منظم رحلة السلام أوديسيا 2003: جمعنا حوالي 100 فنان من البحر الأبيض المتوسط لنقول «لا للعولمة»

ريشار مارتان مدير مسرح تورسكي بمارساي لـ«الشرق الأوسط»: الثقافة قارب للنجاة أمام الوضع المتدهور في العالم * من المتوقع أن تزور الباخرة فلسطين وإسرائيل

TT

شهدت مدينة طنجة (شمال المغرب) مساء 22 يونيو (حزيران) الماضي حدثا ثقافيا هاما تعلق برسو باخرة الكونستانتا الحربية الرومانية بمينائها، وهي باخرة تقوم برحلة من أجل السلام في البحر الأبيض المتوسط تحت شعار «أوديسيا 2003» وعلى متنها حوالي 100 فنان وشاعر وكاتب من دول البحر الأبيض المتوسط.

وقد كان في استقبال هذه الباخرة الضخمة التي تمخر عباب البحر الأبيض المتوسط من أجل السلام، حشود غفيرة من سكان مدينة طنجة، التي أعجبت بعرض الصوت والضوء الذي قدم على متن الباخرة وهي ترسو بالميناء، كما راقتهم العروض الفنية والمسرحية التي نظمت على متن الباخرة من 22 الى 25 يونيو (حزيران)، بالتعاون مع وزارة الثقافة المغربية.

فـ«أوديسيا 2003» الرحلة /الحلم، التي لم يكن الكل يتوقع تحققها على أرض الواقع في البداية، هي الرحلة الثانية من نوعها التي تقوم بها هذه الباخرة الحربية المعارة من البحرية الرومانية، حيث سبق وقامت هذه الباخرة برحلتها الأولى عام 2001 ورست خلالها بميناء الناظور (شمال المغرب) وبمجموعة من المدن بالبحر الأبيض المتوسط. وتستغرق رحلة «أوديسيا 2003» سبعين يوما سترسو فيها الباخرة بـ16 دولة متوسطية، إذ من المتوقع أن تزور الباخرة مدينة الناظور المغربية ثم الجزائر وتونس ومجموعة أخرى من الدول المتوسطية من بينها فلسطين واسرائيل.

فلولا مجهودات الفنان المسرحي الفرنسي ريشار مارتان الذي كان وراء هذه الفكرة ودعم المعهد الدولي للمسرح المتوسطي، لما تحققت هذه الفكرة/ الحلم أو الرحلة الجنونية التي تجند من أجلها فنانون وشعراء من البحر الأبيض المتوسط على متن باخرة حربية بهدف رفع شعار التحدي لواقع يرفض الحوار والتواصل وتكسير لمنطق الحرب السائد في العالم، وارساء قيم الأخوة والصداقة والسلام بين الشعوب وللتقرب أكثر من هذا الحدث الفريد من نوعه بالعالم كان لـ«الشرق الأوسط» هذا اللقاء المقتضب مع الفنان المسرحي الفرنسي ريشار مارتان مدير مسرح تورسكي بمارسيل وصاحب فكرة رحلة «أوديسيا 2003».

* كيف جاءت فكرة تحويل باخرة حربية الى باخرة للمسرح في رحلة من أجل السلام؟

ـ الفكرة جاءت أساسا بهدف الجمع بين فناني البحر الأبيض المتوسط والتي انطلقت في البداية مع تأسيس المعهد الدولي للمسرح المتوسطي الذي دعا له صديقي الاسباني جوزي موليون، حيث استجبت لهذه الدعوة وكنت أحد الأعضاء المؤسسين لهذا المعهد. وبعدها فكرت في تقوية هذا الاطار بخلق مبادرة فنية هادفة تجمع معظم فناني البحر الأبيض المتوسط، وهكذا شرعت رفقة بعض الأصدقاء الذين آمنوا بالفكرة منذ البداية ولم يكن عددهم يتعدى عشرة أشخاص في الأول، لأن أغلب الفنانين الآخرين اعتبروا الأمر مجرد حلم. ولكن بعد مرور 13 سنة على هذه الفكرة/ الحلم تحققت عام 2001 عبر استعارة باخرة «الكونستانتا» الرومانية الحربية التي لم تكن بالأمر السهل لولا مجهودات أحد الأصدقاء، فكانت الرحلة الأولى ذلك العام بمشاركة 24 بلدا من البحر الأبيض المتوسط ومن بينها المغرب الذي يعتبر أحد الأعضاء المؤسسين للمعهد الدولي للمسرح المتوسطي. فتحويل باخرة حربية الى باخرة فنية في بداية الألفية الثالثة له أكثر من دلالة خصوصا في البحر الأبيض المتوسط، لكن أبلغها هو نبذنا للحروب ورغبتنا في أن يسود السلم والأمان في العالم. فهي باخرة حربية تحمل على متنها ما يربو على مائة فنان بالاضافة الى طاقم الباخرة التي تمخر عباب البحر في سبيل الدعوة من أجل السلام.

* ألم تجدوا صعوبات في اقناع الجهات المكلفة تحويل باخرة حربية الى باخرة فنية؟

ـ طبعا وجدنا صعوبات كبيرة، ولكن صديقي الفنان الروماني فرجيل أكاشانو، الذي يحظى بتقدير كبير في بلده، استطاع أن يقنع الجهات المسؤولة بالأمر وأن يدافع الى جانبي عن هذه الرغبة المجنونة في تحويل آلة حربية الى آلة فنية، كل ذلك في سبيل أن يسود السلام بالعالم وأن يلتفت أصحاب القرار في هذا العالم الى ضرورة الانصات الى المثقفين والفنانين والشعراء، الذين لم يتوانوا عن ارسال اشارات منذرة بالخطر المحدق بالعالم ومن آلة الحرب الجهنمية التي بدأت تأتي على كل بقعة في كوكبنا الأرضي.

* هل أحداث 11 من سبتمبر هي التي دفعتكم الى الاسراع بتحقيق هذا الحلم؟

ـ الرحلة انطلقت قبل تلك الأحداث بقليل، ولكنها جعلتنا نقتنع أكثر بهذا العمل الانساني وبالنضال الذي نقوم به من أجل السلام، لأنه للأسف بدأنا نشهد في بداية هذا القرن خروقات كثيرة وغيابا للوعي والضمير الانساني. وهذا دليل على فشل السياسة، لأن كل السياسات المعمول بها في العالم لم تنتبه الى الانسان، وهو أهم شيء.

* هل تعتقدون أن الثقافة يمكن أن تغير شيئا ما في العالم؟

ـ الثقافة فعلا هي الوحيدة التي بامكانها تغيير العالم، إنها حاجة ضرورية وقارب للنجاة بالنسبة لنا أمام الوضع المتدهور الذي وصل اليه العالم. فسياسات الاستغلال والتعتيم والقمع لم تعد تنفع في الظرفية التي نعيشها الآن.

* ألم تقلل الأحداث التي شهدها المغرب في 16 مايو (ايار) الماضي بالدار البيضاء من عزمكم في زيارة المغرب في اطار هذه الرحلة؟

ـ لا بالعكس، فتلك الأحداث دفعتنا للمجيء الى المغرب للتعبير لشعبه ولفنانيه أننا ضد كل أساليب الارهاب وضد العنف والتقتيل. ونحن نأمل في أن تشجع هذه الرحلة كل الديمقراطيين على ضخ دماء الحرية والأمان والأخوة في العالم، وذلك حتى يتنفسوا بكل حرية. نحن نرغب في تحقيق نتائج ملموسة ولهذا فنحن نسعى للقاء الناس دونما تردد بهدف ارساء قيم الحب والصداقة والأخوة التي بدأت تفتقد في هذا العالم الرهيب.

* وما هي الأهداف الأساسية التي ترمون الى تحقيقها من خلال رحلة أوديسيا 2003؟

ـ أوديسيا 2003 رحلة رمزية ترفض منطق الحروب وتهدف بالأساس الى إعادة رسم معالم السلام في هذا العالم ووقف الحروب، كما تهدف الى جمع فناني ومثقفي البحر الأبيض المتوسط من أجل استعادة مجد هذه المنطقة الغنية بتاريخها وحضارتها وآدابها، والحفاظ على خصوصيتنا وهويتنا الثقافية والاستفادة من هذا الارث الحضاري.

* كم هو عدد الفنانين المتواجدين على متن هذه الباخرة؟

ـ يوجد على متن هذه الباخرة ما يفوق 60 فنانا من دول البحر الأبيض المتوسط.

* وما هي خريطة هذه الرحلة وكم ستستغرق من الوقت؟

ـ الرحلة تنظم مرة كل سنتين، وأوديسيا 2003 هي الرحلة الثانية التي نقوم بها على متن باخرة «الكونستانتا» الحربية الرومانية. وستستغرق سبعين يوما ما بين شهر يونيو وأغسطس وبداية سبتمبر 2003، وسنتوقف فيها عند 16 بلدا من البحر الأبيض المتوسط والأدرياتيك والبحر الأسود. لقد انطلقنا من كونستانزا، وتوقفنا بفارنا وتيسالونيك وبيرسي ومارسيل وبورتو سيمونت وفالونس، والآن طنجة. وبعدها سنزور مدينة الناظور لنلقي تحية على تلك المدينة العظيمة التي استقبلتنا عام 2001. ومن مدينة الناظور سنبحر في اتجاه الجزائر لنرسو بمدينة مستغانم والعاصمة الجزائر، وبعدها بمدينة الحمامات بتونس وطرابلس ومالطا وسيسيليا. ومن المتوقع أن نزور فلسطين واسرائيل إذا كانت الظروف في المنطقة تسمح بذلك، وذلك بهدف الجمع بين الفنانين الأحرار في البلدين.

* هل هناك معايير معينة تحتكمون اليها في اختيار المدن والبلدان التي تزورونها؟

ـ نحن نعمل بالتنسيق مع شركائنا في دول البحر الأبيض المتوسط أعضاء المعهد الدولي للمسرح المتوسطي. وهؤلاء الشركاء هم الذين يحددون عدد الدول التي سنزورها وعدد المدن في بلد معين.

* ولماذا تم اختيار مدينة الناظور برأيكم في أول رحلة للباخرة بالمغرب؟

ـ وزارة الثقافة المغربية هي التي اختارت مدينة الناظور، لأنها تعاني من التهميش في المجال الثقافي، ونحن لم نشعر بالندم على زيارتنا لتلك المدينة بدليل أننا ننوي العودة اليها هذا العام، وهي مدينة جميلة تحتاج الى العناية والاهتمام فقط. أما اختيار مدينة طنجة هذا العام فذلك لأنها مدينة أسطورية، مدينة ساحرة ومدينة ملتقى الفنانين من مختلف أرجاء العالم.

* هل افتقادكم للامكانيات المادية هو الذي جعلكم تقومون بهذه الرحلة مرة كل سنتين فقط؟

ـ نعم إنها الامكانيات المحدودة التي نتوفر عليها هي التي تحول دون تحقيق هذا الحلم كل سنة. فأوروبا لا تساعدنا، وأنا كفرنسي لا أتلقى مساعدات في هذا الاطار من أوروبا ولا من وزارة الثقافة الفرنسية. وهذا جد مؤسف، فنحن نقوم بهذه الرحلة بأقل الامكانيات وبموارد محدودة، فيما تغدق الأموال على تظاهرات سلبية لا تستحق ذلك.

* ولماذا اخترتم المسرح كتعبير أدبي وفني لأوديسيا 2003؟

ـ في أوديسيا 2001 كان الشعر هو الحاضر من خلال أشعار الفنان ليو فيري، فقد كتب قصيدة سلام بباخرة حربية ذلك العام، وكان لها وقع كبير على الناس الذين يعانون في صمت من هول الكوارث التي تحدق بالعالم. أما اختيار المسرح هذا العام فلأنه فن شمولي يجمع التعابير الابداعية الأخرى كالرقص والموسيقى والغناء. وعلى هذا الأساس فالفنانون بالباخرة سيقدمون طوال الرحلة مجموعة من العروض المسرحية والفنية، كما أن البلدان المستقبلة لنا ستحاول ما أمكن تقديم نماذج من حياتها الثقافية والفنية.

* ظهرت في السنوات الأخيرة العديد من التظاهرات التي تحمل شعار البحر الأبيض المتوسط ربما خوفا على هذه المنطقة من العولمة الكاسحة، فهل رحلة الأوديسيا تدخل في هذا الاطار؟

ـ ربما هي أيضا تدخل في هذا الاطار، ولكن في نفس الوقت أنا مع العولمة التي تحترم الثقافات وتحافظ عليها، وضد تلك العولمة المهيمنة والحاضنة للكل. أنا مع الاهتمام الكوني والعالمي، ولكنني في نفس الوقت أصر على احترام الخصوصيات الثقافية، وأسعى الى التعريف بخصوصيات الثقافة المتوسطية في مختلف تجلياتها وتمظهراتها. وأعتقد أن هذه الرحلة البحرية تقدم جوابا على هذا الرفض المطلق لكل أشكال الهيمنة والاحتواء التي تسعى القوة الوحيدة في العالم فرضها. فنحن كفنانين فوق هذه الكرة الأرضية نتواجد من أجل الدفاع عن الحرية والسلام ورفض كل أشكال الهيمنة الهمجية.