تدهور البيئة والجفاف يهددان رعاة الأطلس الرحل بالانقراض

TT

مع اقتراب موسم تساقط الثلوج في قمم جبال الأطلس الكبير الفارهة، بدأ الرعاة الرحل، كعادتهم خلال شهر أكتوبر (تشرين الاول) من كل سنة، رحلتهم عبر السفوح الجنوبية يقودون قطعان الإبل والماعز نحو منخفضات ورزازات ومكون وجبال صاغرو حيث دأبوا على قضاء موسم الشتاء. وكعادتهم لن يعودوا إلى هذه القمم الشاهقة حتى شهر مارس (اذار)، مع بداية ذوبان عماماتها البيضاء وخروج الحياة فيها من سباتها الشتوي.

يقول الراعي حدو موخا «هذه حياتنا التي قدر الله لنا كما وصفها في كتابه «رحلة الشتاء والصيف»، نقوم بها كل عام في نفس الوقت، لكن الحياة أصبحت صعبة في المنخفضات، فانتشار الضيعات الزراعية في أماكن الرعي التقليدية من جهة وتوالي سنوات الجفاف من جهة ثانية، ضيقت علينا الخناق». بالنسبة لحدو موخا كغيره من الرعاة الذين يتنقلون مع قطعانهم وأسرهم بين القمم والسفوح، أصبحت التغيرات المناخية والاجتماعية خطرا يهدد استمراره.

وتتعاون الأسرة الصغيرة لحدو موخا بكاملها على قيادة القطيع خلال الرحلة، حيث قسمه إلى ثلاثة أجزاء، جزء يقوده حدو موخا شخصيا وجزء يقوده ابنه الأكبر مع زوجته وجزء ثالث تقوده زوجة حدو موخا وابنته وابنه الأصغر وبخلاف السنوات السابقة يبدو حدو موخا أكثر تفاؤلا إزاء رحلة هذه السنة ، فالأمطار البكرية التي تساقطت خلال شهر سبتمبر (ايلول) الماضي في منطقة ورزازات كانت مؤشرا على سنة جيدة، وأكدت تساقطات أكتوبر (تشرين الاول) هذا المؤشر. ويقول حدو موخا «لقد اجتازت المنطقة سبع سنوات عجاف بكل معنى الكلمة، واضطررنا خلال السنوات الماضية إلى الذهاب لمناطق لم نصلها من قبل لقضاء فصل الشتاء فبسبب الجفاف وشح الأمطار في المراعي التقليدية لرحل الأطلس الذي استمر مند عام 1997، اضطر هؤلاء إلى البحث عن مواقع جديدة، وأرسلوا طلائع استكشافية باتجاه الشمال والغرب، وقد يسر توسع شبكات الهاتف النقال ووفرة وسائل النقل تحركاتهم. وبلغوا خلال شتاء 2002 أقصى شمال المغرب حيث وصلت قطعانهم مناطق تازة وكرسيف والناضور والحاجب، وفي العام الماضي توغلوا جنوبا وغربا في مناطق أولوز وبويزاكارن وتارودانت وكلميم.

غير أن تلك الرحلات بحثا عن مراعي بديلة لم تخل من الأخطار والصعوبات، كما لم تخل من مواجهات مع سكان تلك المناطق الذين لم يتعودوا على رؤية قطعان ماعز غريبة تكتسح حقولهم ومراعيهم، ويقول حدو «عانينا كثيرا من سوء المعاملة، الناس هناك لم يفهمونا وعاملونا كغزاة وفي بعض المناطق طاردونا بالعصي والحجارة». وكغيره من الرعاة لا يفهم حدو لماذا يتم منعه من رعي قطيعه في ضيعة غير مزروعة، ويضيف «إننا نحترم الأراضي المزروعة ونتفادى أن تدخل إليها قطعاننا أو تفسدها، لكن تلك التي توجد في فترة استراحة والمكسوة بالعشب من دون أن يستغلها أحد لا نفهم لماذا يمنعونها عنا خصوصا ونحن في أزمة». ويحكي كيف أن أحد المزارعين ضاق بفشل محاولاته لطرد الرعاة عن ضيعته الغير المزروعة فقام برشها بمادة سامة، مما أدى إلى وفاة قطيع بكامله بعد رعيه في تلك الضيعة.

ويعيش رعاة الأطلس الرحل في شكل مجموعات أسرية تتنقل بين السفوح والقمم في مراعي مملوكة جماعيا لأفراد القبيلة. وقد تضم الأسرة الواحدة عدة أجيال أحيانا ما دام رب الأسرة في الحياة، لكن عندما يتوفى يقسم القطيع بين ورثته وتتشظى المجموعة الأسرية إلى عدة أسر صغيرة. وتقوم القبيلة بتنظيم استغلال هذه المراعي عبر تحديد وإعلان الفترات المسموح فيها بالرعي، وتقرر إغلاق بعض المراعي التي يحتفظ بها على سبيل الاحتياط. وترتبط القبائل فيما بينها بمعاهدات تسمح لها بالرعي في مراعي بعضها البعض، غير أن جاذبية الحياة المعاصرة قد أغرت العديد من الشباب بالهجرة إلى المدن والمراكز الحضرية، كما استفادت بعض الأسر من السياسة التي اعتمدتها الدولة سابقا لتثبيت العائلات الراحلة واستقرارها، مما أدى إلى تدهور البيئة بسبب تحول السكان من نشاط رعوي موسمي ملائم للطبيعة شبه القاحلة لتلك المناطق إلى نشاط زراعي يستغل الأرض بشكل مكثف، إضافة إلى توسع النمو الديموغرافي وتوزيع القطيع العائلي، بتضافر مع توالي سنوات الجفاف، كلها عوامل أدت إلى تراجع المجموعات الرحلية التي أصبحت مهددة بالإنقراض.

ومع التوجهات الجديدة إلى أخذ الآثار البيئية للسياسات بعين الاعتبار دعت دراسات حديثة لوزارة الزراعة المغربية إلى وضع برامج خاصة لتشجيع الترحال كوسيلة للحفاظ على التوازن البيئي والموارد الطبيعية في المناطق شبه القاحلة، باعتبار هذا الأسلوب هو الأكثر ملاءمة لهذه المناطق من حيث الاستغلال العقلاني للموارد وتوزيع الضغط على الأرض عبر الترحال. وأبرزت الدراسات أن مشروع تنمية الأطلس الكبير الذي كانت السلطات المغربية قد اعتمدته بدعم من صندوق الأمم المتحدة للتنمية كان موجها أساسا للسكان المستقرين ولتشجيع الزراعة والاستقرار، وكبديل عنه طرحت مشروعا جديدا بدعم من منظمة «مرفق البيئة العالمي» يهدف إلى «الحفاظ على التنوع البيئي باعتماد الترحال». ويسعى المشروع الجديد، الذي يتمتع بالاستقلالية المالية والتسيير الذاتي، إلى بحث وسائل تسهيل ولوج مجموعات الرحل للخدمات الاجتماعية والصحية وتحسين ظروفها وتشجيعها على الاستمرار.

كما دعت الدراسات إلى اعداد ميثاق وطني للترحال وانشاء لجنة وطنية لتنظيم حركة الرعاة الرحل على الصعيد الوطني، والإشراف على توزيع النشاط حسب الظروف المناخية والطاقة الاستيعابية لكل منطقة.