مؤسس شركة «سبريس» المغربية للتوزيع: استهلاك الصحافة في الوطن العربي ينحصر في 53 نسخة يومية لكل ألف نسمة ويرتفع إلى 285 في الدول الصناعية

محمد عبد الرحمن برادة: الجناح الغربي من الوطن العربي يمكنه تحمل جزء من عبء المسؤولية في اتحاد الموزعين العرب

TT

ينعقد في القاهرة المؤتمر السنوي الثلاثون لاتحاد الموزعين العرب يومي 13 و14 من الشهر الحالي. وتتحدث أوساط من داخل الاتحاد عن ترشيح محمد برادة الرئيس والمدير العام لشركة «سبريس» المغربية لتوزيع الصحف، لمنصب رئيس الاتحاد مباشرة بعد فوزه بالجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في المغرب تنويها بنشاطه وتقديرا لخدماته واعتبارا لما قام به من مجهودات في هذا السبيل. «الشرق الأوسط» التقت محمد برادة في الدار البيضاء وكان معه هذا الحديث.

* احتفلتم، أخيرا، في «سبريس» بالذكرى الخامسة والعشرون لتأسيسها، وامتازت هذه المناسبة بتظاهرات ولقاءات لم تقتصر على الميدان المغربي المحض بل تعدته إلى طرح قضايا تهم الصحافة والقراءة بشكل عام. ما هو تقييمكم لمسيرة «سبريس» بعد ربع قرن؟

ـ كما أشرتم فإن احتفاءنا باليوبيل الفضي لتأسيس «سبريس» كان فرصة أردنا من خلالها طرح بعض القضايا التي تعاني منها الصحافة المكتوبة والتحديات التي تواجهها أمام الامتداد الجارف للآليات التقنية المتسارعة التطور. وكانت ندوة «أية صحيفة لأي قارئ» مجالا لطرح هذه الإشكاليات من طرف إعلاميين مختصين في كل من تونس والجزائر وفرنسا والمغرب. إن هذا الأمر يعني في العمق أن «سبريس» تجاوزت مرحلة اغتنام أي فرصة لتقديم بيانات بإنجازاتها ومظاهر توسعها، فهذه المسألة أصبحت من تحصيل الحاصل وليست في حاجة إلى تقديم شهادات الإثبات. يكفي أن نقول اننا بدأنا قبل خمس وعشرين سنة بتوزيع ست جرائد يومية لنصل اليوم إلى أربع وعشرين جريدة إضافة إلى عشرات المطبوعات الأسبوعية والشهرية والدورية. كما يتضح اتساع نطاق عملنا بانتشار شبكة توزيعنا عبر مجموع التراب الوطني من أهم المدن إلى أقصى القرى والمجامع السكانية. إن أسطولنا تعبر ناقلاته كل الطرق والشوارع والأزقة الخلفية. وهذا الانتشار لشبكة توزيعنا تتحكم فيه آليات إدارية وتقنية بإشراف قدرات بشرية مؤهلة في الأساس وخاضعة لتدريب مستمر لمواكبة أحدث الوسائل المتسارعة في التطور. ولعل تسخير الإمكانيات الهائلة التي يتيحها استعمال الحاسوب سمحت بتجاوز كل المعضلات التي يعاني منها الموزع عادة لا سيما حين يتعلق الأمر بتحديد الكميات المناسبة بالارتكاز على إحصائيات ومقارنات دقيقة وخاصة للمنطق العلمي. وفي نفس الإطار نجد أن موقعنا عبر الانترنت يمكن شركاءنا الناشرين من الإطلاع على نتائج مبيعاتهم مفصلة مع كل التحاليل والتعاليق والاقتراحات وغيرها من المعطيات المقدمة بسرعة وفي الآن. هذه المعلومات وغيرها كثير تجعل الناشر على دراية مستمرة بمدى تجاوب القراء مع مطبوعه وبالتالي تمكنه من استشراف التوجهات المناسبة للمزيد من الانتشار ولعرض الكميات وفقا للإمكانيات الحقيقية لمتطلبات السوق. ومنذ البداية لم يكن دور «سبريس» منحصرا في إدارة التوزيع بشكل آلي فقط لأن طبيعة وجودها كانت تقتضي المساهمة في تطوير الصحافة الوطنية عن طريق الاتصال المستمر بالمسؤولين عنها لتدارس حاجيات القراء لضمان الانتشار الأوسع لها.

* لعل أسطع دليل على نجاح مؤسستكم هو فوزكم بالجائزة الوطنية الكبرى للصحافة بالمغرب لسنة 2003 التي رعاها، ولأول مرة، الملك محمد السادس مما يؤكد مكانة «سبريس» في المشهد الإعلامي في المغرب، كيف تلقيتم هذا التقدير؟ ـ عند تسلمي لهذه الجائزة صرحت بأن هذا التكريم الملكي السامي يتجاوز شخصي إذ أعتبره تقديرا لكل العاملين في مؤسسة سبريس، والساهرين على تحرير الصحف. ومما أعتز به هو أن اللجنة التنظيمية لهذه الجائزة هي التي قدمت ترشيحي والذي حظي بتأييد أعضاء لجنة التحكيم. إن هذه الجائزة رسالة تعني أن «سبريس» مؤسسة وطنية تلعب دورها الأساسي في خدمة الصحافة بالمغرب، وهي تأكيد للمثل القائل: «من سار على الدرب وصل»، ونحن قد جوزينا ولو أننا نعتبر أنفسنا دائما في بداية الطريق.

* تعد قضايا التوزيع في المغرب مرتبطة بهموم هذا الميدان في مجموع الوطن العربي، ذلك أن المطبوع العربي، وهذا في حد ذاته عامل إيجابي، يجد مجال انتشاره في مجموع الأقطار العربية، هذا من الناحية النظرية، فما هي حقيقة الأمر في الميدان؟

ـ من المؤسف، بل المؤلم، الإقرار بأن الميدان يعكس حقيقة مريرة في ما يرجع للتأليف والطباعة والنشر. إننا نلمس هذا كموزعين. ولعل التقرير الصادر في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عن هيئة تابعة للأمم المتحدة، يغني عن كل تعليق: إن العدد الإجمالي لسكان الأقطار العربية الموحدة اللغة يبلغ 248 مليون نسمة بينما يبلغ سحب أبرز الأعمال الأدبية 5000 (خمسة آلاف) نسخة فقط، بينما تظل الأعمال المترجمة إلى العربية من لغات أخرى متدنية العدد مقارنة مع أقطار أخرى: فقط اليونان ، مثلا، يبلغ عدد الأعمال المترجمة إلى اليونانية التي يتكلم بها 11 مليون نسمة فقط خمس مرات مما هو عليه الأمر في مجموع الوطن العربي. أما عن ميدان الصحافة فإننا نجد أن الاستهلاك في الوطن العربي ينحصر في 53 نسخة يوميا لكل ألف نسمة بينما يرتفع هذا الرقم إلى 285 نسخة لكل الف شخص في الدول الصناعية. وبشأن الحاسوب فإننا نجد مجال استعماله في الأقطار العربية لا يتجاوز حاسوبا لكل الف شخص بينما يصل استعماله في أقطار أخرى متقدمة إلى 78 حاسوب لكل الف شخص. ولا حاجة إلى تقديم مقارنات عن حجم استهلاك ورق الصحف في العالم العربي بما تستهلكه الأقطار المتقدمة لأنها مقارنات مهولة ولربما لا يستطيع المرء تصديقها.

نعم، هناك عوائق موضوعية تتعلق بتفاقم الأمية وضيق ذات اليد، إلا أن هذا لا يبرر وحده تدني انتشار الصحف الخاضعة في الغالب لتوجهات رسمية تبرر عزوف القراء. كما تعاني الصحافة الحرة من مضايقات ممنهجة أبرزها تحكم رقابة متخلفة مما يعرضها للمصادرة والملاحقة والمنع.

وبالرغم من ذلك فإننا ندعو دائما إلى تشكيل قوة، من خلال اتحاد الموزعين العرب، يكون لها تأثير إلى جانب منظمات المجتمع المدني في مختلف الأقطار العربية من أجل سيادة حرية الرأي والتعبير السبيل الوحيد والأنجع لازدهار الصحافة في الأقطار العربية.

* بالمناسبة، ربما شاءت الصدفة، إلى جانب معطيات موضوعية، أن تزامن احتفالكم باليوبيل الفضي لمؤسستكم «سبريس» مع مرور ثلاثين سنة على إنشاء «اتحاد الموزعين العرب»، والحديث عن ترشيحكم لرئاسته في الجمعية العمومية التي تنعقد في القاهرة يومي 13 و14 من الشهر الحالي، ما هو دافعكم لهذا الترشيح؟

ـ شاءت الأقدار أن أكون من بين الطليعة والرواد الذين اجتمعوا ذات يوم بمصيف برمانة (بضواحي بيروت).

كان ذلك في صيف 1973 ويومها كان الهدف واحدا وموحدا: جمع الناشرين والموزعين في إطار مهني لتخطيط التدابير الهادفة أساسا إلى تضافر الجهود للرفع بمستوى المطبوع العربي. ومن التمنيات المعبر عنها آنذاك تسهيل رواج المطبوعات داخل مختلف الأقطار العربية، والعمل على تبديد كل الصعاب التي تحول دون ذلك. وإذا قمنا اليوم بوضع جرد بالنتائج المحصل عليها فإننا لا ننكر إيجابيات يمكن الاعتزاز بتحقيقها إلا أن الهدف المتوخى ما زال مستعصيا على التحقيق. إن «سبريس» لم تقم على أسس تجارية محضة بل كانت هناك جمل من المبادئ ساعدت على تشكيل أهدافها وأولها محاربة الاحتكار والفئوية والعمل على تقريب المسافات بين جناحي الوطن العربي بشرقه وغربه، وتسخير كل الإمكانيات في هذا الجناح أو ذاك لانتشار المطبوع العربي في أحسن الظروف وأوفى الشروط.

إن مقدراتنا في مؤسستنا أصبحت هائلة، وإن المهنيين العرب والأجانب حينما يزوروننا ويطلعون على آليات عملنا يخجلوننا وهم يعبرون عن إعجابهم بما وصلنا إليه بل ومنهم من يعتبر أن «سبريس» يمكن أن تقدم كنموذج في ميدان التوزيع يمكن لأقطار أخرى أن تأخذ به لمصلحة صحافتنا.

لقد نادينا دائما، وما زلنا ننادي بضرورة المزيد من التنسيق وتبادل الخبرات بين مهنيي التوزيع في الوطن العربي وعلى قدم المساواة.

وبما أن أشواط العمل ما زالت أمامنا طويلة، فإننا نعتقد بأن الجناح الغربي من الوطن العربي يمكن أن يتحمل جزءا من عبء المسؤولية وعن جدارة.

* محمد برادة.. عددهم كثير في المغرب

* لماذا صار محمد برادة يحبذ الإشارة إليه باسم محمد عبد الرحمن برادة؟ هذا سؤال يتغاضى عن الجواب عنه ،لماذا؟ ربما، من إحراج. إنه لا يريد أن يعلن تميزه، ولو من الناحية المهنية الصرف، عن أشخاص أو شخصيات مغربية معروفة في عوالم مختلفة توحدها الشهرة بنسب متفاوتة. هناك، مثلا، محمد برادة، الروائي والناقد المعروف، وهناك محمد برادة، المحامي والصحافي، الذي سبق له تحمل مسؤولية إدارة يومية LOPINIONالناطقة بالفرنسية باسم حزب الاستقلال، وهناك محمد برادة، الرئيس والمدير العام لشركة الخطوط الجوية الملكية المغربية حاليا، وسفير المغرب السابق لدى باريس. لذلك، فإنك حينما توجه السؤال إلى رئيس «سبريس»:

* من أنت باختصار شديد؟

يجيبك بدون تردد:

ـ أنا محمد عبد الرحمن برادة فقط لا غير.