..وفي لبنان تجارة العلم تثقب الجيوب... والرقابة غائبة

TT

موسم العودة الى المدرسة هو موسم المصاريف بامتياز لكن، مهلا هذه العودة ترتدي حلة خاصة في لبنان ولا تقتصر على الاقساط المدرسية الباهظة التي تخضع للزيادة كل عام، بل تتعداها الى «كماليات» مبتكرة تمعن في جعل اللبناني الخاسر الاكبر.

طبعات جديدة، قرطاسية، زي او ازياء مدرسية، انشطة... واللائحة لا تنتهي في المدرسة «المتطلبة».

ومع اكتظاظ المدارس الرسمية بالتلاميذ، نظراً للاقبال المنقطع النظير عليها، فإنه أدى الى عجزها عن استيعاب الاعداد الغفيرة منهم، تبقى المدرسة الخاصة تتربص بذوي التلامذة وتسقيهم جرعات على وزن «ممنوع توريث الكتب» و«الزامية شراء القرطاسية وعدا عن الاقساط، تضاف سنوياً اقساط رديفة متمثلة برسوم للمختبر العلمي واخرى للكومبيوتر وغيرها للنشاطات».

وتطفو أهمية هذه النشاطات على السطح مع انطلاقة العام الدراسي لتخبو على امتداد السنة وتعود مع الموسم الجديد لتحصيل رسومها.

ولا يخفى على أحد ان التكاليف الخارجة عن القسط الاساسي في المدارس الخاصة الزامية ومنزلتها بمثابة الاقساط. وليس للمعترض، الا الرحيل الى «الرسمية» اذا توفر له مقعد فيها. هذه الاخيرة، ينظر اليها نظرة دونية وفق تقاليد المظاهر السطحية التي تشمل التعليم وتربطه بحالة اجتماعية خاصة.

طبعات الكتب الجديدة التي تظهر الى الواجهة كل موسم تحول دون التداول بالكتب المستعملة، كما هي العادة في مختلف انحاء العالم، والتي يهرع اليها المستهلك لتوفير بضعة ليرات وتقطع على الاشقاء طريق الاستفادة من كتب من سبقهم في الصفوف.

ومن يتصفح هذه الكتب سيذهل حتماً، ذلك ان الطبعات الجديدة لا تختلف عن سابقاتها سوى بترقيم الصفحات واخراجها. وقد يكمن الجديد الذي يستوجب احداث ثقب في جيوب الاهل اضافة صفحات لا تتعدى اصابع اليد الواحدة، لا تزيد من القيمة العلمية للكتاب شيئاً يذكر.

وقد تعمد بعض المدارس الى التعاقد مع مكتبات معينة لتسويق هذه الطبعات الجديدة. فالتعاون على اساس المصالح واجب. ولا سبيل للتملص من سيادة هذه المصالح.

والى جانب الكتب، تبرز القرطاسية وهي لمن لا يعلم عبارة عن بضعة دفاتر قد يصل ثمنها الى 100 دولار او اكثر في الصفوف العادية. اما صفوف الحضانة حيث يفترض بالطفل ان يلعب فقط، فالقرطاسية ثمنها مضاعف، علماً بأن التكاليف الفعلية لا تتعدى ربع هذا الثمن.

ومن قال ان من الممكن شراء اللوازم من أي مكتبة؟ ختم المدرسة وشعارها ماركة مسجلة ترفع سعرها (القرطاسية) الى الضعف... والتجارة سارية.

وللزي المدرسي قصّة ايضاً. وهو ليس واحداً بل شتوي وصيفي ورياضي. ومن الممكن ان تعمد بعض الادارات الى تبديله من باب اضفاء لمسة حديثة على صورة المدرسة التي تجاوزت خريفها، جارفة معها قيمة الرسالة التربوية التي اضحت بالية من الزمن الغابر لذلك، لا يتردد ذوي التلامذة بوصف سبتمبر (أيلول) بـ«شهر الكوارث»، حيث تنعكس احوالهم على وجوههم وأحاديثهم، واحياناً صراخهم واحتجاجهم وشكواهم خارج المدرسة وداخل المكتبات.

الا ان هذه الشكوى غالباً ما تنحسر الى داخل قلوب الأهالي مع غصة، والسبب هو الرغبة في تعليم فلذات القلوب وتسليحهم بما يواجهون به المستقبل الغامض. من هنا تزداد سطوة المدارس على الأهالي، لا سيما في غياب الرقابة الفعلية والفعالة للأجهزة التربوية المختصة، مما يشجع ادارات المدارس الخاصة على مزيد من وسائل الربح «العلمي». ويحكى ان رجلاً ورث مبلغاً من المال، وحين سأل عن افضل طريقة لاستثماره، سارع العارفون الى نصحه بافتتاح مدرسة.

نعم، تجارة العلم مربحة حقاً في لبنان.