ثمن الدروس الخصوصية في مصر 12 مليار جنيه سنويا

مصلحة الضرائب: 6 مليارات جنيه مستحقة سنوياً على المدرسين لا يسدد منها سوى نصف مليون جنيه

TT

ادفع نصف شهر واحضر شهراً كاملاً.. جنرال اللغة الانجليزية.. بروفيسير اللغة الفرنسية.. أبوالفلسفة.. امبراطور اللغة العربية.. خبير الفيزياء.. عالم الاجتماع الأول بحي المطرية.. الرائد في الجغرافيا.

هذه بعض أساليب الإغراء التي يستخدمها محترفو الدروس الخصوصية في بداية كل عام دراسي، وكأنهم مقدمون على موسم «حرق دم» الأسر المصرية، مراهنين على أن تصبح كل أسرة، على الحديدة، بمجرد انتهاء الدراسة.

ورغم ورطة الجميع في مواجهة الازدياد المتتالي للأسعار لكن وللأسف الشديد فإن الأسر المصرية تستسلم لألاعيب هذا النوع من المدرسين خوفاً على ابنائها من الفشل الدراسي، الذي تبناه التعليم النظامي في مصر.

قبل ان تبدأ الدراسة بأكثر من شهرين، بدأ محترفو الدروس الخصوصية يعلنون عن أنشطتهم بطرق مختلفة لجذب أكبر عدد من الطلبة، أحد المراكز التعليمية بمنطقة الوايلي بالقاهرة، أعلن عن ان الدراسة به ستكون مجاناً لمدة اسبوعين، وزاد من الإغراء في اعلانه قائلا: ادفع نصف شهر واحضر شهراً كاملا.

مركز آخر بمنطقة «كوبري القبة» شرق القاهرة أكد في اعلاناته الملصقة بالشوارع، ان خبرة المدرسين به تزيد على 30 عاما، ومركز ثالث أعلن عن تنظيم مسابقة ثقافية للمتقدمين للالتحاق به، جائزتها الاولى رحلة عمرة، والجائزة الثانية كارت يتيح للفائز خصومات كبيرة، ومركز رابع وزع على المارة جدولا بترتيب حصص المدرسين العاملين به في مختلف التخصصات.

التقينا ببعض الطلاب، يقول شريف عادل (ثانية ثانوي) الدروس الخصوصية تكمل ما ندرسه في المدرسة، ونعتمد عليها في فهم المواد، وتتنوع الدروس الخصوصية ما بين خاصة في المنزل أو بالمراكز التعليمية الخاصة والتي نفرق ونفاضل بينها بناء على شهرة مدرسيها. وهناك نشرات توزع علينا في بداية السنة الدراسية تتضمن اسماء هذه المراكز وأماكنها واسماء مدرسي كل مادة ويدفع الطالب 200 جنيه في بداية الاشتراك بالاضافة للاشتراك الشهري ويبلغ 150 جنيها.

وتؤكد سامية محمد حسن (الصف الثالث الثانوي العام) ان الطلبة يلجأون للدروس الخصوصية بحثا عن مجموع عال يمكنهم من الالتحاق بالكليات التي يرغبونها. ونحن كطلبة نقبل على مراكز الدروس الخصوصية في حصص المراجعة التي تسبق الامتحانات بفترة وجيزة. ويتزايد عدد الطلاب خلالها لدر جة ان البعض يتلقاها واقفا على سطح المركز، بينما يشرح مدرسو المادة عبر الميكروفونات.

تقول شيماء فتحي (ثانية ثانوي): حجزت لدى مدرس خصوصي في اكثر من مادة مبكرا حتى اضمن لي مكانا، ونحن كطلبة لانستطيع الاستغناء عن الدرس الخصوصي لانه وسيلتنا للنجاح بمجموع كبير، فنحن لا نفهم معظم المواد في المدرسة بسبب كثرة عدد الطلاب وعدم شرح المدرسين بضمير.

زميلها عماد محمود: حجزت مبكرا في أحد المراكز مقابل مبلغ 5 جنيهات في الحصة، وحجزت مبكرا حتى أعرف مستوى المدرسين واذا وجدته سيئا سأحجز في مركز آخر، لأنني لا استطيع دفع 80 جنيها في حصة واحدة بالمنزل.

* ولكن ماذا يقول أولياء الأمور الذين يقتطعون من قوت الأسرة لتوفير ثمن الدروس الخصوصية للأبناء؟

ـ يقول احمد حسنين (موظف): لايوجد مفر من اللجوء للدروس الخصوصية لأنها تمكن الأبناء من فهم المواد الدراسية بعكس المدرسة، وعن نفسي اقتطع مائتين و50 جنيها شهريا لدفعه ثمن الدروس الخصوصية التي يحصل عليها ابني وابنتي اللذان يدرسان بالصف الثاني الثانوي، ولانستطيع في المنزل التصرف بحرية اثناء فترة الدراسة، فدائما يوجد مدرس غريب عنا يشرح للابناء الدروس مما يجعلنا نعيش كابوسا طويلا يستمر طوال أيام الدراسة.

* قوت أولادي

* فاطمة عبد الله (ربة منزل) ترى ان سبب انتشار الدروس الخصوصية يرجع لنوعية أسئلة الثانوية العامة التي تحول الامتحانات لموقعة حياة أو موت بين الطالب وواضع الأسئلة. ويحاول محترفو الدروس الخصوصية تبسيط وتوضيح طريقة الاجابة على هذه الاسئلة لطلاب الدروس الخصوصية، ولذلك يجب اعادة النظر في نظام الثانوية العامة نفسه وطريقة وضع اسئلة الامتحانات بطريقة تتفق مع ما يوجد في الدول المتقدمة، التي لاتوجد بها هذه الظاهرة لكي يتم انقاذنا من هذا الخطر الذي يأتي على حساب قوت يومنا، فلدي ثلاثة أولاد في مدارس ولا يوجد دخل سوى معاش والدهم الذي لايتجاوز 250 جنيه.

مسعد سيد عامر (أحد أولياء الأمور) يقول: الدروس الخصوصية اصبحت واقعا لا مفر منه وأصبح الاختلاف فقط على سعر الدرس الخصوصي ومكانه هل في المنزل أو بأحد المراكز، ولن تنتهي هذه الظاهرة إلا عندما يهتم المدرس بالشرح في المدرسة بدلا من توفير جهده للدروس الخصوصية فقط.

بينما يرى ابراهيم السيد (اخصائي اجتماعي) انه اصبح الحجز عند المدرس الخصوصي الجيد قبل بدء الدراسة مطمعا للأهالي والأبناء واذا لم يستطع ذلك يبحث عن مركز تعليمي، وفي كلتا الحالتين يشكل الدرس الخصوصي عبئا اقتصاديا على الاسرة.

ويقول ناجي علي رزق (مندوب مشتريات): لدى ثلاثة ابناء بمراحل التعليم اقتطع 65% من مرتبي للإنفاق على دروسهم الخصوصية سواء في المنزل أو في المراكز الخصوصية، وللأسف أنا مضطر لذلك في سبيل تفوق أبنائي.

* الجانب الثالث في هذه القضية هو اصحاب المراكز الخصوصية والمدرسون الذين يحترفون الدروس الخصوصية، فما وجهة نظرهم؟

ـ أحمد سامي (صاحب احد المراكز) يقول: نقدم خدمة تعليمية تكمل دور المدرسة بدليل عمل جميع المراكز عقب انتهاء اليوم الدراسي، ونحن لا نبالغ في اسعارنا فنقدم خدماتنا بأسعار زهيدة مقارنة بما يتقاضاها المدرس الخصوصي الذي يذهب للطالب في منزله ويحصل على مبالغ ضخمة نظير تدريس مادة واحدة.

اما محمد هشام (مدير مركز دروس خصوصية بمنطقة الزاوية الحمراء) يقول: اسعار المراكز تختلف من منطقة شعبية الى منطقة راقية بسبب اختلاف المستوى المادي لاسر الطلاب، ففي الاماكن الراقية لايزيد العدد في الحصة عن 20 طالبا ويجلسون في مكان مكيف ويدفعون 30 جنيها لكل منهم في الحصة، بينما يزداد العدد كثيرا في المناطق الشعبية ولا يدفع الطالب اكثر من خمسة جنيهات في الحصة، ويزداد عدد المراكز في المنطاق الشعبية لان الطلاب بها لا يستطيعون دفع تكاليف المدرس الخصوصي في المنزل، ونحن نحاول خدمة ابناء المنطقة بمساعدتهم في الحصول على مجاميع مرتفعة.

* أزمة ضمير

* ولكن ما سبب انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية والمراكز الخاصة بها؟

ـ يقول محمد ناصر هارون (موجه عام رياضيات): سبب انتشار الدروس الخصوصية هو جشع بعض المدرسين الذين فقدوا ضمائرهم وتخلوا عن أي قيم أو اخلاقيات بحثا عن جميع المال، وهم يرفعون سنويا اسعارهم، فأصبح دخل الواحد منهم يزيد عن الف جنيه يوميا، وينظم بعض هؤلاء المدرسين مراكز للدروس الخصوصية لكسب المزيد من المال بعد جذب آلاف الطلاب المخدوعين بهم، وهؤلاء سبب غياب التلاميذ عن المدارس لانهم لا يتفرغون لعملهم ويفضلون عليه مراكز الدروس الخصوصية.

الدكتور رسمي عبد الملك (رئيس شعبة التخطيط التربوي بالمركز القومي للبحوث التربوية والتنمية) يرجع ظاهرة الدروس الخصوصية الى القصور الواضح من جانب الادارات المدرسية والتعليمية في تأدية دورها التعليمي، بجانب تكدس المناهج الدراسية وعدم اهتمامها بتنمية القدرات والمهارات لدى الطالب، وتأثير ارتفاع كثافة الفصول وتعدد الفترات الدراسية على تنمية تلك القدرات والمهارات العليا لدى الطلاب، وضعف التقدير المادي والاجتماعي للمعلم وضعف دور مجالس الآباء والمعلمين في مواجهة الظاهرة، وللتخلص منها يجب الاعتماد على أساليب التعليم الذاتي وتدريب التلاميذ عليه كإجراء البحوث واعداد ملخصات المواد وتغيير نظام الامتحانات الحالي الذي يعتمد على التلقين، وعدم ربط السؤال بالمحتوى المادي والمقرر الدراسي حتى يكون الامتحان بمثابة مقياس لقدارات ومهارات الطلاب العقلية وقدرتهم على حل المشكلات، مع وضع المدرس تحت الاختبار لمدة عام أو عامين، ووضع قسم اخلاقي لمهنة التدريس يتعهد المدرس باتباعه قبل تعيينه مع ضرورة توقيع أقصى العقاب على المخالف بالفصل من عضوية النقابة اذا ثبت قيامه باعطاء الدروس الخصوصية.

* أرقام مفزعة

* أكد تقرير أعدته لجنة التعليم بمجلس الشعب أن تكلفة الاتفاق على الدروس الخصوصية يتراوح بين 7 و12 مليار جنيه سنويا، وتتسب هذه الظاهرة في تهميش دور المدرسة النظامية وتهدد المؤسسة التعليمية بأسرها، وتسبب انعدام ثقة المواطن في قدرة النظام التربوي، وتفريغ عملية مجانية التعليم من مضمونها، وضياع جزء من موازنة الدولة من دون نفع، والانحدار نحو هاوية التجارة بالتعليم مما يؤدي لانهيار مبدأ تكافؤ الفرص وما يصاحب ذلك من سلوكيات وتداعيات تهدد السلام الاجتماعي للوطن.

بينما أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء، ان قيمة ما تنفقه الاسرة سنويا على التعليم والدروس الخصوصية يصل الى 4 و6 مليارات جنيه تمثل اجمالي الانفاق على التعليم من ملابس ومواصلات ودروس خصوصية.

وتؤكد أرقام مصلحة الضرائب ان نشاط الدروس الخصوصية يزيد عن 6 مليارات جنيه سنويا لا تزيد حصة الضرائب منها عن نصف مليون جنيه بسبب تهرب المدرسين وأصحاب مراكز الدروس الخصوصية من دفع حقوق خزانة الدولة.

* أمنيات

* في الوقت نفسه نظم مركز الدراسات الاستراتيجية واعداد القادة بجامعة المنوفية، دائرة حوار علمية تناولت مشكلة الدورس الخصوصية، وأكدت الدائرة التي عقدت برئاسة الدكتور ابراهيم صديق نائب رئيس الجامعة لشؤون خدمة المجتمع وتنمية البيئة على ضرورة تدريب التلاميذ على أساليب التفكير المختلفة، وتشجيع طرق التعليم الذاتي، وتطبيق نظام اليوم الكامل في المدارس بجميع مراحلها التعليمية مع تخصيص حصص للمراجعة وأداء الواجبات الدراسية وحل نماذج من اسئلة الامتحانات داخل الفصول، مع ضرورة استخدام الوسائل التعليمية لمساعدة ومنح مكافآت مجزية للمدرسين المتميزين بناء على النتائج التي يحصل عليها طلابهم، مع توعية الآباء بضرورة متابعة أبنائهم دراسيا من خلال توثيق الصلة بين المدرس والبيت، وكذلك تفعيل وتعظيم العقوبات في التشريعات التي تجرم الدروس الخصوصية.

كما طالبت دائرة الحوار بضرورة تغيير نظم الامتحانات الحالية التي تعتمد على الحفظ والتلقين بزيادة الدرجات المخصصة للأنشطة المختلفة والمجالات العلمية، وكذلك تغييرنظم القبول بالمراحل التعليمية عن طريق قياس المهارات والقدرات والاستعداد لدى التلاميذ وتعديل المناهج الدراسية وربطها بالحياة الوظيفية وتعديل الأوضاع المادية للمعلمين، وضرورة الاعتماد في ترقيتهم على النتائج الدراسية للتلاميذ، واستحداث وظيفة مساعد مدرس اكمالا لدور المدرس مع التوسع في انشاء المدارس لتقليل الكثافة في الفصول.