي.

وفي كل مركز كان هناك عناصر من الامن العام والامن الداخلي وموظفون من مديرية الاحوال الشخصية للاشراف والمراقبة.

ولم يستبعد مرهج وقوع اخطاء في منح الجنسية لغير مستحقيها، مشيراً الى ان الذين عملوا على اعداد المرسوم «بذلوا جهداً كبيراً. لكن هذا لا يمنع وقوع بعض عمليات الخداع والغش»، مؤكداً انه لا يعتبر ان هناك «مخالفات جوهرية». وقال: «كان يمكن لمجلس الشورى منذ زمن بعيد اصدار قراره بحيث يمكن اجراء عملية تصحيح في وقتها قبل ان تنشأ تعقيدات عن هذا المرسوم على مستويات عائلية وادارية وحضارية».

وعن التوزيع الطائفي للمجنسين قال مرهج انه بمعدل 70 في المئة من المسلمين والبقية من المسيحيين. واعتبر ان مرحلة تنفيذ المرسوم التي تم بموجبها استصدار اخراجات القيد وتوزيع المجنسين على المناطق هي الادق وفيها يتم التحقق من صحة المعلومات التي قدمها المجنس عبر «المطابقة النهائية والحقيقية بين المستندات وحاملها». لكنه اشار الى انه غادر الحكومة قبل هذه المرحلة التي اصبحت بعهدة نائب رئيس الحكومة وزير الداخلية آنذاك ميشال المر الذي تولى الاشراف عليها. وذكر مرهج ان المر الف في مارس (اذار) 1996 لجنة تحقيق لاعادة النظر في المرسوم، خلصت الى التأكيد على عدم وجود مخالفات او شوائب فيه.

ووصف مفتي جبل لبنان الشيخ محمد علي الجوزو اعادة النظر بملف التجنيس بأنها "مشروع فتنة طائفية خطيرة»، ملمحاً الى دور اميركي في تحريك الملف.

واعتبر الجوزو في حديث لـ«الشرق الاوسط» ان «سجن الفلسطينيين في المخيمات يؤدي الى تفاقم اوضاعهم»، مطالباً بـ«معاملتهم كاللبنانيين الى ان تحل قضيتهم» ومستغرباً اعطاء الجنسية للفلسطينيين المسيحيين فور وصولهم الى لبنان، وكيف ان الارمن اصبح لديهم نواب ووزراء.

وحذر الجوزو من ان يكون فتح ملف مرسوم التجنيس هو بهدف «تطيير بعض المسلمين منه»، معتبراً انه «اذا فتح الباب فالامور مرشحة للتفاقم». واستغرب كيف ان الدولة لم تتحرك ضد اي قرار تجنيس الا هذا الذي منح العديد من المسلمين حقهم الطبيعي في الجنسية.

ورأى ان «الفلسطينيين يضربون تحت عنوان عدم التوطين» داعياً الى اعطائهم الجنسية اللبنانية مع محافظتهم على هويتهم الفلسطينية كما حصل مع الارمن وكان الجوزو شن حملة عنيفة على وزير الداخلية الياس المر، خلال مشاركته في وضع حجر الاساس لمركز مهني في اقليم الخروب (جنوب بيروت) بمشاركة وزير الاقتصاد مروان حمادة. وقد وجه تحذيراً شديداً للوزير المر «الذي يقوم بعمل طائفي ومذهبي على حساب المسلمين». وقال: «لن نسمح لك ولأي مسؤول بأن تمد يدك الى هذا القرار وسنقيم الدنيا ولا نقعدها».

* الحص: لست مع التجنيس العشوائي

* نفى الرئيس السابق للحكومة اللبنانية الدكتور سليم الحص معارضته «بالمطلق» للتجنيس. واكد لـ«الشرق الأوسط» ان موضوع التجنيس لم يطرح خلال ترؤسه الحكومة بشكل جدي.

وقال الحص انه كان مع التجنيس «بعد درس مستفيض لهذا الملف» معلناً انه كان يفضل صدور مرسوم بتجنيس ابناء القرى السبع وعرب وادي خالد «وليس عشوائيا»ً. واضاف: «انا مع مبدأ اعطاء صاحب الحق حقه من دون تدخل السياسيين».

* مرهج: المسيحي كان ينال الجنسية والمسلم لا

* اعتبر وزير الداخلية السابق بشارة مرهج ان قضية التجنيس «قضية ملتهبة تجاهلتها العهود المتعاقبة منذ العام 1932 وحتى الطائف او تعاملت معها من زاوية فئوية ضيقة مشيراً الى ان «المسيحي كان ينال الجنسية والمسلم لا».

وأوضح ان الحكومة التي كان احد اعضائها «حاولت انجاز قانون للجنسية لكنها لم تستطع بسبب خلافات داخل الحكومة واللجنة الوزارية».

* قانون الجنسية فرنسي

* لا يوجد في القانون اللبناني آلية واضحة ومحددة لنيل الجنسية. غير ان القانون الرقم 15 الذي اصدره المفوض السامي الجنرال ويغان عام 1925 اجاز لرئيس الدولة «بعد التحقيق» منح الجنسية للاجنبي الذي يثبت إقامته في لبنان 5 سنوات من دون انقطاع او الذي يتزوج لبنانية ويقيم سنة كاملة في لبنان بالاضافة الى «الاجنبي الذي يؤدي للبنان خدمات ذات شأن».

وقد عدل القانون في العام 1935 على يد المفوض السامي بيو. وفي الاعوام 1937 و1939 و1940 على يد رئيس الجمهورية آنذاك اميل اده. وعام 1939 ايضاً على يد المندوب العام الفرنسي هوتكلوك.

وفي عهد الاستقلال صدرت عدة تعديلات في العام 1946 و1949 و1951 في عهد الرئيس بشارة الخوري وفي العام 1960 في عهد الرئيس فؤاد شهاب.

* لبنانيون.. قيد الدرس

* في العام 1932 اجرى الاحصاء الرسمي الاول والوحيد للسكان لبنان باشراف الانتداب الفرنسي، فامتنع الكثير من سكان الاطراف التي ضمت الى لبنان (الجنوب والبقاع والشمال وبيروت) عن تسجيل اسمائهم فيه سواء لمعارضتهم الانضمام الى لبنان الكبير وتمسكهم بهويتهم العربية او خوفاً من الخدمة العسكرية الالزامية او هرباً من دفع الضرائب. وهذا الواقع كان بذرة المشكلة التي نمت وتشعبت مع مرور السنين لتتحول معضلة وطنية.

وفي العام 1960 حاولت السلطات اللبنانية حل قضية الاف من طالبي الجنسية من الاقليات (الاشوريون والكلدان والسريان والاكراد)، بالاضافة الى مكتومي القيد. وقد اعطي هؤلاء اشعارات تفيد ان طلباتهم هي قيد الدرس. وقد تحولت هذه الاشعارات لاحقاً الى ما عرف بـ«جنسية قيد الدرس» مع مرور الزمن من دون البت في طلباتهم. وقد منح هؤلاء هذه الجنسية (قيد الدرس) الى ابنائهم، ثم احفادهم حتى بات هناك نحو 30 ألف عائلة لبنانية «قيد الدرس».

عرب وادي خالد: أهالي منطقة عند الحدود الشمالية للبنان مع سورية، مؤلفة من نحو 12 قرية، امتنعوا عن تسجيل اسمائهم في احصاء عام 1932 لرفضهم الانضمام الى لبنان الكبير وقد تحولوا مع الوقت الى كتلة كبيرة من الناس (تقدر بـ25 ألف نسمة) الذين لا يحملون اية جنسية.

وبسبب عدم تمكنهم من دخول المؤسسات الرسمية اللبنانية عمل معظم سكان المنطقة في التهريب بين لبنان وسورية. ويتحدر نائبان في المجلس النيابي من اهالي منطقة وادي خالد (نالا الجنسية قبل 1994).

اهالي القرى السبع: اصولهم من سبع قرى سلخت عن لبنان بموجب اتفاق بين الانتدابين الفرنسي والانكليزي وضمت الى فلسطين. وهذه القرى هي ابل القمح وهونين والنبي يوشع وقدس والمالكية وصلحا وطيربيخا. وبعكس اهالي وادي خالد، رفض اهالي القرى السبع سلخهم عن لبنان الكبير واحتفظوا بهويتهم اللبنانية حيث كانت قيودهم في دوائر النفوس اللبنانية. وبعد حرب 1948 نزح القسم الاكبر من أهالي هذه القرى الى لبنان حيث اعطوا بطاقات تعريف خاصة. (هوية قيد الدرس) ميزتهم عن الفلسطينيين النازحين الى لبنان. لكن الكثيرين منهم سجلوا اسماءهم لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «اونروا» للحصول على المساعدات الغذائية والملابس والادوية وتعليم اطفالهم، كما ان بعضهم كان يحمل وثائق فلسطينية.