الزاكي بادو مدرب المنتخب المغربي: أحمد الله أني لم أكمل دراستي...

لم أفشل في خوضي الانتخابات بقدر ما نجحت لأنني اكتشفت أنني محصن ضد الكذب ولم أسلك الطرق الملتوية والمشبوهة

TT

تحول الزاكي بادو مدرب المنتخب المغربي الى بطل قومي حقيقي، فالاستقبال الشعبي الكبير الذي خصص له ولفريقه لم تشهد له البلاد مثيلا، إذ لأول مرة يستطيع فريق كروي مغربي طاقمه من المغاربة ومدربه مغربي أن يصل الى نهائيات كأس أفريقيا للأمم. ورغم أن الفريق اضاع الكأس في اخر مقابلة له امام الفريق التونسي الذي كان يلعب على عشب بلاده وأمام جمهوره إلا أن الصور التي بتثها الفضائيات وحملتها الصفحات الأولى للصحف المغربية للزاكي وهو يبكي على فقدان الكأس هزت وجدان كل المغاربة، وقبل ذلك حركت مشاعرهم صورة منتخبهم الوطني وهو يلتف بعلم بلاده عقب انتصار فريقه على الفريق الجزائري، فهذه الصور التي أججت المشاعر الوطنية في الشارع المغربي لم يتعودها المغاربة من المدربين الاجانب، واستحق عليها الزاكي ولاعبيه أوسمة ملكية عند استقبالهم من قبل العاهل المغربي الملك محمد السادس الذي اختار أن يكون أول ظهور رسمي وعلني لولي عهده الامير المولى الحسن برفقته وهو يحتضنه في الصورة التي جمعت عاهل المغرب مع اسود الاطلس.

في الحوار التالي الذي خص به الزاكي بادو «الشرق الاوسط» وهو الاول من نوعه منذ عودته من تونس، يتحدث بطل المغرب عن حياته الخاصة خارج الملاعب، عن طفولته واسرته الصغيرة ووالدته. وفي مايلي نص الحديث:

* نود ان نخرج عن القاعدة خلال هذا الحوار، لتقريب القراء من الوجه الاخر للزاكي بادو، اذ ما هي الاشياء والذكريات التي مازالت راسخة في ذهنك من فترة طفولتك، هل كانت طفولة شقية ام سعيدة؟

ـ عشت طفولة عادية كبقية الاطفال الا انني كنت اتميز بطبع حاد، وكنت اصر على النجاح وتحقيق الاهداف التي ارسمها في ذهني منذ سن السادسة لاني كنت اؤمن بأي عمل اقوم به، واقصد بذلك ان الانسان حتى في مرحلة طفولته يكون منوطا به القيام بأعمال تنسجم مع ميوله ورغباته تكبر مع مرور الاعوام لتكتمل بعد ذلك شخصيته. واعتقد ان الطموح يقوي هذه الشخصية.

* مَن من افراد اسرتك الصغيرة قدم لك الدعم لبلوغ اهدافك؟

ـ فقدت والدي في سن السادسة من عمري، لكني لم احس بفراغ كبير لان اخي الاكبر عبد الخالق الذي يكبرني بسنتين عوضني هذا الفراغ لانه هو الذي تحمل مسؤولية رب الاسرة، ثم والدتي الحاجة امينة التي ساندتني وكانت تقوم مقام عشرة رجال نظرا لقوة شخصيتها، واعترف انني استمددت قوة شخصيتي منها لانها كانت صارمة وجدية الى ابعد حد، وهذا هو سر نجاح كل افراد اسرتي التي تتكون من ثلاثة اولاد ذكور وبنت. وسأبقى مدينا «للحاجة» طوال عمري ولن استطيع ان ارد لها هذا الدين، فإذا كنت حققت طموحاتي فالفضل في ذلك يعود الى الله سبحانه واليها.

* هل شعرت خلال هذه المرحلة باليتم وفقدان حنان الاب، هل عانيت مثلا من البؤس أو الفقر؟

ـ لا أبدا فقد عوضتنا والدتي عن كل الاشياء التي قد تشعرنا بأننا ايتام، ثم إن والدي رحمه الله ترك لنا ما يكفينا ويغنينا عن الناس حتى نعيش حياة ميسورة.

* متى شعرت بولعك بلعبة كرة القدم؟

ـ ربما شعرت بهذا الولع حين كنت في بطن امي، وحين ترعرعت واشتد عودي وبدأت ممارسة لعبة كرة القدم الى جانب اقراني احسست بشيء يشدني ويجذبني لحراسة المرمى، فلم يوجهني أحد في هذا السياق فقد اكتشفت موهبتي بنفسي وساعدني عشقي وجنوني في صقل موهبتي.

* اختيارك حراسة المرمى منذ البداية ألم يكن فيه نوع من الانزواء بين اصدقاء الطفولة؟

ـ لا لقد اخترت منذ البداية أن أحرس المرمى، ولم يجبرني احد على الوقوف في الخلف، ورغم أن حراسة المرمي قد تبدو لبعض الاطفال غير مغرية الا أنني كنت أجد متعتي في ذلك، وبما أن الكل كان ينفر من حراسة المرمى فقد ضمنت لنفسي أن أكون حاضرا في جيع المباريات وكان الكل يتوددون الي للعب ضمن صفوفهم.

* أتتذكر احدا من رفاق طفولتك مارس الى جانبك كرة القدم ونجح في مساره الرياضي؟

ـ هناك عدد كبير من الاصدقاء، لكن كان لدي صديق اعتبره رفيق دربي هو المدرب المغربي عبد الغني الناصري الموجود حاليا الى جانبي كمساعد لي في الجهاز الفني، وقد شاءت الاقدار ان يختار نفس المسار حيث بدأنا ممارسة كرة القدم معا في فريق الجمعية السلاوية في مدينة سلا، الا انه اختار الجانب الدراسي في المجال الرياضي حيث تخصص في التدريب ويعد الان من المدربين المقتدرين وساهم بشكل كبير في كل الانجازات التي حققناها مع المنتخب المغربي الاول في نهائيات كأس امم افريقيا الاخيرة.

* هل اثر اهتمامك بكرة القدم على دراستك؟

ـ (ضاحكا) احمد الله انني لم أكمل دراستي. كان يمكن ان يؤثر ذلك ان كنت بلغت مراحل متقدمة في الدراسة فأنا احمد الله انني انهيت دراستي في مستوى الباكالوريا وفضلت ملاعب كرة القدم عن الكليات والجامعات.

* ألم يخلق لك ذلك مشاكل مع اسرتك؟

ـ امر طبيعي، فقد لقيت معارضة قوية لانني كنت في سن السابعة عشرة، خاصة من طرف والدتي التي كانت تتمنى ان اوفق في دراستي وبذلت جهودا كبيرة في ذلك، لكن ملاعب الكرة كانت تشدني وتجذبني فغادرت الدراسة نهائيا في هذه السن لانني حددت مساري وعلي ان اتحمل مسؤولية اختياري، فرافقت منتخب المغرب للشباب الى الصين، وحين عدت الى المغرب وجدت قطار الدراسة قد فاتني كثيرا.

* كيف تعتقد ان يكون موقفك لو انك أتممت دراستك وحصلت على شهادات عليا ووجدت نفسك الى جانب المعطلين ترفع الشعارات امام البرلمان؟

ـ فرصة العمر تأتي مرة واحدة وعلى الانسان ان يستغلها قبل فوات الاوان. اعتقد ان هؤلاء الشباب جاءتهم فعلا فرصة عمرهم في مجالات أخرى وأضاعوها، لكن عليهم الا ييأسوا فقد يفتح الله ابوابا اخرى امامهم لان ابواب الرزق لا تظل موصدة دائما.

* ماذا كانت تقول لك والدتك عندما كانت تتصل بك أو تتصل أنت بها أثناء نهائيات كأس امم افريقيا الاخيرة في تونس؟

ـ كنت اتصل يوميا بوالدتي وبزوجتي وابنائي. أعرف أن والدتي لا تكون مطمئنة الا اذ سمعت صوتي لذلك كنت استفسرها عن احوالها، فكانت تدعو لي وتؤازرني.

* على ذكر اسرتك وابنائك كيف تستطيع في ظل انشغالاتك السهر على تربيتهم وتوجيههم في دراستهم؟

ـ ليست لدي مشاكل في هذا الجانب فزوجتي «ايني» تقوم بهذا الدور برغم انه صعب في الحقيقة، لكنها تكرس وقتها للاطفال ومراقبتهم وتوجيههم في مجالات دراستهم، وهذا لا يؤكد انني غائب دائما فحين احضر اتولى دور المراقبة فقط، لان لدي انشغالات اخرى، فأنا محظوظ لان زوجتي تعمل جاهدة لضمان الاستقرار لاسرتنا واطفالنا، واذا كانت والدتي بدأت مسار حياتي فزوجتي تتحمل عبء اتمام هذا المسار.

* هل جاء زواجك ثمرة علاقة حب؟

ـ يمكن لكم ان توجهوا هذا السؤال لزوجتي وتستفسروها لماذ قبلت الارتباط بي في فترة كنت فيها موظفا بسيطا في الخطوط الجوية المغربية ولم يكن راتبي يتجاوز 2000 دهم (مائتا دولار) ورغم ذلك، فزواجي كان بعد علاقة حب استمرت اربعة أعوام قبل الزواج، وقد تمكنا معا من تخطي عقبات الفوارق التي كانت بيننا خاصة فيما يخص اختلاف التقاليد والعادات فهي فنلندية وانا مغربي. وما يؤكد متانة علاقتنا اننا سنحتفل العام المقبل بالذكرى الفضية لزواجنا الذي اثمر ثلاثة اطفال هم حسناء وبثينة وايوب الذين اعتبرهم لآلئ عقد علاقتنا.

* لماذا فضلت الزواج من اجنبية؟

ـ لم اختر قدري، حدث ذلك بالصدفة ولم تكن لدي فكرة مسبقة ان اتزوج من فنلندية لكن توطد العلاقة بيننا ساهم في الارتباط بيننا نهائيا، كما ان رغبتها في اعتناق الاسلام جعلها اقرب من غيرها الي، نظرا لحسن اخلاقها وتوفرها على كل جوانب الزوجة المثالية.

* هل كانت زوجتك تفرح حين كنت تحقق الانتصارات، وهل تعتقد انها ستؤازرك وتكون الى جانبك في مباراة لمنتخب المغرب ضد منتخب فنلندا؟

ـ لا يمكن ان اصف لكم مواقفها فقد كانت دائما الى جانبي سواء حين لعبت للوداد البيضاوي أو مع المنتخب المغربي او حين احترفت في اسبانيا مع فريق مايوركا، وحتى اذا التقينا مع منتخب فنلندا وسحقناه فأول من سيصفق لهذا الانتصار هو زوجتي.

* نعود ثانية الى الابناء فهل ستوجههم في اختياراتهم الحياتية لتحديد مستقبلهم، ام انك ستترك لهم حرية الاختيار؟

ـ اعتقد ان التطور في مجال التقنية ساهم كثيرا في تحديد الاختيارات المستقبلية، فأبنائي استفادوا كثيرا من هذا التطور واظن انهم حددوا توجههم، لذلك لن اتدخل ابدا في اختياراتهم.

* هل لديهم ميول رياضية وما هي اختياراتهم خاصة في هذا السياق، وهل توجههم في ذلك؟

ـ لديهم ميول لكن ليست احترافية بل يمارسون بعض الانواع الرياضية عن طريق الهواية والاستمتاع بها فقط، كما انهم يحصرون اهتماماتهم في المطالعة.

* الا ترى ان بلدك قصر في حقك لانه لم يخصص لك تمثالا او شارعا يحمل اسمك كما فعلت ادارة مايوركا التي اقامت لك تمثالا في احد متاحفها؟

ـ لا احتاج ذلك لمعرفة مدى تعلق الجماهير المغربية بي، فما قامت به الجماهير المغربية خلال عودة المنتخب المغربي حين خرجت الى مختلف شوارع المدن خير دليل على حبها واعترافها بما انجزناه في تونس.

* سبق لك أن عشت تجربة فاشلة في المجال السياسي حين اخفقت في انتخابات برلمانية سابقة عندما ترشحت مع احد الاحزاب في مدينتك سلا، ماذا يعني لك ذلك الفشل اليوم بعدما اصبحت بطلا وطنيا؟

ـ اذكر ذلك لكني لم افشل في هذه التجربة بقدر ما نجحت فيها لانني اكتشفت انني محصن ضد الكذب ولم اسلك الطرق الملتوية والمشبوهة، بل افتخر انني جئت ثانيا في حي شعبي جدا (حي الانبعاث) بعد منافسي الذي كان له باع طويل في السياسة.

* ولنفترض انك نجحت في هذه التجربة كيف كنت ستعشر انك تحولت من حارس قدير الى برلماني؟

ـ ثق بي اذا قلت انني كنت سأستقيل لان ميدان السياسة بعيد عني كل البعد، كما انني اكتشفت خلال الحملة الانتخابية ان الطرق التي سلكها منافسي لا تناسبني. فاخلاقي لا تسمح بالكذب على الناس.

* ماهي الانواع الرياضية التي تمارسها غير كرة القدم خاصة بعد اعتزالك؟

ـ امارس بانتظام كرة المضرب منذ عدة اعوام الى جانب القنص والصيد البري ثم رياضة الغطس والصيد في اعماق البحر وافضل مناطق قريبة من مدينة الصويرة بجنوب المغرب خاصة منطقة سلوان حيث اجد متعة كبيرة في الغطس.

* ما هي الاطعمة المفضلة لديك وهل تجد متعة في اعداد اطباق بنفسك؟

ـ افضل كل الاطباق المغربية خاصة الكسكس بلحم رأس الغنم، كما اني أعتبر نفسي مختصا في اعداد اطباق السمك التي تعلمت اعدادها عندما كنت في اسبانيا، وقد تفوقت في هذا المجال بحيث أن أمي لا تأكل السمك الا إذا كان من اعدادي.

* ما هي احب الاوقات لديك؟

ـ لا اميز بين وقت واخر واحاول دائما الاستفادة منها لقضاء حاجياتي اليومية والخضوع في جزء من النهار للراحة، لكن غالبا ما تكون لدي ارتباطات والتزامات فلا استطيع التفريق بين الصباح والظهيرة والليل، وتبدو جميعها متشابهة بالنسبة لي.

* لو لم تكن حارس مرمى ومدربا لمنتخب المغرب، ما هي المهنة التي كنت ترغب في ممارستها؟

ـ انا خلقت لأكون حارس مرمى ومدربا ولا شيء غير ذلك، فمنذ طفولتي اكتشفت ان ميولي كروية فكنت اقضي معظم اوقاتي في التمارين الرياضية ومتابعة مباريات مختلف البطولات التي يبثها التلفزيون وكنت اجد في ذلك ضالتي وراحة نفسي.

* ما هي الانواع الموسيقية التي تستهويك؟

ـ اطرب للمجموعات الغنائية الاصيلة كناس الغيوان وجيل جيلالة وتكادة والمشاهب ومسناوة اضافة الي الموسيقى العصرية وافضل عددا من المطربين المغاربة ابرزهم عبد الوهاب الدكالي وعبد الهادي بلخياط لانني اتذوق كثيرا اللهجة المغربية.

* هل تتقن العزف على احدى الالات الموسيقية؟

ـ نجحت في كل شيء الا العزف على الة موسيقية وحاولت مرات ففشلت وقد حاول معي استاذ الموسيقى المعروف الحاج يونس لأتعلم العزف على آلة العود من دون فائدة.

* موقف صعب عشته في حياتك.

ـ حين انضممت لفريق مايوركا الاسباني عام 1986، سافرت برفقة الفريق لمقابلة فريق خيريس في بطولة الدوري الاسباني، فغلبني النوم لطول الرحلة فغفوت، ولم اشعر بشيء من حولي برغم هبوط جميع اللاعبين وخلو الحافلة، ثم استيقظت على اثر توقف محرك الحافلة، بعد اربعين كيلومترا من فندق اقامتنا، فرفض السائق السماح لي بالنزول، لانه لم يكن يعرفني جيدا وشكك في امري، حتى حضر مسؤولو ادارة الفريق الذين تنبهوا لغيابي فعاقبوا مواطني حسن فاضل الذي كان يلعب معي في الفريق وفرضوا عليه غرامة مالية لانه لم يوقظني حين وصول الحافلة وهو الذي كان مكلفا بمرافقتي.

* ماذا تمثل لك الكلمات التالية؟ الصراحة:

ـ الصراحة تعني لي ان اخاطب الناس وجها لوجه وهذا جانب اعتز به لانني لا أستطيع ان اخدع أي احد.

* الكذب: ـ صفة الجبان.

* الصديق: ـ عليك ان تحسن اختياره.

* المال:

ـ ضروري لكنه ليس كل شيء في الحياة.

* الفقر: ـ ليس عيبا ولولا ابناء الفقراء لضاع العالم.

* الثراء: ـ الصحة افضل منه بكثير.

* اين تقضي عطلتك؟

ـ في المغرب خاصة في مدينة ايفران الجبلية.

* أمنية لم تحققها في حياتك؟

ـ مادمت حيا فكل شيء ممكن تحقيقه بالعزيمة والارادة، وبإذن الله تعالى.