حفل زواج بنت الترابي في الخرطوم جمع الفرقاء وغنت فيه «حواء الطقطاقة» أول من غنى للاستقلال في السودان

TT

ربما لم يشغل حدث اجتماعي أو مناسبة زواج تقليدية مجتمع الخرطوم، مثلما شغلتها مساء اول من امس مناسبة عقد قران صغرى بنات الدكتور حسن الترابي زعيم المؤتمر الشعبي المعارض، الذي اطلق سراحه قبل عدة ايام.

ورغم ان الخرطوم تشهد كل يوم وليلة عشرات الزيجات، إلا أن هذه الزيجة ملأت الدنيا وشغلت الناس داخل حدود السودان على الأقل، فقد ضاقت الشوارع المؤدية الى منزل والد العروس (أمامه) بالسيارات وربما يكون كثير من المدعوين اضطر للسير مسافات طويلة بسبب تعذر تخطي السيارات التي ملأت جنبات الشوارع والطرق المؤدية الى منزل الترابي. وشاهد الناس الوزراء والساسة والمسؤولين يمشون لمسافات طويلة دون حراسة وسط جموع قدرها البعض بنحو مائة الف شخص، جاءوا جميعا للمشاركة في هذه الاحتفالات التي أخذت طابعا وطعما إنسانيا جديدا بسبب مشاركة الأب الشيخ الدكتور الترابي فيها دون أن يتوقع ذلك أحد حتى اقرب المقربين إليه، بسبب اعتقاله التحفظي الذي تجاوز العامين، بعد الانشقاق الكبير الذي تعرضت له الحركة الإسلامية في السودان، اثر محاولات عديدة من الشيخ الترابي للاستئثار بالسلطة والانفراد بها، ومحاولته خلق ازدواجية في القرار الحكومي، الأمر الذي اضعف هيبة مؤسسات الرئاسة والدولة في السودان حسبما يقول المسؤولون الحكوميون، الأمر الذي ينفيه الشيخ الترابي وأنصاره في المؤتمر الشعبي، الذين يقولون ان الحكومة ضاقت بمطالبة الشيخ بالحريات العامة والسياسية في حين ان اصواتا حكومية حاكمة تقول ان توقيع حزب الشيخ الترابي ومباركته هو شخصيا لاتفاق مع الحركة الشعبية لتحرير السودان التي يقودها العقيد جون قرنق كان هو السبب الرئيسي لاعتقاله وفق قانون الطوارئ وتجديد حبسه اكثر من مرة.

مساء الخميس اختلف الأمر كثيرا.. عدد كبير من المسؤولين الحكوميين، والمتنفذين في الحكومة السودانية شاركوا في مراسم عقد القران وربما شارك الرئيس البشير نفسه في تلك المراسم ان كان موجودا في السودان، الا انه كان يشارك في اجتماعات قمة منظمة العالم الإسلامي المنعقدة في كوالالمبور ـ العاصمة الماليزية. وغاب الرمز السيادي الثاني بعد الرئيس البشير في السودان علي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية، بسبب سفره الى كينيا لقيادة وفد التفاوض الحكومي حول السلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان.

ولكن في مشاركة لها مغزاها الكبير، كان العميد طبيب عبد الله حسن احمد البشير، شقيق الفريق عمر البشير رئيس الجمهورية، من أوائل الحاضرين لمراسم العقد الذي أجراه وقام به السيد احمد عبد الرحمن المهدي، عم السيدة وصال الصديق المهدي، زوجة الشيخ الترابي، وشقيقة الصادق المهدي زعيم حزب الأمة المعارض، والذي يتنازع إمامة الأنصار وقيادتهم مع عمه الأكبر احمد المهدي.. وقد كان لتولي احمد المهدي أمر اجراء العقد دلالة اجتماعية جديدة، وهي ان السياسة لها ميادينها الخاصة ، والصراعات لها حلبات أخرى خارج سرادقات الفرح والمناسبات السعيدة. وربما لاول مرة في تاريخ السودان الاجتماعي تشهد المرأة مراسم عقد الزواج. وقد قال الشيخ الترابي ضمن خطبة القاها في تلك المناسبة: «يا أهل السودان، فما أردت المتعاقدين الا ان يكونا شاهدين، هنالك عن يساركم انثى وذكر طيب، وكلاهما هنا ان شاء الله، الأصلاء هناك والوكلاء هنا، إن شاء الله الرجال والنساء سواء».. وقال الترابي انه يفوض السيد احمد المهدي لاجراء عقد القران بينما يوكل للشيخ الدكتور حسن الفاتح قريب الله امر الدعاء للعروسين. وكان الدكتور مهندس دفع الله الترابي الشقيق الأصغر للشيخ الدكتور الترابي وكيلا للعروس أمامه حسن الترابي، بينما كان ظافر خليل وكيلا للعريس محمد بدر الدين هارون. وزواج أمامه الترابي من الدكتور محمد بدر الدين، يعتبره أهل العروسين زواج خير وبركة لانه جاءهما بفرحتين الأولى إطلاق سراح رب أسرة العروس المعتقل، والثانية فرحة الزواج نفسه، بينما يعتبره عموم أهل السودان زواجا جمع الفرقاء داخل سرادقات فرحة، تناسوا فيه ولو لساعات إحنهم وأحقادهم وخلافاتهم، إذ شكلت القوى السياسية السودانية الحاكمة والمعارضة ومنظمات المجتمع المدني والطرق الصوفية ورجالات الدين الإسلامي والمسيحي والقانونيون واهل القضاء والصحافة والإعلام، حضورا حاشدا ومميزا داخل منزل زعيم الحركة الإسلامية وأحد ابرز مؤسسيها في السودان.

كما شكل أبناء جنوب السودان وسلاطينهم وزعاماتهم حضورا بارزا بقاماتهم الفارعة وأزيائهم بألوانها المتميزة، حيث كان موسى المك كور ابن زعيم قبيلة الشلك وهو من القياديين بالمؤتمر الشعبي يرتدي الزي التقليدي لقبيلته. ومن القوى السياسية شهد مراسم العقد الدكتور رياك قاي كوك، نائب الآمين العام لحزب المؤتمر الوطني الحاكم ورئيس مجلس تنسيق الولايات الجنوبية، وعدد من الوزراء والقيادات منهم حسن عثمان رزق وزير الشباب والرياضة، والطيب مصطفى وزير الدولة بوزارة الإعلام والاتصالات، واللواء التجاني آدم الطاهر وزير البيئة، والعقيد صلاح كرار عضو مجلس قيادة ثورة الإنقاذ السابق وسفير السودان الذي أقيل مؤخرا في البحرين، بينما شهد عقد القران الدكتور عمر نور الدائم النائب الأول لرئيس حزب الأمة المعارض، وامينه العام الدكتور عبد النبي علي احمد، وعبد الرحمن رضوان القيادي البارز بالحزب الاتحادي الديمقراطي المعارض، ومضوي الترابي من الحزب الاتحادي الديمقراطي المشارك في السلطة، وعدد من قيادات المجتمع والرياضيين الذين تقدمهم الدكتور كمال شداد رئيس اتحاد كرة القدم السوداني، وعدد من أهل الفن تقدمهم الفنان علي إبراهيم اللحو، وكانت الفنانة السودانية المخضرمة حواء الطقطاقة التي غنت ليلة رفع علم السودان إيذانا بإعلان استقلاله في أول يناير (كانون الثاني) 1956، الفنانة من بين الحضور، وانها غنت (العديل والزين) التي تقدم للعروسين في احتفالات الزواج بالسودان، وأنها غنتها للعروسين مثلما فعلت ذلك في كل زيجات آل الإمام المهدي. وشارك في المراسم كل أبناء وبنات الصادق المهدي خال العروس (أمامة) وكان أبناء الشيخ حسن الترابي (عصام) و(صديق) و(ابن عمر) في خدمة الضيوف والمهنئين بهذه المناسبة السعيدة، التي يبدو أنها سوف تلقي بظلالها لفترة طويلة على المجتمع السوداني.